جهّزوا لي زوّة..؟!

عبير عتيق
السبت ، ١١ سبتمبر ٢٠٢١ الساعة ١٠:٥٠ صباحاً

عبارة لم يقُلها عبدالملك بل قالها قلبه، وركضت تسّبقه كل أشواقه لأرضه وأهله..!

وللأسف على قدر جمال التعبير وبساطته، على قدر لهفة الروح والضحكة التي لم تسرقها متاعب الأيام..!  جاء الرد أقسى مما توقعت هذه الأشواق التي أُعدِمت مُسبقاً على مشارف الوطن، ولحقها الجسد الطاهر ليُغتال بانعدام ضمير بين الحنايا المرجو وصالُها..!

المشكلة ليست في الغدر فقد اعتدناه للأسف، ولكن هول الحدث أنه ممن اعتقدناه (الأمان)..! التناقض الذي يُحلّق فوق رؤوسنا جميعاً الآن؛ كيف يكون ما نخاله موطناً للأمان هو ذاته مصدر الخوف..؟! تُرى هل نحزِم حقائبنا نحو هذا الوطن ، أم نحزم حقائبنا مُهاجرين منه..؟! تُرى هل نرمي بأنفسنا في ذلك الحضن مجهول المصير..؟! 

يالله، كيف إلتهمت هذه الجملة قلبي..! كيف شوّهت كل أشواقي وحنيني للوطن..! كيف هشّمت كل خيالاتي وأحلامي التي لم أرسمها يوماً لأجلي..!

يالله كيف تحّتلنا هذه الحيرة بين حب الوطن والخوف منه..!  يالله كيف نعيش بين نارين، نار أرضٍ لا تهدأ براكين الصراع فيها، وبين نار غربة لا يرحم لهيب قسوتها أجسادنا الضئيلة، قلوبنا البسيطة، وأرواحنا المُحبة للحياة..؟!

نحن متى سنُمنح استحقاقاً للعيش بنعيم..؟! لماذا تُوزّع صكوك الموت فقط،وتفتح القبور بالمجان..؟!متى سيخلُد أحدنا للنوم دون أن يأكُل عقله التفكير، أو يُؤرّق مُقلته كابوس الفراق..؟! متى سيكتسي هدوء الليل ووحدته ستار الطمأنينة..؟! متى لن تغرق عينٌ ببحر دموع مالح يلوث حلاوة الروح ويُعكر صفوة الحب فيها..؟! متى لا نرى همّاً يحتلّ بسمة طفل، أو بؤساً يسرق جمال أب، أو صبر يأكل ببطي روح أم..؟!

متى هو السؤال الذي فرض نفسه منذ وقت ليس بقصير، والإجابة مازالت تبحث عن ذاتها في ربوع موطني الجريح..!!!

سبعة أعوام مابين ألم الفراق، وأمل اللقاء..! مابين ليالٍ كانت رياح الشوق فيها تُقلّب مُقلة الابن وأخرى تهزّ أضلع حنين أبٍ وأم..! مابين دعوة لتحقيق الأماني في أقصى أرض الغريب، ودعوة من عمق أرض المُسافر تحمل في طياتها رجاءً بقُصر المسافة..! مابين ابتسامة مزيفة في اتصال، ودمعة مختبئة بين الكلمات كعبرَةٍ خانقة تفضحها رسالة صوتية..!

سبعة أعوام والأماني وكل الأشواق ترسم أحلام شاب بسيط ووالديه بنوا منها ملامح يوم اللقاء، مابين احتضان طويل تندمج فيه أضلع الحنين ويذوب فيه جليد الألم، تنطفئ به نار الشوق، وترّقد الدمع منابعها..! ومابين فرحة بنهاية هذا العناء..!

سبعة أعوام من الطبيعي فيها أن تتغير الملامح، وتضع الحياة بصمتها في تفاصيل كثيرة.. ولكنّا رغم كل هذا نُحب الحياة ، نُخبئ خلف بهاء ملامحنا، قلوب شاخت باكراً، وأرواح عليلة.. لم نتنازل عن ابتسامتنا الباهتة، وقاومنا ضباب السحاب في أعيننا ، ومازلنا نرى بهجة قوس قزح في الأشياء حولنا..! 

أنا من هنا أُعلن كراهيتي للرقم سبعة..! حتى وإن كان يوم مولدي..! فاليوم الذي سيحمل بؤساً أو ألمّاً لأحد في بلدي هو يوم مأتمي في الواقع.. ويبدو أن خيام هذا المأتم ذات أوتادٍ ثابتة مؤخراً..!!!

وبالرغم أن السماء فوقي مُمطرة منذ يومين، ولكنّي لم أشعر بعليل المطر هذه المرة، فها أنا أتنفس لهيب موطني عن بعد، يصلني دخان احتراقه فيخنق الحياة هنا..!

يالله.. نحن نرى الحياة بأعين من نحب، وبسماع أصواتهم تحلو الأوقات، وبنبض قلوبهم نحيا..! نحن نحب الحياة ونعيشها لأجلهم، فماذا إن سرقتهم الحياة بطريقة بشعة..!

هذا حالنا جميعاً فكيف حال قلب أم عبدالملك؟ كيف لنا جميعاً أن نعتذر لها عن هذا الألم نيابةً عن أرض خرساء، كيف نواسي دمعةً شقت مسرى دائماً على خدها نحو قلبٍ لن يرتوي ظمأهُ إلا بها..! نحن لم نخسر عبدالملك فقط، نحن نخسر قلب أم معطاء وروح تحب الحياة ..! استودعناك قلبها يالله أن تعّصِمه برحمتك، اللهم ولطفك وجبرك لقلب كل أبٍ وأم وفلذة كبد..

يالله.. موطني مُثقلٌ بقلوب الثكلى، ودموع الحيارى.. موطني فاض به الظمأ للسلام..!  لماذا تُقام ملحمة قلوب جماعية ضحيتها زهور هذا الوطن؟ لماذا نرسم حدوده بالدماء..؟ أتساءل متى ترتوي الأرض ومتى يعيف المتسبب في كل هذا الألم نتانة روحه ومشاهد الموت الصامتة..؟! متى تُعلن الأيام موسم الفرح فيها وتعتزل حدادها الدائم مؤخراً..؟!

يالله.. أوقف هذه المهزلة، فنحن لا نقوى على خسران المزيد من بسمة هذا الوطن من هم أمل الغد المشرق الذي نرجوه ونسعى له جميعاً..

ربي حبيبي.. أشكوك بل نشكوك ، فالشكوى لغيرك ذلٌ وهوان ولا حاجة تُقضى إن لم تُسأل منك..! نخاطب عدالة السماء فلا عدالة تقام هنا، وقانون الغاب تُدفن فيه جميع القضايا..! نأمل منك وحدك فنحن لا نثق ولا نُعوّل على من يُسمّون أنفسهم رُعاة السلام هنا..!

هذه المرة شكواي كلمات مُتناثرة، سطور صامتة، أوراقٌ مُبهمة، وحبر مُتجمد يُعلن حداده أمام ما يحدث..!

شكوى أرفعها إليك بالنيابة عنّا جميعاً، بحال قلب أم عبدالملك، وبثبات والده، وحسّرة كل مُحبيه..  نيابةً عن أرضٍ مُلجمة ، وقلوب شعب بسيط وجميل.. شكوى تشكوك نفسها، تعلم مفادها فأنت السميع البصير..!

وكما أنّا نشكوك فإنّ أرواحنا المُنهكة تهمس أيضاً بأننا سنتمّسك ببصيص الأمل طالما أن مُشكاة النور رحمتك، سنتمّسك بحبل النجاة طالما ومتانته وعدك بالفرج.. لن نيأس يالله فإنك لا تحب القوم اليائسين، وإنّك الحق ووعدك حق.. 

في نهايةٍ مُحتارة أقول لوالدتنا جميعاً أم عبدالملك

نحن ومهما شعرّنا فلن نصل ذرّوة ما تعيشينه، مهما واسينا فلن يسّعنا تخفيف هذا المُصاب الجلل.. ولكن كل القول يختصر نفسه بأن الله أرحم بكِ منّا ومن نفسكِ أيضاً، وابنك نال شرفاً أن طلبهُ أُجيب من الرحيم وليس من خلفاءه على الأرض.. 

المُؤكد أنّكِ لستِ بخير ولكن ماذا لو تطمأنتي أن عبدالملك بخير هناك حيث لا ظلم ولا قهر ولا خوف عليه بعد اليوم..! سيجبر الله قلبك بلقاء تطيب به النفس وتهدأ به هذه الفوضى التي تؤرق روحك يا أُمّنا..! لقاء تحت ظلال الودود الرحيم، هناك كل شيء حقيقي وصادق ، ستغرقين حباً وأماناً..

ختاماً تشبيه واحد يصف حال أرضنا المقهورة  ..(أنها الحسّناء التي يتكالب عليها وحوش القوم)..

ولأنهم لم ينالوا من حُسّنها، تزداد أساليبهم بشاعة محاولة في اغتيال هذا الشموخ والمقاومة التي لن تحيد..! 

ولهم نقول: نحن محزونون نعم؛ مصدومون نعم.. لكن قرار العودة مُحتّمٌ لا رجعة فيه ، فتأشيرة عبورنا هي صكوك الموت التي سنُهديكم إياها على أطباق العلّقم..

سنعود وسننفض هذا الغبار، وستتلاشى هذه الغمامة، وسينّدثر عشاق الموت عندما يرون مقاومتنا تفوق كل آمالهم البائسة في سلب الحياة منّا ، ستحرقهم نار حبنا لأرضنا ولبعضنا..

ومثلما خنقتنا عبرة البكاء كثيراً مُسبقاً، سيخنقهم حقدهم ،وسيحفرون قبورهم بأنفسهم فنحن لا نُلوث أيادينا بنجاسةٍ لا طُهر لها، حتى وإن كانت سبع مرات بالماء وإحداهن بالتراب..!

رُفعت جلسة اليوم، وأُحيل ملفُها إلى السماء..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي