«ساحة تعز» لم تحترق..!!

كتب
الخميس ، ٣١ مايو ٢٠١٢ الساعة ١٠:٣٩ مساءً
  صدام أبو عاصم حين أحرقوها قبل عام، لم تشتعل النيران في "ساحة الحرية" بتعز، كانت تشتعل أيضاً، في ساحة معنوية مماثلة اسمها الضمير؛ ضمير كل حي.. حركت المحرقة مروحة الحرقة في ضمائر كل الناس في الداخل والخارج.. ولم يكن يدرك مخططوها ومنفوذها أنهم بفعلتهم إنما يشعلون عرشهم الهش بعد أن طغى وبغى عقود.. ليلتها، أتذكر صديقي "عمار السوائي" وهو يهاتفني أنا المقيم في صنعاء ذات الملامح الكئيبة حينها، ليصف لي هو المقيم داخل ساحة تعز منذ تشكلها، مشهد الأسى أولاً بأول. كنت أشعر بالأسى مرتين؛ الأولى حين أتخيل المشهد مرسوماً برعشة صديقي كلما أدلت مكالمته بجديد، والأخرى حين أتذكر أنني لا أستطيع فعل شيء يذكر سوى الكتابة المرتبكة والمتقطعة على حائطي في "الفيس بوك"، وكأن الكتابة في الفيس كانت تطفيء ما تلضى من نار في محيط الساحة وفي جوفي أنا وكل الناس..!! لامجال اليوم للذكرى الأليمة إذا لم تكن محطة متجددة للفرح، فهي في كل الأحوال، كانت وستظل مفتتح لتفاؤل كبير وإعجاب وفخر بها كفيصل مضيء وباهي من مراحل الربيع اليمني، فتعز التي شكل شبانها أول ساحات الثورة الشبابية السلمية وأسموها بساحة الحرية، كانت محل أنظار المتربصين بها، وأشعلوا فيها الحرب، هدموا البيوت، أرعبوا الأطفال والنساء، وقتلوا الأبرياء، وحين فكروا بإجتثاثها كلية من الخارطة، ولم يراعوا انهم سيحرقون الأطفال والنساء والمعاقين والكهول، لم يستمر وجه حكمهم ونظامهم كما هو حتى ولو لأسبوع واحد، فالجمعة التالية، حدث ماحدث بجامع النهدين وأحرق وجه النظام وتفحمت صورته بل وتوزعت أركانه بعدها على غرف الإنعاش. قبل عام، "ساحة تعز" لم تحترق، لم تكتوي بالنار كل خيامها، لم تكتمل أحلامها بالحب، لم تنته أحلامهم بالحرب، لم تشتعل كل الورق.. قبل عام، كانت تعز، وستظل يومياً تعز.. وسيطول طول هوائها الحر الأبي، ترنو طموحاً دائماً نحو البعيد، نحو التآخي والبقاء، نحو المحبة والسلام. قبل عام، لم يحسب الأوغاد خطوتهم إليها، بشرورهم جاءوا يزفون الهلع، جاءوا وبكل أنواع السلاح يتهافتون على إثبات وحشيتهم للوحوش، يتباهون بشيطنتهم أمام الشياطين، قبل عام، قهرت تعز كل الظلام، حين استنفدت نيرانهم واستخدمتها في الضياء ورؤية الحلم الكبير.. قبل عام، "ساحة تعز" لم تحترق.. شربوا من النار التي لظوا حوانيها.. لم يسمعوا الناقوص دق.. قبل الغسق.. لكنهم سمعوا بأن كبيرهم وأبو النزق.. لم تمض جمعه جرمهم إلا وبدلت السماء له رأساً بوجه محترق.. لم تحترق ساحة تعز.. لكنها كانت طريقاً للغرق.. قبل عام، لم تهتز جدران البيوت من الفجيعة والفجاجة في الخصام، لم تتلف اللوحات من فيض الغواية والغرابة والغدر، لم تنمحي كل الشعارات السخية بالوفاء وبالكرامة والأمل، لم تملس التأريخ الثوري فيها أي يدمن أيادي الخائفيين ممن ركبوا موج الجريمة، لم تتبعثر ليلتها الحرية كساحة، لكنها فاحت كعبير دافيء في كل الأرجاء.. لم تترمد الكلمات يومها يا "نيورن" وإنما كتبت ولاتزال لتتسق حروفها مع خيوط الفجر، لتصير مفرداتنا دوماً لها معنى؛ صباح ! [email protected]
الحجر الصحفي في زمن الحوثي