صفقة هروب الصبيحي وهادي!

حبيب العِزِّي
الاربعاء ، ٢٥ مارس ٢٠١٥ الساعة ١٠:٤٦ مساءً
 
لعل أحداث اليوم التي تواترت عن مغادرة هادي لعدن "أو هروبه" لا فرق، كما إلقاء القبض على اللواء الصبيحي قد عززت قناعاتنا في أنه لم يكن من قبيل المصادفة أصلاً أن يتمكن اللواء محمود الصبيحي قبل أسابيع من الفرار من قبضة الحوثيين في صنعاء، وتوجهه إلى مدينة لحج "مسقط رأسه" ثم إلى عدن ولقاءه بالرئيس هادي، بتلك الطريقة "الدراماتيكية المثيرة" التي شابهت إلى حد كبير طريقة هروب هادي، خصوصاً وأنها أتت بعد فترة وجيزة فقط من هروب هذا الأخير إلى عدن، بذات الطريقة وبذات الأسلوب، إذ أننا سنتسم بقدر كبير من السذاجة وربما البلاهة إذا قبلنا بالأمور على هذا النحو من التسطيح.
 
 
فنحن لو سلمنا بفرضية دهاء الصبيحي وهادي، مقابل غباء جماعة الحوثي ومن ورائهم المخلوع علي صالح، فسنكون بذلك قد اتسمنا نحن بالغباء السياسي وليس من نعتناهم بذلك، كما أن تلميع اللواء الصبيحي إعلامياً وسياسياً بذاك الشكل المفرط واللافت، وتصويره أمام الوعي الشعبي وكأنه "سوبرمان" أو المنقذ وطوق النجاة في اللحظات العصيبة والحرجة هو نوع من الاستغباء لذاك الوعي، ومثار شك بالنسبة لنا، يدفعنا لوضع علامات استفهام كبيرة حول الرجل، وطبيعة علاقته بالأطراف جميعها على حد سواء، كما طبيعة المهام التي ربما يُهيأ للقيام بها في قادم الأيام.
 
 
باعتقادي .. وبعد الأحداث التي جرت في عدن الأسبوع الفائت ثم في تعز هذا الأسبوع، أننا أمام ثلاثة من السيناريوهات المحتملة، اثنان منها يقومان على أساس أنه لا يوجد خلاف حقيقي بين الأطراف الثلاثة المتنازعة على الأرض وهم ( صالح والحوثي وهادي) وإنما هو تبادل للأدوار فقط، والثالث يقوم على فكرة أن هناك خلاف حقيقي فعلاً، مع التشديد على أن الأطراف الثلاثة جميعها لا تشكل أي مصداقية في الوعي الجماهيري والشعبي.
 
 السيناريو الأول: أعتقد أن ثمة صفقة قد تمت بين الحوثي وصالح من جهة، وهادي والصبيحي من جهة ثانية، تقوم على مسرحية تهريب الأخيرين إلى عدن مقابل استلامهم الجنوب ومن ثم إعلان الانفصال لاحقاً، وما يجعلنا نميل لهذا الاتجاه هو أن فكرة الانفصال تتلاقي مع رغبة ومصلحة حقيقية لجميع أطراف هذه الصفقة، فصالح الذي لطالما اعتبر الوحدة واحدة من أهم إنجازاته التاريخية، يسعى اليوم لهدمها بكل إمكاناته -حتى وإن أعلن عكس ذلك- وذلك فقط ليقول للجميع بأن البلد قد انهارت ووصلت حد التمزق من دونه، كما أن الحوثي الذي رفض فكرة الأقاليم الستة من الأساس في مؤتمر الحوار، ومن خلفه إيران لا يطمحون -في اللحظة الراهنة على الأقل- بأكثر من التمكن من مناطق الشمال، الأقرب إلى الهدف الرئيسي لهم وهو المملكة العربية السعودية ودول الخليج، حتى وإن بدا توجههم صوب الجنوب جامحاً خلال الأيام الماضية، ثم إن الانفصال يحقق كذلك طموح شخصي لهادي في الاستئثار بحكم الجنوب بعيداً عن مشاكل الشمال.
 
 
السيناريو الثاني: وهو أن تهريب هادي ومن ثم الصبيحي، لم يكن سوى استكمالاً لمسلسل الأحداث التي بدأت فصولها في دماج، من أجل استكمال السيطرة على مناطق الجنوب، وما استنجاد هادي بالسعودية والخليج إلا لخلق ذريعة لابتزازهم من قبل جميع أطراف الصفقة، ولعل أحداث الأسبوع الفائت في عدن كما مستجدات اليوم التي أشرنا إليها بداية المقال، كلها تصب بذات الاتجاه وتدعم هذا السيناريو، وإلا فكيف لعاقل أن يقبل بأن يُقدم العميد السقاف قائد قوات الأمن الخاصة -الموالي لصالح والحوثي- على القيام بعملية تمرد "غير محسوبة النتائج سلفاً" أو محاولة انقلاب على الشرعية كما وصفها بيان القصر الرئاسي في عدن يومها، ثم يتم القضاء عليها في ظرف ساعات وبتلك السهولة، بل وهروب الرجل وتسليم نفسه لمحافظ لحج، ثم وبعد ذلك كله يُخلى سبيله وبكل بساطة، وهو "المتمرد على الشرعية" بحسب وصف البيان وبوساطة من المحافظ "الموالي للشرعية" لينتقل إلى تعز ...!! بربكم أبعد هذا الاستخفاف بعقولنا شيءٌ يمكن أن يقال...!!
 
 
أما السيناريو الثالث والأخير وهو مبني على فرضية أن الخلاف بين الأطراف قائم فعلاً وحقيقي، وأن هروب هادي والصبيحي كان حقيقة موجعة للحوثيين، وبالتالي فإن كل التحركات التي قام بها الحوثيون خلال الأسبوعين الماضيين في عدن وتعز، كانت للانتقام من شخص هادي كما من دول الخليج التي دعمته، ومن ثم القضاء على كل آمال الخليجيين في المراهنة على الشرعية، كما كان الهدف منه كسب المزيد من نقاط القوة عل الأرض قبل قمة الرياض التي تواترت الأنباء مؤخراً حول نقلها إلى الدوحة، والتي أعتقد أن الحوثيين سيوافقون على حضورها في نهاية المطاف، لأن عدم الحضور لن يكون في صالحهم تكتيكياً على الأقل، ولكن بعد أن يكونوا قد مارسوا على السعودية والخليج أكبر قدر ممكن من الابتزاز السياسي، الذي لن يكون أقله رفع اسمهم من قائمة الإرهاب التي كانت قد أعلنتها المملكة في وقت سابق، وفي حال حدث ذلك فإنه سيعني ضمناً الاعتراف بهم كقوة موجودة ومسيطرة على الأرض كأمر واقع ينبغي التعامل معه كحقيقة مُرَّة، أكان من طرف الخليجيين أو من اللاعبين في الداخل اليمني.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي