الخلفيات والمنطلقات المعرفية والسياسية للرئيس هادي ودورها في ترتيب أولوياته في معالجة قضايا الوطن جامعة صنعاء "أنموذجا"

كتب
الثلاثاء ، ٠٩ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ٠٤:١٨ صباحاً

بقلم الدكتور/ محمد عبدالله عبدالرحمن الحميري

من المؤكد أن المرحلة التي تمر بها بلادنا تمثل واحدة من أكثر مراحل تاريخها الحديث تعقيدا واستشكالا على كل الأطراف المعنية بأزمتها الراهنة وجذورها المتداخلة والمتشابكة، ولا شك أن أكثر من يتحمل أعباء تلك الإشكالات والتداخلات والتعقيدات هو فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي المنتخب بشكل توافقي من قبل كل الأطراف المحلية وبمباركة ودعم وتأكيد من كافة الأطراف الخارجية المعنية بقضية بلادنا والضامنة والشاهدة والمؤثرة في صياغة وإقرار المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، ذلك لأن الكل ينتظر من فخامته حلولا ربما سحرية لإنقاذ سفينة الوطن والإبحار بها سريعا في الاتجاه الذي يضمن للوطن عودة الاستقرار ومواصلة خطوات ومسيرة التنمية وتصحيح الأخطاء التي رافقتها، وفي الوقت الذي نقدر فيه حجم تلك الصعوبات التي وجد وسيجد الرئيس نفسه مضطراً للتعامل معها خاصة في ظل وجود أطراف سياسية عديدة ومتناقضة في مطالبها وفي رؤيتها وفي طموحاتها، وليت الأمر كان قد توقف عند مستوى التناقض السياسي بين الأحزاب والأطراف السياسية الموقعة على المبادرة وآليتها التنفيذية، فربما كان الأمر هينا، إذا ما كان المعني بحل مثل تلك الإشكاليات والتناقضات قائد وسياسي محنك ومخضرم كالرئيس هادي الذي امتلك مقومات شخصية ومؤهلات سياسية وإدارية، وخبرات نضالية متعددة ومتراكمة إلى حد يسمح لنا بالقول دون مبالغة بأنه يكاد يكون أول قائد وحدوي يمني ينفرد بتلك المؤهلات فقد بدأ حياته في جنوب الوطن قبل الوحدة مناضلا وعسكريا، ثم تدرج في تطورات حياته تلك ليكون شاهدا على أهم منعطفات اليمن السياسية منذ ما قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر مرورا بفترة الحكم الوطني للجنوب وبخاصة أثناء حكم القوى الإشتراكية التي وجد الرئيس هادي نفسه أحد عناصرها القيادية العسكرية لتضيف إلى خبرات مدرسته العسكرية الأولى في بريطانيا خبرات عسكرية وسياسية روسية، وبحكم تميزه فقد مارس أدواراً قيادية في الجيش في جنوب الوطن قبل الوحدة بقدر أهله لأن يكون أحد أركان معادلة الصراع الذي انتهى بأحداث يناير 1986 والتي قادته مع بعض من رفاقه للجوء إلى شمال اليمن وكأن الأقدار لا ترشحه فقط بل تسوقه سوقا ليعيش كل أبعاد المشكلة الراهنة من خلال استكمال مسيرة نضال سياسية ووحودوية عاشها كحزمة متكاملة وكوجبة إجبارية ليختلط فيها برفاق عسكريين وسياسيين في شمال الوطن وفي أحلك ظروف سياسية كان يمر بها الوطن بشطريه، لكن دوره في الفترة التي أعقبت أحداث 1986 وقبل الوحدة وحتى فترة ما بعد الوحدة إلى ما قبل أحداث 1994، كان أشبه بدور رجل يعده القدر بهدوء وبعيدا عن الأضواء لقيادة البلد في أحلك مراحلها السياسية والإدارية وبكل ظروفها المحلية والإقليمية شديدة التعقيد، ولذلك فقد اختار القدر أدوارا فاعلة في القيادة الميدانية لأحداث حرب 1994 ضد قوى الإنفصال في الجنوب، ثم اختارته القيادة لمنصب نائب الرئيس الذي وجد نفسه فيه يتعامل مع قضايا الوطن المختلفة من موقعه كنائب للرئيس وكأحد صناع القرار السياسي الأول في البلاد، لكنه وإلى جانب مسئولياته العديدة في منصبه هذا، قد وجد نفسه أيضا معنيا أكثر من غيره في التعامل مع أكثر الملفات الشائكة وهي ملف بوادر التمرد العسكري وحركات الانفصال في بعض المحافظات الجنوبية، وملف بوادر التمرد العسكري وحركات الانفصال في بعض المحافظات الشمالية وخاصة ملف صعدة والحركة الحوثية، وقد أدار الرئيس هادي هذه الملفات بمسئولية وكفاءة وهدوء بال وأعصاب وبعيدا عن بهرجة الأضواء إلى درجة أن كثيراً من المراقبين بل والمعنيين بالشأن اليمني ربما لم يكونوا حتى الساعة يعلمون بهذا الجانب من المسئولية التي تولاها الرئيس هادي وهو نائبا للرئيس، وبالذات دوره في متابعة وإدارة ملف ليس فقط الحرب في صعدة بل والتنمية فيها طبعا كان معنيا بذلك إلى جانب الرئيس السابق وإلى جانب عدد من قيادات البلاد آنذاك، ولكنه كان أكثرهم بعدا عن الأضواء وأعمقهم انغماسا في مسئولية المعالجة لهذه المشكلات، وهكذا ساعدته تطورات أدواره النضالية ومكونات حياته السياسية والعلمية والاجتماعية تلك في أن يكون الشخصية المؤهلة دونا عن غيرها من كل أبناء الوطن التي التف حولها بتوافق إعجازي غريب وبإجماع وطني غير مسبوق حين قامت كل الأطراف المتحاربة في البلاد باختياره عن قناعة تامة ليقود اليمن في مسيرته الراهنة بكل تعقيداتها وتحدياتها وتناقضاتها المحلية والخارجية،،،

 فكيف بدأ يدير مسئولياته الجديدة؟؟ لقد بدأها بذات الهدوء والرزانة والعقلانية التي عرف بها في أشد أشهر الأزمة السياسية وخاصة الأشهر السابقة لانتخابه رئيساً تعقيدا وصعوبة، حيث أعلن عن أولوياته ورتبها بشكل منطقي توافقي وكان في ذلك فعلا موفقا إلى أقصى حد، فالأولوية عنده توجهت لإعادة الاستقرار ومحاربة بؤر التوتر والإرهاب التي كانت أكثر الجوانب تهديدا لوحدة الوطن وأمنه واستقراره ثم مسألة إعادة الخدمات الضرورية، وابتعد في أولوياته عن الخوض في تفاصيل مسئوليات يستطيع غيره من القيادات الأدنى أن يخوضوا فيها، ولذلك فلن أخوض أنا هنا في مقالتي هذه في ذكر نماذج لما نجح فيه من حلول في القضايا الكبرى فالكل تقريبا قد تابعها واستوعبها، ولكني سأذكر قضية من أبرز القضايا الشائكة والتي قد تصنف بأنها من ذات الحجم الأصغر ولكن الأكثر والأشد خطراً وهي قضية التعليم في الجامعات الحكومية التي تأتي قضية جامعة صنعاء على رأسها كنموذج صارخ وبارز باعتبارها الجامعة ليس فقط الأبرز والأكبر والأهم ولكن باعتبار أن هذه الجامعة دون غيرها من جامعات اليمن هي التي تعرضت الدراسة فيها ومبانيها وكذلك طلبتها وهيئتها التدريسية لأهم وأخطر انعكاسات تطور الأزمة اليمنية، فعلى ساحاتها ومن داخل قاعاتها خرج الطلاب المستثارون كثائرين ومخيمين في الشوارع المؤدية إليها هم والعديد من أساتذتهم الذين كانوا هم في الأساس من دفعوا بذلك القسم من طلاب الجامعة لافتراش الشوارع وجعلها بيتا لهم ومحلا لسكنهم، وفي قاعات الجامعة وبين الممرات الرئيسية لكلياتها قبع العسكريون الموالون لهؤلاء الثائرون والمستثارون والمؤزمون والمتأزمون، وكانت النتيجة حرمان الطلاب من الدراسة طوال فصل دراسي جامعي كامل، وحينما حل موعد الفصل الذي يليه اضطرت رئاسة الجامعة للبحث عن مقرات بديلة لبدء الدراسة فيها وسط فوضى دراسية وانقسام بين الطلبة والمدرسين، وفي ظل حالة ترقب وحذر من الوصول إلى مرحلة الاقتتال المسلح،،،،، فكيف تعامل الرئيس هادي مع هذا التحدي الذي حتى وإن كان الأصغر حجما مقارنة بتحديات وطنية أكبر، فإنه كان وما يزال يمثل التحدي الأخطر عمقا والجرح الأكثر غورا في مستقبل التعليم والتنمية الوطنية برمتها في اليمن؟؟؟؟

 لقد عالج الرئيس هذا الأمر بهدوء وبحكمة وبمسئولية مؤسسية وقيادية إدارية بلغ حدا لم يشعر كثيرون بأن الرئيس كان له دورا في حل هكذا إشكالية، أو أنه كان بقدر أو بآخر معنيا به إطلاقا.. فقد أطلق الصلاحيات لذوي الاختصاص ممن كان على ثقة بأنهم يضعون الهم التعليمي على رأس همومهم واهتماماتهم، وأوعز للجنة العسكرية بأن تجعل من قضية جامعة صنعاء وتنظيفها من حالة العسكرة التي انتابتها أثناء فوضى ما سمي بالثورة هي المسألة الأبرز والأكثر أولوية مستندين لحالة الشعور العاطفي الفطري المشترك لدى كل الخصوم وبخاصة الطرف المتعسكر في الجامعة بأن التعليم والجامعة خطا أحمر لا يقبل المساومة فيه لا على من سيكون رئيس الجامعة ولا على سياسة الجامعة التعليمية والتدريسية والإدارية لأن كل ذلك لم يكن في يوم من الأيام شأنا من شئون حتى الداعين للثورة والذين انصرف همهم فقط نحو تقاسم مغانم السلطة التي لم تكن قد بلغت حد التفكير بقيادة الجامعة كمغنم من مغانم دعاة الثورة... وقد تمكن الرئيس هادي من التعامل مع هذا الملف بمنتهى الذكاء وباستخدام أدوات وقنوات الدولة وتصرف إزائها تصرفاً مسئولا كرجل دولة من الطراز الأول.. وقد أثبت الرئيس هادي مدى رزانته ودهائه القيادي تجاه تطورات هذه الأزمة في عدم اتخاذه ردود فعل انفعالية إزاء تطاولات وتجاوزات رئيس الحكومة الأستاذ محمد سالم باسندوة الذي اغتنم هو ومن يصنعون قراراته فرصة تواجد الرئيس خارج الوطن في مهمة وطنية هي الأكبر وحاول أن ينتصر لطرف من الأطراف المختلفة دون آخر، فجاء قراره مرتبكا وأصدر قرارين في وقت متقارب بتكليف رئيس مؤقت للجامعة وزاد الطين بلةً بعدم التفاته لمؤسسة رسمية معنية بمعالجة هذه المشكلة تقع في نطاق حكومته وهي وزارة التعليم العالي التي لم يشركها البتة في قراره، وكأنه كان يظن أنه ينتمي لعهد ما قبل ثورة سبتمبر وأكتوبر، أو كأنه كان يظن أن الرئيس هادي قد قرر عدم العودة للبلاد أو أنه سوف يتفاعل مع قراره بطريقة انفعالية مشابهة لطريقته ويدفع بحل متسرع مثل الحل الذي وضعه فيظهر مثله تماما بحيث لا يكون هناك بعد ذلك أحد أفضل من أحد، ولكن لأن الرئيس هادي يحمل هموم أمة وبلد فقد رأينا كيف تعامل مع هكذا تصرف من رئيس الحكومة ولم يعر هذه الفقاعة اهتماما أكبر من حجمها، ومع ذلك فلا شك أن مسألة معالجة قضية رئاسة جامعة صنعاء وغيرها من مشاكل الجامعات الأخرى مسألة تحظى باهتمام وعناية فخامة الرئيس الذي نتوقع أن يكون قراره تجاهها قرارا شجاعا وصائبا وحكيما ينتصر فيها للعلم وللجامعة ولكل الأطراف المعنية ولن يكون أبدا بمستوى قرار باسندوة لكل المعاني التي يحملها قرار يصدر عن رئيس الجمهورية وعن قائد حكيم بمستوى فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي.

 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي