أسباب الثورة ما زالت قائمة

كتب
الأحد ، ٠٥ مايو ٢٠١٣ الساعة ١٢:٣٢ صباحاً

 

لا شيء تغير في حياة الناس إذن.. ربما لا شيء في طريقه للتغير على الأجل القصير، في ظل غياب – أو قصور- أي تحرك جدي يكبح التدهور الكبير في معيشة الناس، والخدمات الأساسية التي يحتاجونها. الثابت الأكثر حضوراً في ظل تلك الأوضاع أن أسباب الثورة مازالت قائمة بقوة، وعلى المسؤولين بمختلف مستوياتهم أن يعملوا على تفاديها لأن تبعاتها ستكون كارثية على البلاد. 

هذه ليست مزايدة، بل خلاصة تقرير حكومي أصدرته الأسبوع الماضي، وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وكشف عن تدنٍ مريع ومستمر في مؤشرات التنمية البشرية، التي تعني بالمفهوم البسيط مدى توفر مقومات الحياة الإنسانية الكريمة للمواطنين. 

اليمن من أفقر بلدان العالم، وقرابة ثلث سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر، وبأعلى معدل نمو سكاني عالمياً (بنسبة 3 %)، لا يضاهيه نمو في الموارد الاقتصادية والمالية، وفيها أعلى معدلات البطالة. وهي أكثر البلدان فقراً للمياه، فنصف السكان لا يحصلون على مياه مأمونة. وهي بلا أمن غذائي، فـ 16 % من المواطنين يعانون فقر الغذاء، و43 % من الأطفال دون الخامسة يعانون سوء التغذية، ويموت 8 % تبعاً لذلك وانعدام الرعاية.. 

وفيها -اليمن- معدل خيالي للأمية على مستوى العالم يبلغ 62.1 %.. والأشد إيلاماً في نسبة الأمية هذه، أنها لم تحصِ نسبة الأمية المقنّعة لذوي الشهادات ممن لا يجيدون القراءة والكتابة. 

وفقاً للتقرير، فلدينا مليونا طفل لا يعرفون المدارس.. جيلٌ أمّيٌ واعدٌ بمزيد من التخلف، ووراثة مشهد الذل والإهانة في حدود الجوار، أو جحيم الغربة، أو الانتحار كنتيجة حتمية لانعدام خيارات ومقومات الحياة والعيش الكريم. 

تلك بعض المؤشرات الرسمية، التي لم تُحصِ بالتأكيد أناساً يعيشون في الأرياف ولا يقيدون في سجلات مدنية، ولا تربطهم أي وثيقة رسمية بالبلد التي يولدون ويموتون فيها. 

إعادة إصدار التقرير بتلك الحقائق المفجعة -والمنقوصة على الأرجح- هي بادرة إيجابية، لتدرك الحكومة حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها.. وإذا لم يتبع هذا التقرير تحرك جاد ومسؤول من قبل الحكومة بكافة تشعباتها، لحفظ حياة الناس، وتحسين معيشتهم بشكل تدريجي، فإنه سيبقى كتقارير سابقة وخاوية أصدرتها الحكومات المتعاقبة، لم تكن لتمثل أكثر من أموال مهدرة بغزارة لجمع معلومات كارثية عن وضع المجتمع، دون أن تقدم حلولاً تخفف من وطأتها. 

مضى عامان على الثورة التي شارك فيها بسطاء البلاد بأحلامهم بغدٍ أفضل على مستوى معيشتهم، وكرامة أبنائهم قبل كل شيء.. أملاً بمستقبل مختلف توقعوا أن يلمسوا أثره تدريجياً، وبما يحفظ حياتهم وكرامتهم، كحد أدنى، لكنهم لازالوا يقتلون بالجملة ابتداء بعبث السلاح المنتشر في كل مكان بلا رادع، وانتهاء بضحايا الطرقات، وتدهور الخدمات الصحية في المستشفيات. 

الحديث عن التغيير في البلاد هو محض هُراء بالنسبة لشعب زادت حالَه وطأةُ الأزمات الاقتصادية التي رافقت الثورة تدهوراً.. ليس كافياً تسويق الوهم باستعادة بعض جوانب معيشتهم إلى الوضع الذي ثاروا عليه، كإنجاز لحكومة ما بعد “الثورة”. 

ليس من المنطق إقناع الناس بالتغييرات التي شهدها هرم السلطة المدني والعسكري، باعتبارها نتائج الثورة التي ينشدونها، إذ اقتصر نفعها حتى اللحظة، على أولئك المسؤولين الجدد وأبنائهم وأقاربهم غالباً، وربما دائرتهم الضيقة الخاصة والعامة.. تلك التغييرات شأن لا يعنيهم، إذا لم يكن لها أثر يضمن لهم العيش الكريم. 

الديمقراطية ليست وجبة يأكلها الناس، والإصلاحات ليست أدوية تطبيب واستشفاء تفي بعلاج مرضاهم، والانتخابات ليست حلاً سحرياً لمشكلة البطالة، والثورة ليست إلهاً يرزق الناس من حيث لا يحتسبون، والحرية لا معنى لها بلا كرامة وأمن إجتماعي.. 

هي مجرد أدوات متنوعة ومختلفة، تؤدي وظائفها الهادفة لإحداث تغيير في حياة الناس ومعيشتهم، وإذا لم تتضافر تلك الأدوات مجتمعة وتتنافس البرامج فيما بينها لخدمة الشعب وتحقيق بعض رفاهيته، وترقية أوضاعه، فستكون الخيارات المتاحة كارثية.. إما الارتماء في أحضان مشاريع العنف التي تعتاش وتنمو بكسب مؤيديها عبر تعويضهم في معيشتهم وتقديم خدمات وعدالة اجتماعية قصرت فيها الدولة.. وإما الثورة مجدداً على كل مفاصل الحكم القائمة على أطلال النظام السابق، لكن الخوف كله أن تكفر أدواتها بالطرق السلمية التي لم تؤمن من خوف أو تسمن من جوع سابقاً. 

بقليل من الاهتمام والمسؤولية والجدية في معالجة أوضاع الناس سيكون بإمكان المعنيين بالحكم تجنب ثورة كرامة، لازالت أسبابها قائمة في البلاد، والفرصة متاحة للشروع في معالجتها تدريجياً قبل فوات الأوان. 

[email protected] 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي