الذكرى الأربعون لرحيل القائد عبدالقادر سعيد

أحمد عثمان
الأحد ، ١٨ مايو ٢٠١٤ الساعة ٠٥:٣١ مساءً
اعتدتُ أن أكتب عن بعض الرموز التي ودّعتنا في ذكرى رحيلها، رموز وطنية كانت تملك ما يحتاجه الآخرون والأجيال، فأعطت أفضل ما عندها وذهبت حزينة وقلبها على الوطن والأجيال؛ ومن الوفاء ألا ننساهم حتى لا نفقد أجمل ما في ذاكرتنا ونفقد تراكم التجارب البهيّة بينما التجارب السلبية تتوالد كل يوم. 
 
اليوم هي الذكرى الأربعون لرحيل شخصية وطنية نضالية متميّزة أسهمت منذ وقت مبكّر في تهذيب العمل الحزبي وتصويبه في وقت كانت الإشارة بالنقد إلى أن «الحزبية» خيانة وطنية، إنه المناضل «عبدالقادر سعيد» القيادي الاشتراكي وأحد مؤسّسي حركة القوميين العرب وصاحب الخليّة الأولى في النضال المسلّح ضد المستعمر؛ مع أنه كان ضد فكرة العمل المسلّح في الصراع السياسي الوطني بعد خروج المستعمر حتى اتهم بـ«العمالة» من البعض لوقوفه ضد الحروب الأهلية، كان يؤمن بالنضال السلمي وهو النضال الذي ينشئ مجتمعاً سليماً ودولة غير مغتصّبة بالسلاح. 
 
النضال السلمي الأسلم والأقوى وثماره مضمونة؛ مع أنه أصعب بكثير من السلاح، فمن السهل أن ترمي رصاصة وتقتل إنساناً، لكن من الصعب أن تحمل وردة وتسهم في إحياء شعب واستنهاض الجماهير بعيداً عن التشوّهات والإقصاء والاحتكار والعنيف المدمّر. 
لقد كان عبدالقادر سعيد يؤمن بحق الآخر المختلف معه ووجوب مشاركته العمل الوطني وإنصافه وإدارة الخلاف بما يخدم الحركة العامة ويبني وطناً ودولة، وفي وقت لم يكن هناك مكان للآخر في العمل السياسي الذي طغت عليه سياسة «من لم يكُن معي فهو عدوّي؛ بل عدوٌ للوطن». 
 كتب عبدالقادر سعيد عن الوحدة وناضل من أجلها، وكان رابطاً قيادياً بين ثوار الشمال والجنوب انطلاقاً من مدينة تعز، سمعت عنه الكثير من معارفه ورفاقه الذين وصفوه بصفات استثنائية خاصة بما يتعلّق بثقافة المشترك الوطني وإيمانه أن القوّة الوطنية لا تأتي من إضعاف وشيطنة الآخر؛ بل من تكامل هذه القوى، وهذا ما نحتاجه ويحتاجه اليمن. 
 
لقد شعرت به قريباً مني؛ زاد ذلك معرفتي بولده النبيل الدكتور «أكرم» الذي أخذ من أبيه الحب لليمن المشترك ونفّره من التطرُّف والإقصاء و«من شابه أباه فما ظلم» كان صديقاً حميماً لكثيرين من قادة الحركات الوطنية التي تقف في الطرف الأيديولوجي الآخر مثل عبده محمد المخلافي مؤسّس حركة «الإخوان المسلمين» في اليمن وغيره من قيادات العمل الوطني، وعلى غير العادة السائدة حينها كان هؤلاء كأصدقاء نضال يخوضون نقاشاً مطوّلاً وناضجاً لإخراج الحركة الوطنية من ضيق التعصُّب والإقصاء التي خدمت المستبد وأهدرت طاقات جبّارة.  
كانوا يبحثون عن صناعة كيان مشترك في ستينيات القرن الماضي، لقد سبقوا عصرهم ولم ينساقوا بعد موجة الكراهية التي كانت تنتجها الحركة الحزبية يومها، لكن غيابهم كان أسرع، قال عنه الشهيد جار الله عمر: «أقول للتأريخ إن عبدالقادر سعيد كان الرجل الأكثر نضجاً والأكثر تطوّراً منّا جميعاً». 
 
عبدالقادر سعيد وأصدقاؤه يستحقّون التكريم واستدعاء سيرتهم كنموذج لشباب اليوم، وكنت أتمنّى من الأخ رئيس الوزراء ـ تحديداً ـ أن يعمل على إطلاق اسمه على مركز «للتسامح الوطني» ليكون منارة للتسامح وتمتين المشتركات الوطنية في ثقافة الأجيال؛ خاصة أن الأستاذ باسندوة ـ بحسب علمي ـ من المعجبين والمحبّين لشخصية المرحوم المناضل عبدالقادر سعيد. 
 الرحمة لهؤلاء الأبطال, والنصر والحب لليمن وشعبه. 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي