ياولي العهد؛ هل من استثمار في مشروع دولة في اليمن؟

د. عبدالحي علي قاسم
الاثنين ، ٠٧ أغسطس ٢٠٢٣ الساعة ١٢:٠٣ مساءً

 

   إذا لم يكن هناك تشخيص واضح للمشكلة، ومصارحة ومكاشفة أخوية  في أسبابها، وسبل حلها، فلن تكون هناك ثمة دولة، ولا استقرار، ولا تنمية.

   الاستثمار في مشروع اللادولة في اليمن، لاسيما المناطق الجنوبية والشرقية هو سيد اللحظة. فإذا كنا نتحدث عن عصابة واحدة تمتص الشمال، وتعبث ببنيته السياسية والاقتصادية، لتمويل توسعها العسكري خدمة للنفوذ الإيراني الأخطر، فهناك ثمة عصابات يتم الاستثمار فيها، وليس دولة في جنوب اليمن وشرقه.

واقع الحال السياسي أن لا استثمار حقيقي، وفاعل في بنية الدولة، سوى ببعض جرعات اقتصادية كودائع، لا تسعف في حلول مستدامة، بقدر ما هي ترقيعات آنية لواقع دولة منقسمة على مشروعين، متناقضين، كل مشروع ملغوم بعناوين تجمعات عسكرية ليس للدولة نصيب من ولاءاتها، وخدماتها إلا النذر اليسير، مقارنة بما تتلقاه من دعم وتسليح وعتاد. 

   فإذا كنا بحاجة ماسة لهيكلتها في مشروع دولة بجيش واحد، فثمة ضرورة ملحة عليكم أن تعيدوا النظر مع الإمارات في هيكلة مصالحكم على مقاس دولة في اليمن. دولة تكون عمق للخليج، وأخ شقيق لمجابهة الخطر الإيراني المستفحل، لا ساحة نفوذ، تستثمر كل دولة فيها بعصابات تتناحر مع بعضها على مقاس أطماع الآخرين، مستغلة ضعف وغيبوبة نخبة مفلسة، فقدت بوصلتها الوطنية.

   أخي ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان، تجربتكم في بناء دولتكم، وتعبئة مواردها المختلفة بصورة أكثر مؤسسية، وشفافية، ونجاعة وطموح هي محل إعجابنا، لماذ لا تمنحونا الفرصة في بناء دولة على شاكلتكم؟ لماذا لا تهيئ أجواء أمنية وسياسية حاليا في المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن لتفعيل الروافع الاقتصادية المعطلة والمشلولة؟ بدلا من تكليف خزينتكم بودائع تذهب جلها إلى جيوب غير وطنية، بإستثناء فتات رواتب غير مستدامة، وبغير وقتها، ودعم توريد سلع بعمولة القائمين والمستفيدين السياسيين والتجار. 

بصراحة أخوية، الوضع القائم خطير، ولا يفضي سوى لمزيد من النزيف الاقتصادي، والتدهور المعيشي والخدماتي، والأمني في ظل التعبئة العسكرية، والتوسع فيها خدمة لمشروعين متناقضين، متصادمين، عدميين. مشروع انفصالي ليس على مقاس المجلس الانتقالي وطموحه حتى، بل وهو الكارثة أنه على مزاجية أطماع عبثية غير قابل للتنفيذ، وقع بأخطاء، وتشوهات للخارج فيها يدا معطلة، أكثر مما هو تخبط وقلة خبرة الرفاق الجنوبيين، الذين سلموا خياراتهم لعنوان غير صالح، وغير مدروس، وربما غير مستعدين للابتعاد خطوة عنه لتنجلي الرؤية.

والنتيجة إحباط، ويأس متفشي في أوساط أبناء الجنوب من أي تقدم، أو تحسن في ظروفهم الحياتية والتنموية، فقط عسكر! جيش! وتسويق شعارات الجنوب الضائع في غمرة العصابات.

   أخي ولي العهد، لا نريد ولا نتمنى، أن تقعوا في أخطاء وقع فيها الآخرين في الذهاب بعيدا في استثمارات الانقسامات المناطقية والسياسية، والمشاريعية، وأن تكون مصالحكم مرتبطة ببناء دولة، وحكومة فاعلة برأس تدبيري نظيف ووطني، وليس إمعة يتطفل لحسابه الخاص، وسلطة محسوبية مناطقية أصبحت مقرفة.

أخي ولي العهد، نحن بحاجة لحافظة ووعاء اقتصادي واحد، وتفعيل مواردنا والاستفادة منها، وتشغيل ميناء عدن، وبقية الموانئ لخدمة الدولة والشعب، وتشجيع الاستثمار في مجال الطاقة وبقية القطاعات.

  ومهم أيضا تفعيل البنية الاقتصادية المالية ممثلة بالأبناك، والرقابة الغاعلة عليها، ونشاطاتها الاقتصادية، وسياساتها في مراقبة حركة التلاعب بسوق الصرف، والمضاربات، التي تستغل الشلل الأمني والاقتصادي، وانقسام المشاريع السياسية.

أخي ولي العهد، ربما أنك على إطلاع بواقع التدبير العشوائي للموارد الناتجة من بيع المشتقات داخليا، والموارد الظريبية المحصلة على المستوى المحلي في المحافظات المحررة، والتي يتم التعامل معها بعقلية شيخ القبيلة في الصرف، ولا تورد إلى محفظة اقتصادية واحدة، بل تسخر أحيانا في دعم التمترسات البينية، وتغذية شهية التجديد الشعاراتي، الذي لا يخدم الدولة بقدر ما يساهم في تصدع جدارها الرخو.  

   أخي ولي العهد لا غرابة، ولا جديد في أن يكون هناك نزيف اقتصادي، وسياسي، وأمني للدولة في ضوء هكذا معطيات، ولا بد من حلول تسهمون بشكل فاعل في دعمها أنتم والفواعل الدولية كحلول وسط، وحقيقية، لخلق هوامش إيجابية ينعتق فيها مشروع الدولة، الذي يسهم في تحسين البنية الإستراتيجية الأمنية لدول الخليج في مجابهة التحديات الإيرانية، ويلمس المواطن اليمني في نفس الوقت تحسنا في معيشته ومستقر أمنه.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي