أسئلة السيناريو اليمني لبشار الأسد ونظامه

كتب
الثلاثاء ، ١٢ يونيو ٢٠١٢ الساعة ١٠:٥٩ مساءً
 ياسر الزعاترة
بقلم / ياسر الزعاترة

 ليس من اليسير تجاهل ما كشفه قبل أيام “ديفيد أغناتيوس” في صحيفة واشنطن بوست حول خطة كوفي أنان الجديدة للحل في سوريا، والتي لا تزال برسم الجدل إلى الآن. نقول ذلك لأن ملامحها قد تبدت من خلال جملة من التصريحات والمواقف الجديدة للمحاور الأكثر تأثيرا في الأزمة دوليا وإقليميا. تجلى ذلك بشكل أساس بإعلان الروس عن أنهم لا يعتبرون بقاء الأسد في السلطة شرطا لحل الأزمة في سوريا، ومن ثم تأييدهم للسيناريو اليمني “إنْ قبله الشعب السوري”، الأمر الذي قوبل بسكوت إيراني واضح وتغير في اللهجة الصينية أيضا.

والحال أن من العبث النظر إلى المواقف الأخيرة من الأزمة بعيدا عن ملامح ترنح النظام والفشل الواضح لخطة أنان التي يجري تطبيقها على الأرض ولم يلتزم النظام عمليا بأي من بنودها، فضلا عن تطور الثورة السورية نحو عسكرة شاملة، وإن لم تأت على البعد الشعبي الذي لا يزال المعلَم الأقوى بين فعالياتها.

تداعب الخطة الجديدة هواجس عدد من الجهات الفاعلة في المشهد السوري، وفي مقدمتها روسيا وإيران اللتان تضمن الخطة مشاركتهما في الرعاية والتطبيق ضمن “مجموعة اتصال دولية” بما يحافظ نسبيا على مصالحهما. بعد ذلك هي تنسجم مع هواجس المؤسسات القوية للنظام، بخاصة العسكرية والأمنية التي لن تمس، أقله في المرحلة الأولى، الأمر الذي قد يشجع أركانها على الضغط على الأسد من أجل قبولها في حال تلكئه في ذلك. كما تنسجم أيضا مع هواجس البنية الاجتماعية للطائفة العلوية التي قد ترى فيها مخرجا من حرب أهلية ستكون هي وقودها الأساس، مع قناعة باستحالة الفوز فيها، فضلا عما سيليها من عمليات انتقام واسعة إذا لم يتغير الموقف.

يحدث ذلك كله في ظل ما أشرنا إليه من ملامح ترنح النظام التي تتبدى كل يوم من خلال اتساع دائرة الانشقاقات في الجيش، إلى جانب فقدانه السيطرة على مساحات واسعة من التراب السوري؛ الأمر الذي ينذر بإمكانية توفير مناطق آمنة للثوار تكون منطلقا لعملية التحرير قياسا بنموذج بنغازي، فضلا عن سقوط نظرية دمشق وحلب وسط انخراط واضح للمدينتين في الحراك الشعبي، بل وحتى المسلح أيضا.

في تفاصيل الخطة الجديدة نعثر على بنود رئيسة تتمثل في خروج الأسد من البلاد ولجوئه إلى روسيا، وسط شائعات نقلتها ذات الصحيفة الأمريكية عن تهريبه مبلغ ستة مليارات دولار إليها، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لن يكون من الصعب توفير نموذج لأحمد شفيق (سوري) فيها إذا ما توافقت الأقليات التي تلامس ربع السكان عليه وسط دعم من طرف المؤسسة العسكرية والأمنية، وفي ظل تشرذم قوى المعارضة التي لن يكون من السهل عليها الاتفاق على مرشح إجماع.

أما الحديث الخجول للخطة عن إصلاحات تالية للمؤسسة الأمنية، على غرار ما حدث في أوروبا الشرقية، فيمكن التنصل منها بهذا القدر أو ذاك خلال المرحلة التالية. والنتيجة أن الخطة في جوهرها هي عملية إنقاذ للنظام تقترب من السيناريو اليمني، مع فارق أن اليمن يختلف اختلافا كبيرا عن سوريا لجهة البنية الأمنية والطائفية للأخيرة، وإن سيطرت عائلة صالح على الجيش وبعض مفاصل المؤسسة الأمنية.

ما ينبغي التذكير به في هذا السياق هو أن بشار الأسد قد جاء إلى السلطة بترتيب من المؤسسة العسكرية والأمنية بعد وفاة والده حين جرى تغيير بند السن في الدستور لينطبق عليه خلال دقائق، ولولا البنية الطائفية لتلك المؤسسة لما كان بالإمكان نجاح ترتيبٍ من هذا النوع، وبتلك السهولة المثيرة للسخرية كما تابعها العالم أجمع.

الجانب الآخر الذي ينبغي التذكير به هو أن خطة أنان لا تختلف عن مقترح وزير الدفاع الصهيوني إيهود باراك الذي أعلنه أثناء زيارته للولايات المتحدة قبل أسابيع، ثم تبناه (للمفارقة) الرئيس الأمريكي أوباما بعد ذلك بيومين عبر مسمى السيناريو اليمني، ما يعني أن الهواجس الإسرائيلية تبدو حاضرة بقوة في السياق، هي التي تجد في بقاء المؤسسة الأمنية والعسكرية الحالية (باراك ذكر الاستخبارات العسكرية بالاسم) وصفة استقرار للجبهة السورية بدل عسكرة شاملة للثورة تجعل الساحة عرضة لاختراقات “جهادية” سيكون من الصعب السيطرة عليها بعد ذلك، فضلا عن عدم ضمان أجندة الجهات التالية في الحكم.

 والحال أن السؤال الرئيس الذي يطرح نفسه ابتداءً هو ذلك المتعلق بموقف بشار الأسد نفسه من الخطة، وقبله إيران، لكن السؤال الأهم هو موقف قوى المعارضة المتشرذمة، والتي دخلت على خطها مجموعات عسكرية لا يمون عليها لا المجلس الوطني ولا سواه، ثم الأهم ممثلا في موقف الشارع السوري ومدى إمكانية قبوله بخطة تبقي المؤسسة العسكرية والأمنية التي ولغت في دم أبنائه بتلك الطريقة البشعة طوال عقود وليس فقط منذ اندلاع الثورة.

ليست لدينا إجابات قاطعة، وإن بدا أن حديثنا يصب في اتجاه رفض الخطة، ومن ثم المضي في برنامج التصعيد الثوري وصولا إلى إسقاط النظام بالكامل، وبناء سوريا جديدة. وعموما سيكون علينا انتظار مزيد من التفاصيل والمواقف، ومن بينها مواقف رموز الثورة وربما تركيا وبعض الدول العربية المؤثرة كي نعرف مصير الخطة في حال التوافق عليها خلال الأيام المقبلة.

 لترجمة المقال للانجليزية - أضغط هنا

الحجر الصحفي في زمن الحوثي