جيمس ورتس | "خيوط اللُّعبة" وجذور الأزمة الحديثة في اليمن!!

كتب
الاربعاء ، ٠٧ سبتمبر ٢٠١٦ الساعة ١١:٢٣ مساءً
يبدو أنّ الانشغال بالانتخابات العامّة في أفغانستان والاحتلال المستمر للعراق أعقاب الانتصار الأمريكي المزعوم هناك، قد ساهما بصورةٍ كبيرة في تجاهل الدول الغربية للحَرَاك الحوثي الذي اندلع في حزيران/يونيو 2004 وأدّى إلى زعزعة الأوضاع في اليمن، لا سيّما التحالف المضطرب بين القوى القبَليّة والسياسيّة والعسكرية التي كانت تحكم الجمهورية اليمنيّة في ذلك الوقت.
 
ومن هنا، فإنَّ التمرد الحوثي الأول الذي تزعّمه حسين الحوثي في شمال البلاد، والحروب الستّ التى خاضتها الجماعة في الفترة بين 2004 و2010، في سبيل الحصول على الاعتراف السياسي والثقافي، قد رسّخت أزمة النظام السياسي المعاصر في اليمن.
 
وبالتّالي، بات العمل السياسي مُسَيّجاً بممارسات القيادات القبَليّة والسياسيّة، فيما تُرك اليمن يواجه محنة الحرب الأهليّة.
لذلك، يمثّل أمر توثيق تلك الانتفاضات، وبصورةٍ خاصّة؛ تقصّي الملابسات التي سبقت استيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنيّة، والشبهات التي تتكرر بوجود مؤامرة تربط الرئيس السابق (المخلوع) علي عبدالله صالح، بقوات المتمردين التي كانت تهاجم نظامه؛ بؤرة اهتمام فيلم "خيوط اللُّعبة" الذي نشره مؤخّرًا المخرج جمال المليكي. في هذا السياق، يعتقد المليكي بوجود وشائج وثيقة تربط صالح بالحوثيين، ويذهب بكل ثقة نحو توفِّير أدلة متواترة تثبت تواطؤ الطرفين في مؤامرة.
 
منها، أنَّ القوات العاملة تحت سلطة صالح، غضت الطرف عن المذابح التي ارتكبها الحوثيون بحق الفصائل القبَليّة، تحت ذريعة وقف إطلاق النار.
 
وهو ما أدى في نهاية المطاف، إلى عدم انخراط جيش"صالح والحوثي" في أي مواجة عسكرية. ليس ذلك فحسب، إنما هناك من يزعم أنَّ كبير المفاوضين في محادثات وقف إطلاق النار متورط في بيع أسلحة للحوثيين، في الوقت الذي كان الرئيس صالح يدعو فيه للسلام في البلاد.
 
على صعيد آخر، أجبرت ثورة الشباب التي جرت في عام 2011، صالح على التخلّي عن السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي، ولكن الأول يبدو أنه قد تنازل عن السلطة على مضض، لأنَّ الأحداث التي عقبت التنازل لم تحدث فراغا في السلطة فحسب، وإنما عملت على تقسيم الشعب إلى فصائل موالية (لشرعيّة) الهادي وجماعات تطالب بعودة صالح للسلطة. ويأتي سقوط صنعاء، في عام 2014، بيد الحوثيين لتعزيز الشبهات المتّصلة بالمؤامرة بين صالح والحوثيين.
 
ولتأكيد هذا المحور، يُبرز الفيلم السهولة التي تمكّن خلالها المتمردون (من المليشات الحوثية) السيطرة على شوارع العاصمة صنعاء، والسرعة التي تمكنوا فيها من اجتراح جدول أعمال جديد يضمن وضع الأجندات الحوثيية في صميم الحوار.
 
وهذا في الحقيقة ما تؤكده شهادة عبدالله الحاضري، العميد في الجيش اليمني؛ حيث يشير في إفادته لفيلم المليكي بأنه لم تكن هناك أية محاولة للدفاع عن صنعاء أو مقاومة التمرّد الحوثي. ويضيف الحاضري أنّ وزير الدفاع "سلّم صنعاء للحوثيين بدلاً من الدفاع عنها كما يقتضي الواجب الوطنيّ والدستوري".
 
والحال، كما يوضِّح الوثائقي، كانت مسيرة تحرّك الحوثيين نحو صنعاء في وسط البلاد، مسيرة وحشية، شملت محاكمات لفصائل سنيّة في مناطق مختلفة من البلاد، وقامت بزرع الألغام في الشوارع والمراحيض العامّة، وتدمير المباني بما فيها المنازل والمستشفيات، وتسبَّبت في فقدان عدد لا يحصى من الأرواح.
 
واليوم، تعمل العاصمة في ظلِّ انقطاع منتظم للكهرباء، وباتت المدينة التي كانت مرة نابضة بالحياة على الرغم مما كانت تواجهه من عدم استقرار، في حالة ترقُّب دائم لعودة التهدئة، خصوصاً بعد تمكّن جيش الحكومة الشرعيّة من استعادة ميناء عدن في الساحل الجنوبي لليمن. ويجرى هذا بالتوازي مع الضربات الجويّة التي ينفذها التحالف العربي الذي تقوده السعودية وتشارك فيه كل من الأردن ومصر، والمغرب والسودان.
 
وتستهدف تلك الضربات جماعة الحوثي، الأقليّة الشيعية، التي تعتبر شبه مسيطرة على مقاليد الحكم الآن في البلاد. ومما يفاقم الأمور أكثر، هو وجود كل من تنظيمي القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة و"تنظيم الدولة الإسلامية"، اللذين يعارضان بعضهما بعضاً، في الوقت الذي يقومان فيه بمحاربة حكومة الهادي وجماعة الحوثي.
 
في خضم ذلك، يسعى المليكي في فيلمه إلى تقديم تفسير لتلك الوقائع بما يضمن اطلاع المشاهد عليها. وفي هذا لا يستند كثيراً إلى صور الاستعارة البلاغية في التراث الأروسطي، أو يتوسّل استرضاء الجمهور من أجل الدراما، فهو ببساطة يوثّق الوقائع، لتصبح حجته أكثر تماسكاً ومتانة.
 
يعمل الدكتورجيمس ورتس أستاذ مشارك للصحافة والإعلام الرقميّ بقسم الصحافة والعلاقات العامّة في جامعة إدنبرو. وهو عضو مجلس إدارة سابق في الجمعية المختصة بشؤون الفيلم في منطقة شمال غرب بنسلفيانيا، كما يعتبر المدير المؤسس لجمعية “Greater Erie Film Office”.
قام بترجمة المقال من الإنجليزية، " منصور علي " 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي