عامنا لم ينقضي بعد

د. أحمد عتيق
السبت ، ٣١ ديسمبر ٢٠١٦ الساعة ١٢:١٥ صباحاً

*وانا ارتحل في الذكريات ابحث فيها عن ثمة جميل تألق في سماء بلادي . وما اكاد أرى جمال شيء ما الا وطورد من قبل المتوحشين ينهشون فيه بعبث وكأن احلامنا، نحن وافاقنا ، طعام شهي لذئاب البشر الذين لا هم لهم ، إلا الانقضاض على كل ما عداهم.

*كم اشتاق للعودة من جديد لأرتمي في أحضان طبيعة بلادي خضرتها ، مائها ، حضن امي التي توفت في هذا العام كمدىً على انهيار وطني وهي بين الحياة والموت كانت تبكي مسألتين ، فراقها لي ، وعذاب وطني.

*اشتقت ايضاً للتجول في أحلام اليمنيين المخلصين لبلادهم واذا بهم يقتلون و تقتل احلامهم تارة ً تحت عذر المناطقية ، وأخرى تحت ذريعة الطائفية ، وثالثة ، تحت ذريعة الانفصال او الوحدة ؛ مسكين وطني يتألم بسبب شقاء أبنائه.

*ما كنت أتوقع ان اغادر او اهجر انا و اسرتي ؛ واعني بأسرتي كل اليمنيين الا ان أحضان السعيدة الدافئة وحليبها هو اشهى من أي حليب ، وانفاسها هي عطر حياتي ، اغتيل من قبل عشاق الموت الذين دائماً هم يتعلقون بأستار الماضي البغيض يحلمون في ان يكون سلاحهم ورونق حياتهم لأنه يمحو ذكرياتنا أمالنا يقتل حياتنا . فما عدنا نعرف منفذ للراحة و الاستقرار.

*و انا أكتب هذه الاحرف اجد لساني متلكئة و قلمي يتعثر و حبري ينضب ، لان ما عاد ابداع يدفعه لفعل ما تعود عليه من جمال المعنى ، فلا راية الوحدة خفاقة و السلام مفقود و الموت هو الطاغي حضوره . بالله كيف نستقبل عاماً جديداً يحمل نفس السمات والآهات و الجروح و الألآم ، يأنُ عامنا القادم الجديد من تهيئنا لولوجه بأثقالنا ، بأحمالنا بجراحاتنا النازفة وهذا امر لا يتناغم ولا ينسجم باي حال من الأحوال مع طي صفحة كما يقولون العام المنصرم و فتح صفحة في الزمن الجديد.

 *اننا أيها الاخوة نشتاق الى جلسة سمر ينتشر فيها عبق القهوة اليمنية ولين قلوبنا هو أُس تعاملاتنا و انفراجة الاسارير في وجه الاخر اسلوبنا و ابتسامتنا غير المتصنعة هي رسائلنا المتبادلة، و طيب القول وسيلة اتصالنا ؛ كما النكتةُ و الفرحةُ وقهقهات الأطفال هو ما ينبغي ان يستمر تغذية لحياتنا.

 *اني أتألم وانتم جميعاً تتألمون بكائنا دماً ينبوعه جرح وطننا النازف الذي لم يندمل حتى الان و يبدو انه سيظل هكذا لفترات طويلة . أيها الاحبة كيف ندعي اننا سننتقل من زمن لآخر ؟ ونحن في حقيقة الامر نكابد ألآم الامل من دون أي انفراجة ، أُستبدل في حياتنا كل ما هو جميل لتكن اتراحنا وألآم الفراق من حبيب غادر او انقضى امره في الحياة او يصارع الموت ؛ بسبب نفسية الطغاة الحاقدون المجرمون الذين لا يستريحون ابداً الا بإراقة الدم ، والرقص على اشلائنا ، وتمزيق وطننا ، وشطر أفاقنا ، ارواحنا ، قلوبنا ، مع سبق الإصرار و الترصد.

 *الشماليُ اصبح من البشر غير المرغوب بهم لمجرد انه شمالي فهو يحمل جرم غيره و يعاقب على احقاد غيره ويذم و يلفظ لأنه كما يعتقد جاء ناهباً متفيد . و ينسون من يلصقون بهذه التهم انهم يمارسون ذات الفعل و السلوك المشين الذي يجرح انتمائهم لوطن اسمه اليمن ، تنكروا لهويتهم بعد ان كانوا من المهللين و المكبرين بقدوم الفارس الهمام الذي سينقذهم من حياتهم كما ظنوا انها كئيبة الى آفاق الجنان ذواتا النخل والرمان و اكتشفوا بعد ذلك انهم في خديعة كبرى . ولم يدروا انهم كانوا في جنوبهم احراراً كرماء الا بعد ان ذوقهم فارسهم المدعى ما ذقناه من البُأس والظلم منذ توليه في 78 . نحن في الشمال كما هو في الجنوب ، لسنا أصحاب الجرم ولا مقترفيه بل اننا نعيش مظلومية واحدة كان ينبغي علينا ان نوحد الهدف و الوسيلة و الطموح للخلاص من الاستبداد بدلاً من ان نعاقب مناطقياً ويعاقب الوطن معنا وهويتنا لمجرد اننا بغضنا مستبد او حاقد . فهذا الحاقد المستبد كان التخلص منه ينبغي ان يكون جماعياً ونجد في الجنوب من يدافع عنه باستماته وقولي هذا عن معرفة اكيدة لخلاصة تجربة عميقة مارستها ، عشتها مدققاً في كل مفاصلها.

 *ان 2015 لم ينتهي بعد و لا يجوز لنا ان نحلم ولو حتى بسطر جديد لزمن جديد نقرأه ونتأمله مع غياب استحضار المستقبل بمعانيه وسلامة ما فيه . اننا مثقلون بالدماء المسفوكة و المدن المحاصرة و الرضيع الذي مات بسبب عدم وجود الاكسجين في تعز النابضة بالحب تحرق الورود فيها بالنار ، تنتزع فيها الأرواح من الأجساد عنوة ، تقتل اغرورقت العين بالفرحة برصاص لأيم الذي يكره الحياة لغيره . اذ تعود الرقص على الاشلاء ، والعيش مع الثعابين و الاقتيات من سمها لينفث في السعيدة الموت ، ويترنم بصباحه الجميل حين سماعه أنين الأطفال على ابائهم و أمهاتهم ، وعلى كل وردة تحترق ، وقطرة لبن ذهبت ، وعلى السطر المفقود وعلى كل سنبلةً كانت تتبختر في سماء بلدي.

 *ان عام 2015 لم ينقضي بعد بل يتمدد بارتياح على آلام الثكلى ، و الجرحى ، ودماء الضحايا .سكينتهُ مغروسة في قلب السلام لعابه يسيل وشهيته مفتوحة لالتهام الأكثر من اليمنيين. اننا نتفاوض ويصطنع كل منا حجته ليضل سابحاً في دماء الاخر ، تباً لنا من اشقياء في وطن السعادة.

*ان الاحتفال بكتابة صفحة جديدة في الزمن ليست عادة او تقليداً بنشر الصور و أكل الحلويات و لبس الجديد . إنما ينبغي ان تكون احلاماً في كيفية المستقبل و روىً تُعالج هذه الكيفية ، ومنهجيةً تختط الطريق الذي نرسمه ، الى استحقاقنا بزمن وحياة جديدة وسيلة احتفالنا ؛ حتى نكون على قدر من المسؤولية التي يحتاج اليها زمننا القادم كما هي حال الأمم الحرة العارفة بأهمية ما يريدوا عيشه ُو فعلهُ ، لينالوا ثمرة الجهد و تحقيق الأمل بتنافس فعلاً يجدر ان يوصف بانتمائه الى الإنسانية. *ان السلام و الحب و المودة التي ينبغي ان تكون سلاح الانسان في اعمار الوطن والحياة تغيب عن اجوائنا ، مقاصدنا في وطناً حُر بحرية أبنائه سعيد بالتواد الذي ينتشر بينهم ، ناهض بكل ما يحملوه من طموحات تبنيه ليصبح في مساواة غيره . حينما يغلب السلام على حياتنا وعميق المودة في ما بيننا استطيع القول أننا نفتتح زمناً ونودع أخر.

كاتب وناشط سياسي

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي