دموع باسندوة إجهاشة الفارس!

كتب
السبت ، ١٢ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٥٩ مساءً
خالد عبدالله الرويشان
بقلم / خالد عبدالله الرويشان

 لم تكن دموع باسندوه فحسب، بل كانت دموع اليمن أرضاً وإنساناً، إنها الدموع النبيلة العزيزة تنساب لمرأى الدماء المنسابة، والمدن الثكلى، والشوارع الحزينة, وأحلام الورد الموؤدة حتى قبل أن يفتح الورد أكمامه.. أحلام الورد التي تداس بأقدام القتلة وأحذية البغاة الجهلة.

يجهشُ باسندوة فتشرق البلاد بالحزن النبيل، وتنتبه الوهاد من غفوتها، والقلوب من غفلتها, كي...تتذكر أجمل ما فيها.. إنسانيتها المغيّبة الغائبة.

يجهشُ باسندوة.. بينما غيره يقتل، وينهب، ويضرب أبراج الكهرباء، ويفتح أبواب المعسكرات للقتلة، ويقطّع أوصال البلاد.. ويغني أيضاً!.

يجهش باسندوة بأحزانه، فتسيل دموع الوطن المخطوف من أحلامه، ومقدّراته وقدراته.. بينما آخرون كثر، يوغلون في دمه، لا يهمهم أن تتساقط جنبات البلاد، ولا يحزنهم اغتيال المئات من الجنود الذين لم يستلموا رواتبهم ربما لأشهر، ولا يهزّهم مرأى قطاعٍ كبير من الشعب وهو يتضوّر جوعاً في أماسي الظلام واليأس والفوضى.

هؤلاء هم الذين لا تندى عيونهم أبداً، وهم شجعان هذا الزمان! أبطال هذا الظلام.. لكنها شجاعة القرود التي تأكل أبناء جلدتها نكايةً لا جوعا, وبطولة الدّيكة المنفوشة المنفوخة في حلبة اللحظة الكاذبة, وما أقصرها وأصغرها في ميزان التاريخ وأحكامه.

لو كانت عيون حكامنا تمتلئ بالدموع.. إذن لسالت السعادة في الشوارع! وفاضت العدالة في الدروب،.. لكن لأن عيونهم كانت دوماً غارقة بالطمع وطافحة بالجشع والحقد والحسد.. فقد سالت شوارعنا بالدماء والأحزان والموت والغبار والكراهية.

إجهاشات باسندوة تعيدنا إلينا.. تذكّرنا بالإنسان فينا.. وقد قيل أن الحمار وحده من بين كل الثدييات لا يبكي ولا تنزل دموعه.. لكن فضيلته تظل أن الحمار لا يقتل أخاه الحمار مهما كانت الدوافع والأسباب.. نكايةً أو جوعا!

أجمل وأروع إجهاشات با سندوة والتي أعتبرها وساماً نادراً وفريداً على صدره.. هي تلك بعد عودته من الدوحة.

فبمجرد أن ذكر اسم "الدوحة" امتلأت عيناه بالدموع، واختنق صوته بعد أن تذكّر وقارن بين ما شاهده من تقدّمٍ ونظامٍ، وأمنٍ ورفاهٍ وأضواء هناك.. وما كابده ويكابده معه شعبه في اليمن من حروب، ودماء، وفوضى، وظلام.

إنها سابقةٌ جاءت عفو الخاطر، محسوبةٌ لإحساس نبيل وشعور وطني ومسؤولية حقيقية. فما أعجب وأغرب من عرفنا ومن لم نعرف من رؤسائنا وقادتنا، وهم يرون العالم المتقدم المتمدن، ولا يتحسرون على بلادهم. أما أن يجهش أحدهم بالبكاء حسرةً على بلاده، فإنها والله لدموعٌ عزيزة كريمة نقف إجلالا لها، وإكبارا لمعناها.

أما هؤلاء الذين جفّت مآقيهم، ويبست ضمائرهم، وغاضت ينابيع أرواحهم، فهم مجرّد هياكل نارية كبريتية يابسة، تشتعل بالكراهية وتنطفئ بالرماد..

*وزير الثقافة السابق

الحجر الصحفي في زمن الحوثي