اليمن .. خارطة بلا طريق

أكرم توفيق القدمي
الثلاثاء ، ٢٤ اكتوبر ٢٠٢٣ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً

جرت العادة ان يكون لقاء الأمير خالد بن سلمان بقيادة واعضاء المجلس الرئاسي اليمني لحسم خلافٍ ما ، أو لتقديم حزم من المساعدات الاقتصادية ( الاغاثية) العاجلة قبل وقوع الحكومة فريسة  للإفلاس والعجز ، وربما تكون لقاءاته لفض نزاع سياسي حول نقاط تفاوضية بين المكون الشرعي والميليشيا الحوثية في سياق إنفاد تسوية فرعية يتقدم بها الوسطاء نحو السلام ، وهنا قد يصنف البعض تلك اللقاءات في اطار الضغط الممارس سعودياً على الرئاسة  ويقراها آخرون بأنها تنازلات متعمدة وتفريط من قبل مؤسسة الحكم تتجاوز الصلاحيات  الدستورية  ، فيما تتعاطى الرئاسة مع تلك المطالب باعتبارها تسهيلات تنصب في مصلحة الشعب حد وصفها ، يراها قواعد وانصار الشرعية  تفريطاً باحلامهم  واستخفافاً بدماء الشهداء ، والطرف الآخر يرصدها انتصارات تحقق له الاعتراف المأمل ، كمراقب ارى انها في مجملها   محاولات لترويض الحوثي  سياسياً ، واخراجه من قالب المقاتل الى المفاوض ، تعمل المملكة على  اخراج الحوثي من حالة الاستعصاء وتجهد في ترويضه  وربما تحرز تقدماً حقيقياً يفضي إلى ابرام صفقة تطفئ نار الحرب من وجهة نظرها ،  لقد أعادت  المملكة العربية السعودية تموضعها في ملف اليمن ونجحت في الخروج من كونها طرف ومحرك عسكري وممول داعم للشرعية ومتزعم لاستعادتها  ، الى وسيط فاعل  يعمل على تشجع الأطراف اليمنية برمتها للتوصُّل إلى حل سياسي شامل ودائم تحت إشراف الأمم المتحدة ، ربما تكون دوافعها اللحظة تأمين حدودها وتحييد  مصالحها عن الصراع البيني خارجياً وتبييض صفحتها التي اراد الغرب من خلال احداث اليمن جرها الى مربع استنزاف لا آخر له ؛ كذلك فإنها لا ترى   في احتمالات عودة التوتر تهديداً مباشراً لأمنها القومي كما كان في السابق  ، هذه الخطوات أتت بعد نجاح الرياض في اخماد وتيرة الحرب الباردة بينها وبين إيران وفتح آفاق للشراكة معها ، إذ تسعى السعودية لتصفير خلافاتها في المنطقة لتتفرغ للبناء وهذا حق من حقوقها ، ولكن  كل ذلك لا يمنع ان يتجه الاشقاء في سياق النضوج الملحوظ للعمل بالشراكة مع والاشقاء في الإقليم على رسم خارطة طريق واضحة الملامح لليمن واعادة اعماره ، وعدم الاكتفاء بالإجراءات الترقيعية التي قد تؤجل الاحتراب ولا تعالج مسبباته ، إن الدفع الأمريكي والغربي لضرورة إغلاق ملف حرب اليمن مؤكد ، وذلك لتعدد النوافد المشتعلة دولياً ، فالصراع الروسي الاوكراني والحرب الاقتصادية مع الصين اربكت المجتمع الدولي وعطلت الكثير من مصالحهم . وبخلاف ما تروج له ماكنة الحوثي من رسائل متكررة   تتضمن معلومات مفادها انتزاع التزامات خليجية بمنحهم اموال طائلة وضمان حصولهم على نسبة عالية  من الدخل المركزي للنفط والغاز مقابل سماحهم بإعادة تصديره من المحافظات المحررة ، معطيات تدلل على قراءة فجة ومغلوطة للأحداث وتترجم حرفياً بأنها صفقة لترحيل للحرب ليس إلا .

وصراحة نقولها ، اذا لم تعالج القضية المركزية بتضمين التصور الفعلي لآلية الحكم في اليمن والنظام المتوافق عليه ، والضمانات المؤكدة لعدم النكوص ، وتحديد مسارات تنفيذية لاعادة تموضع السلاح دمج القوات المقاتلة فإن اي تسوية لا تضمن صراحة كل هذه البور هي اتفاقية هشة و لن تستمر .

إن الاكتفاء بانعاش الملف الانساني من مرتبات واطلاق اسرى وفتح الطرق وإن كان ذلك ظرورياً فإنما ذلك اجراء مؤقت يضمن تحقيق  الهدنة لا أكثر ، التعقيدات تحف ملف اليمن والتحديات التي تفرزها احداث المنطقة برمتها قد تدفعها باتجاه تسوية مشلولة ، وربما تحرك هذه  الشواغل  منصات المواجهة  فالثقاب سريع الاشتعال ، ومن يدري .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي