تعز.. ضحية الوطن الكبير!!

بلال الطيب
السبت ، ١٦ يناير ٢٠١٦ الساعة ٠١:٠٥ صباحاً
في مذكراته يعترف الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر، انه لو لم يقم الإمام أحمد بإعدام أبيه واخيه، ما ساند الجمهورية، وما وقف في صفها، ولقاتل وقبيلته «حاشد» في صفوف الملكيين، الأحمر وصف قبيلته بأنها حامية الثورة، ونصيرة مكتسباتها، ولولا تدخلها ونجدتها، ما كان هناك جمهورية.
 
لم يتهم الشيخ الأحمر أبناء قبيلته الذين قاتلوا في صفوف الملكية بالخيانة، والتآمر، بل اشاد بهم، وببطولتهم، وتفهم توجههم، وعاد وإياهم بعد المصالحة الوطنية، كما كانوا «حبايب»، اتحدوا لمواجهة المد الشيوعي، القادم من الجنوب، وصاروا اخوة توجهاً ومصيراً.
 
الشيخ الاحمر من وجهة نظري، رجل صادق، ومذكراته من اصدق المراجع التاريخية، قرأتها اكثر من مرة، قارنتها بمذكرات اخرين، وبكتب تاريخية اخرى، ووجدتها الاقرب للحقيقة، خاصة فيما يخص تاريخ «الشيخ» و«حاشد»، تلك القبيلة التي نست ثاراتها مع الأئمة؛ وعادت اليوم لتقاتل في صفوف الاماميين الجدد.
 
الشيخ الأحمر، قدس قبيلته، واشاد برجالها، وجعلها في الصدارة، وهذا باعتقادي، محسوب له لا عليه، ولا ينتقص من وطنيته، الرجل آثر مصلحة قبيلته، على مصلحة الوطن الكبير، والاقربون ـ كما قيل ـ أولى بالمعروف.
 
بعض أعضاء حزب الاصلاح في اليمن الاسفل، للأسف الشديد، قدسوا الحزب وقياداته، على حساب الوطن، وجعلوا من الشيخ الأحمر وأولاده، وعلي محسن وعساكره، قادة عظام، لا يشق لهم غبار، نزهوهم عن الخطاء، وصيروهم حماة للحزب والدين، وجل ما أتمناه من هؤلاء، أن يتعلموا من الشيخ الأحمر معنى حب الأرض والقبيلة، وان يقرأوا مذكراته ليستفيدوا منها، وأن يقدموا مصلحة الارض على الحزب، فالحزب وسيلة تماماً كـ «الحذاء»؛ حين «يبلى» يُستغنى عنه؛ و«الوطن» هو «الجسد»، يجب أن يحظى بالحماية والاهتمام.
 
يقول أحدهم: تعز أكبر من الاصلاح، النصر صنعه التعزيون، يصنعونه كل يوم منذ «11فبراير»، التحول التاريخي صنعته تعز، التحول الجاري في شبه الجزيرة والخليج؛ تعز هي جذره وسببه ودافعه، بتعز يمتلك الاصلاح ميلاد ثان، بدونها سيعود لمواجهة مصير سابق كان سائرا اليه: «جمعية خيرية كبرى».
 
مدعاة الاستدلال أعلاه، ان بعض اعضاء هذا الحزب العتيق، رفعوا شعار حسن البنأ القديم: «لا وطنية في الاسلام»، ازعجهم تغني بعض شباب المقاومة بـ «تعز»، وإنعاشهم لـ «القضية التعزية»، كوطن كان وما زال يُعطي ولا يَأخذ، بل شبهه البعض بـ «مُنى علي»، زوجت الجميع؛ وماتت بلا زوج؛ انبرى هؤلاء المغيبين عن الماضي والحاضر، للدفاع عن الوطن الكبير، والوحدة الوطنية، وكأن حب تعز يثير الكراهية، والتحدث عن معاناتها مناطقية، والتغني بها كوطن سليب، جريمة لا تغتفر.
 
أقول لهؤلاء: كثيراً ما نرى الاشياء على غير حقيقتها لأننا نكتفي فقط بقراءة العناوين، ووحدة اليمن الحضارية قائمة منذ الأزل، وما عكر صفوها إلا هذا الاستعلاء، وهذه الانتفاشة الكاذبة، القادمة من شمال الشمال؛ لم يفقد التعزيون شعورهم بانتمائهم للوطن الكبير، إلا حين رأوا جحافل الغزاة «المتفيدين» تقرع أبواب مدنهم وقراهم، وتستبيح كل شيئ.
 
«فيد» و«هيمنة» و«إخضاع»، ثلاثية متلازمة، أنتهجتها الهضبة الزيدية على مدى قرون، تعيد إنتاجها بين الفينة والأخرى، بأساليب مختلفة، وما «العكفي» قديماً، و«العسكري» حديثاً، إلا أدوات فاعلة لفرضها، وجعلها واقعاً على كل الخارطة اليمنية، أضف إلى ذلك تبنيها داخل البيئة التي صعب عليهم ترويضها، لمجموعة من الانتهازيين الفسدة، معدومي الوطنية والضمير، صارت تعتقد أنها بهؤلاء «المرتزقة»، وبجحافلها «المتوحشة»، ستتمدد، وستقضي على كل من يعترض طريقها، إلا أن أبطال المقاومة الأشاوس كانوا لها بالمرصاد.
 
أبناء الهضبة الزيدية هم اليوم يد واحدة، «مؤتمريهم، وحوثييهم، واصلاحييهم»، حتى ثاراتهم، وخلافاتهم، نسوها؛ واتجهوا لمحاربتنا، «السيد، الشيخ، القبيلة» منظومة تحكم وتتحكم، ونسبة من هم ضد الحوثي لا تتعدى الـ «10%»، تماماً كنسبة المتحوثيين في تعز وضواحيها.
 
تعز تحاصر، تعز تباد، لنتوحد ولو لمرة واحدة لمواجهة هذ التوغل الموحش، واذا كنتم «زعلانيين» على الوطن الكبير، لنؤسس دولة مدنية، ولنجعل تعز منطلقاً لها، وسيأتي اليوم الذي تعمم على باقي الأراضي اليمنية، خاصة عندما يدرك هؤلاء «المتفيدين» أننا «شركاء لا أجراء»، حينها ستتحقق الوحدة الوطنية على أسس صحيحة ومتينة، وسيكتب لها البقاء والاستمرارية، وسيعم خيرها الجميع.
 
 
وقبل ذلك، لنعمل على أن تتحرر تعز من قابليتها لـ «الفوضى» والفرقة والشقاق، وأن تتحرر إب المجاورة من قابليتها لـ «الخنوع» والطاعة والإنصياع، وهذه مهمة الجيل المثقف الواعي، الغير متحزب، مطلوب منا جميعاً، أن نسانده، وأن نستفيد من أخطاء الماضي، حتى لا تتكرر، قال تعالى: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»، التنازع بداية الفشل، والنصر لن يتحقق الا عندما نكون يد واحدة.
 
هذه الأرض التي أحتضنت «الدولة الرسولية»، كأعظم دولة في شبه الجزيرة العربية، دعونا نؤسس عليها دولة جديدة، قائمة على أسس صحيحة ومتينة، والشجرة الضخمة ـ كما قيل ـ تعطي ظلاً أكثر مما تعطي ثمراً؛ ونحن نريد ثمراً لا ظلاً، ولا ضير إن تعددت الاشجار، وزادت الثمار، بشرط أن يتوقف «المتفيدين» عن الاعتداء، وأن لا يطمعوا بثمار الأشجار الأخرى.
 
أقول لهؤلاء «المتفيدين»: الوضع الآن مختلف، فلم يعد أبناء تعز رعية الأمس، حاملي المحراث، لقد تسلحوا بالعلم، وحملوا السلاح، دفاعاً عن كرامتهم، والنصر بات خيارهم الوحيد، قديماً كان أجدادكم يعودون محملين بغنائم الفيد، والآن يعودون محمليين بجثث القتلى، وشتان بين ماضي «الاستسلام»، وحاضر «المقاومة»، فهلا وعيتم الدرس.
 
وأختم بمقولة للزميل عبد العالم بجاش: لو اننا علمنا الاجيال في المدارس كيف يقدسون أرضهم، لما كانت قذائف جيش الهضبة الزيدية تتساقط فوق رؤوسنا منذ عشرة أشهر، لو كانت الارض مقدسه، لما استغرق تحرير تعز كل هذا الوقت، الأرض هي أمنا، وهي ما يجب ان نقدسه، الأرض هي محورنا، لنعود إليها، وفيها فرصة ميلادنا الثاني.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي