التمكين.. آفة المشروع الاسلامي

محمد الخامري
الثلاثاء ، ١٢ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ٠١:١٣ صباحاً

 

أُصبت بنوبةٍ صادمة عندما قرأتُ على موقع الاصلاح نت "الموقع الرسمي للتجمع اليمني للإصلاح" مقال منهجي مطول تحت عنوان "التمكين في الأرض المشروع الاسلامي (الإخوان)" وهو من حلقتين، كل حلقة منه اكثر من 7 صفحات لكاتبه الباحث "عبدالله مربوش"..!!

لن افند ماجاء في البحث او اتطرق اليه من قريب او من بعيد لكني اتحدث عموماً، وأؤكد ان مصطلح التمكين أصبح يُسبب لي ولكثيرين غيري حساسية مفرطة لاسيما بعد استخدامه من قبل "الاخوان المسلمون" في مصر وبفضله وصلوا الى ماوصلوا اليه حالياً، حيث عادوا الى مربع الصفر "الى السجون والمعتقلات والمحاكم"..!!

* وحتى لاأترك الفرصة لمن يُحب ان يصطاد في الماء العكر فأوضح اني رغم مآخذي على بعض ممارساتهم كحُكام؛ وكنت انتقدها لدى بعض قياداتهم الوسطية والعليا، وهي ممارسات كنت أراها غير صائبة، إلا اني لاأقر ولم استسغ الانقلاب العسكري الذي حصل عليهم في يوليو الماضي، وكنت أرى ان هناك اساليب اخرى يمكن اللجوء اليها لكسر شوكة الاستبداد الذي ظهر في ممارساتهم التي البت عليهم الراي العام، كجعلهم فصيلا حاكما ضمن عدة فصائل والاعلان عن مجلس رئاسي يكون الرئيس محمد مرسي احد اعضائه او حتى رئيسه لكنه لايحق له الانفراد بالقرار، الى غيرها من الاساليب التي كان يمكن ان يتم فيها تلافي مايحدث في مصر حاليا، سواءً على المستوى الداخلي والانفلات الامني والمظاهرات اليومية وتعطيل مصالح الناس وانقسام الشارع وإيقاف عجلة التنمية، او خارجيا من عدم الاعتراف بالانقلاب من غالبية دول العالم وتأثير ذلك على العلاقات الدولية ومستوى مصر في المحافل الدولية وتصنيفها الائتماني والاقتصادي والسياسي... الخ..

* سبق وقلتُ في احد مقالاتي السابقة ان الرئيس السابق علي عبدالله صالح عندما أحس بأنه وصل الى مرحلة التمكين بعد ان استتب له الامر كرئيس لليمن الموحد عام 90 ثم الانفراد بالسلطة بعد حرب 94م بدأ بالتمهيد لنجله "العميد احمد" الذي كان غير معروف شعبيا ورسمياً؛ شأنه شأن ابناء الرئيس السابق الذين لم يُعرفوا إلا مؤخرا "ضمن مرحلة التمكين التي تخيل انه وصلها"، حيث قام بالإعلان عنه رسميا من خلال ترشيحه لأول انتخابات برلمانية بعد "التمكين" وهي انتخابات 1997م، وبعدها بسنة واحدة فقط تم ترقيته الى رتبة عميد وتعيينه قائدا للحرس الجمهوري عام 1998م وبعدها بسنتين اي عام 2000 تم تعيينه قائدا للقوات الخاصة، إضافة الى احتفاظه بقيادة الحرس الجمهوري واستمر في هذه المناصب العسكرية، اضافة الى ممارسة بعض الادوار السياسية التي كانت بنظر والده تمهيدا لمشروع التوريث الذي هدم المعبد على رؤوس الجميع.

* أعتقد جازما بأنه لو عاد الزمان بعلي عبدالله صالح الى العام 1994م لما أقدم على هذه القفزات غير المعقولة في الاستخفاف بكل القوى السياسية ومختلف شرائح المجتمع اليمني، والتي شكلت في مجملها ضغطا سياسيا استمر في الاحتقان والتفاعل حتى انفجر في اول اختبار حقيقي لرأي الشعب وقوته عام 2011م.

وهكذا هو مصطلح التمكين الذي ربما يكون "لدى علي صالح وبعض السياسيين غير المؤدلجين" شعورا متزايدا وليس مشروعا منهجيا كما هو عند الاخوان؛ لكنه يهوي بصاحبه فور الشعور بوصوله الى تلك المرحلة التي يمكن ان تكون اشبه بالنشوة الكامنة بعد "مخلف صعيب" او محك عصيب مرّ به الشخص او الجماعة او التنظيم او الحزب او الفئة "لافرق"...!!

* ما أفزعني في هذا المقال أو التقرير أو الدراسة ان تكون هي الاستراتيجية القادمة للتجمع اليمني للإصلاح، لاسيما وهو الوريث الشرعي بل الابن الرسمي للاخوان المسلمين "فرع اليمن" ولاأعتقد انه بهذه السذاجة والبلاهة السياسية بحيث انه لم يتعظ مما حصل للأب والمرشد والقيادة العالمية في مصر..

* هناك من سيقول ولماذا الفزع طالما وانه سيوصل الاصلاح الى ماوصل اليه اصحابهم "المصريين" فأقول انا شخصيا لا أحب ان يُقصى اي حزب او تنظيم سياسي قوي من الساحة لأننا سنفقد سنة "التدافع" بين القوى السياسية، وسبق لي ان عارضت اجتثاث المؤتمر الشعبي العام بل دعوت الى مساعدته للبقاء قوياً في الساحة السياسية كي يعمل على توازن القوى ويكبح جماح القوى المعارضة التي قفزت الى السلطة مؤخرا، وحتى لاتشعر "تلك القوى او بعضها" بالتمكين فترتكب فينا الحماقات والجرائم السياسية.

ثانيا: الوضع يختلف في اليمن، فالحركة الاسلامية المنضوية في اطار الاصلاح او الاخوان هنا مسلحة ولديها قوة لايستهان بها "سياسية وعسكرية وقبلية" تم التشبيك بينها وإعدادها إعدادا جيدا منذ العام 90م وربما قبله بكثير، وبالتالي فإن اي حركة يمكن ان تقوم ضدهم سواءً كانت سياسية او عسكرية فان الامر سيختلف تماما.

* لماذا اعارض التمكين وأخاف منه وهو سنة الله في الكون "كما يدعون" ويستشهدون بالآية الكريمة "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"، وأنا مؤمن بهذه الاية وبوعد الله للمؤمنين وأرى انها انطبقت على عهد الخلفاء الراشدين وربما بعدهم من التابعين وحكام الدولة الاسلامية عندما كان العالم مقسوم الى فسطاطين.. مؤمنين وكافرين فقط، اما اليوم فان المشروع الاسلامي متعدد الاتجاهات، وهناك ادعياء كثر لهذا المشروع او الارث الاسلامي، فهناك السلفيين والاخوان والدعوة والتبليغ والربانيين والجهاد والقاعدة وانصار الشريعة وانصار الله والإيرانيين والإسلاميين المستقلين والصوفيين وغيرهم الكثير من الجماعات والأحزاب والتنظيمات التي تدعي انها صاحبة المشروع الاسلامي وأنها تريد إقامة شرع الله في الارض؛ وبالتالي فهي تنطلق من منطلق ديني وترى نفسها أحق بالتمكين الالهي الموعود في هذه الآية الكريمة..

في ظل هذا الكم الهائل من الحركات والتنظيمات والجماعات الإسلامية التي تدعي تمثيلها واحتكارها المشروع الاسلامي؛ من نتبع ومن الذي سيُمكنه الله.. كلهم يقولون نحن الفرقة الناجية، نحن على الحق، وغيرنا هو الضلال وهو الخطأ، هذا منطق حالهم وان كان بعضهم من الذكاء بمكان ألا ينطقوها بلسانهم.

أنصح مشائخي وآبائي وإخواني في التجمع اليمني للإصلاح إلغاء فكرة او مشروع التمكين من قاموسهم السياسي والمنهجي، والعمل على المنافسة السياسية دون انتظار نقطة معينة للوصول إليها "ربانيا" لأن معنى التمكين بلغة البسطاء هو قمة الهرم الحادة والتي لايمكن الوقوف عليها، اي انه يتوجب على من وصلها إما العودة الى الخلف أو الانحدار في الاتجاه الآخر، وليس بإمكانه مواصلة المُضي قدما الى الاعلى او حتى الاستمرار في التحليق على نفس المستوى أفقياً.. مع محبتي

الحجر الصحفي في زمن الحوثي