هل يتواطأون أيضاً على العدالة الانتقالية !!

كتب
الخميس ، ١٩ يوليو ٢٠١٢ الساعة ١٠:٠٣ مساءً

 

بقلم: مصطفى راجح
تتعاطى الأطراف الموقعة على اتفاق التسوية بنوع من التهميش وعدم الجدية مع مشروع قانون العدالة الانتقالية ، فالمشترك وأحزابه لم يرتقِ موقفهم الى مستوى الغضب الذي يصدر عنهم كلما تعلق الأمر بمسائل التمثيل والمحاصصة ، وأما الطرف الآخر فتهميشه للعدالة الانتقالية يأخذ صيغة الرفض المطلق والاستماتة في التصدي لمشروع القانون إلى حد التلويح بالانسحاب من الحكومة ،ربما يفسر ذلك بأن العدالة الانتقالية تمثل جوهر التغيير وتتعلق بالمجتمع وما عاناه شبابه الثائر خلال سنة الثورة السلمية ، وما قبلها في سنوات الأقبية المظلمة والاغتيالات والملاحقات والتنكيل
بينما النخب السياسية كلها لا تعير الموضوع اهتماماً جوهرياً لانها تطبعت على ممارسة السياسة كعملية مساومات بعيدة عن قضايا المجتمع وحقوق أفراده في الحياة أولاً وما يتعلق بها من حقوق لكي تعيش بحرية وكرامة.
الإقرار بالتغيير كقاعدة لاتفاق التسوية استلزم البدء بتنفيذ برنامجين للانتقال من وضع قديم ومنتهٍ إلى وضع جديد ومأمول . الانتقال الأول يتعلق بنقل السلطة سلمياً وعبر عملية محددة الخطوات بدأت بتشكيل الحكومة واختيار الرئيس الانتقالي ، وتنتهي بإعداد الدستور الجديد والاستفتاء عليه وإجراء انتخابات عامة لاختيار الادارة الجديدة للدولة بكافة سلطاتها ، الرئاسية والتشريعية والمحلية وغيرها.
والانتقال الثاني يتعلق بالمجتمع وبرنامج انتقاله من وضع قديم إلى وضع جديد يسمى برنامج العدالة الانتقالية ويهدف إلى انتقال المجتمع بعد تخففه من السجل الأسود للنظام القديم ويهدف إلى جبر الضرر وإدانة الأفعال التي مورست ضد أفراد المجتمع من قبل السلطة الاستبدادية البوليسية والتنكيل والقتل والحبس الذي تعرض له المعارضون للنظام.
وكل الإجراءات والقرارات وما قطع من خطوات حتى الآن من قبل الرئيس الانتقالي وحكومة الوفاق يتعلق بنقل السلطة، بينما لم يتم الانتهاء بعد من إقرار برنامج العدالة الانتقالية من حيث المبدأ أولاً بإقرار مشروع القانون ، الذي ووجه بالرفض مع أنه لم يستوفِ شروط الحد الأدنى من محددات العدالة الانتقالية التي طبقها جزئياً النظام الملكي المغربي ولا نقول النظام الجديد في جنوب أفريقيا برئاسة نيلسون مانديلا.
من يقرأ مشروع القانون ويقارنه بالخطوط العامة المرجعية للعدالة الانتقالية التي تتضمنها أدبيات المرجعيات الدولية والمراكز والوثائق والقوانين الخاصة بهذا الإطار الإنساني يشعر بالخجل من الحذر الذي أبداه معدو القانون الذين أفرطوا في التوافق في حقل لا مجال فيه إلا لكشف الحقيقة وإدانة الأفعال الاجرامية والانتهاكات التي طالت حقوق الانسان التي تكفلها كافة الشرائع والتشريعات والمواثيق العالمية.
حتى أن المشرع التوافقي نص على التزام السرية في التحقيقات وسماع شهادات الشهود إن أرادوا ذلك ، مع أن الغرض الأساسي من هيئة المصالحة والإنصاف التي نص عليها مشروع القانون والمتعارف عليه في كل التجارب السابقة هو ضرورة العلنية في اعترافات الفاعلين وشهادات الشهود وسرديات الضحايا أمام المجتمع حتى يدان الفعل ويجرم ويدمر في الوعي العام حتى لا يتم تكراره مستقبلاً وليس من أجل الانتقام أو التشهير .
ومن دون تحقيق أهداف الثورة وشهدائها أولاً سيكون الحديث عن التسامح والمصالحة نوعاً من الرضوخ والاستسلام للقتلة والإقرار بأحقيتهم في القتل والبلطجة.
لقد تمت المصالحة والعدالة الانتقالية عقب سقوط النظام العنصري التمييزي في جنوب أفريقيا وتمت المسامحة والعفو بعد انزياح العنصريين القتلة عن سدة الحكم ورضوخهم للعدالة التاريخية واعترافهم بجرائمهم .
أما في اليمن فلا زال عرق ما يحاول النبض في جثة التوريث ، ولعله عرق الطائفية العنصرية الذي يفسر العناق الذي رأيناه قبيحاً ومستفزاً بين “ داعية الحقوق المدنية ، والكذبة الكبرى في تاريخ اليمن !!” محمد المتوكل ، ورأس النظام السابق الذي أدى تشبثه في الحكم إلى قتل ثلاثة آلاف يمني أغلبهم من الشباب وجرح ما يقرب من عشرين ألفاً .
وقطعاً لن يكتب للتطلعات التوريثية الطائفية أي نجاح ، ليس فقط لأن ثورة قامت في اليمن ، بل الأهم أن زمن التأبيد والتوريث والطائفية قد انتهى ولم يعد قادراً على البقاء ونحن نشهد نهايته الدرامية من القاهرة إلى طرابلس إلى دمشق وتضحيات السوريين الأحرار .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي