اليمن: بوابة الأمن الخليجي

د. شمسان المناعي
الثلاثاء ، ١٤ اكتوبر ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٢٤ مساءً
يتمتع اليمن بموقع استراتيجي فريد، فهو يمسك بزمام مفاتيح الباب الجنوبي للبحر الأحمر، وهناك تداخل وثيق بين مضيقي هرمز وباب المندب، فهذا الأخير يمثل طريقا للناقلات المحملة بنفط الخليج العربي باتجاه أوروبا، كما يربط حزام أمن الجزيرة والخليج العربي، ابتداء من قناة السويس، وانتهاء بشط العرب.
 
ومن هنا، يمثل اليمن ركنا أساسيا لأمن الخليج العربي وبوابته الجنوبية، ولبقية الدول العربية، خاصة مصر، التي تعتمد في دخلها القومي على قناة السويس، فأي سيطرة أجنبية على هذه الممرات تعني خنق الرئة التي يتنفس منها الخليج العربي والجزيرة العربية، ليس فقط لأنها ممرات لناقلات النفط، إنما لأنها ممرات لاستيراد وتصدير السلع التجارية مع أسواق العالم الخارجية، وخاصة أوروبا وأميركا ودول الشرق الأقصى في آسيا، ورغم أن مجلس التعاون الخليجي مر على تأسيسه أكثر من 30 سنة، ومع تقديرنا لدوره تجاه اليمن والمساعدات التي قدمتها هذه الدول لليمن، خاصة السعودية والكويت، فإن دول الخليج العربي لم تفعّل علاقاتها مع اليمن إلى مستوى التحدي الذي يهدد اليمن في السنوات الأخيرة، والذي يأخذ هذه الحقائق الجيوسياسية لليمن في الاعتبار، بجانب رابطة الانتماء العربي. وقد يكون ذلك بسبب انشغال دول الخليج العربي منذ 1980 حتى 2003، بـ3 حروب إقليمية، استمرت تداعياتها، وبعدها قيام ما سُمي بـ«ثورات الربيع العربي»، وكان اليمن إحدى الدول التي شملها هذا «الربيع»، بيد أن ذلك لا يعفي دول الخليج العربي، في ظل مستجدات الوضع السياسي والعسكري في الوقت الراهن، من الإسراع بالقيام بخطوات عملية على الواقع، والوقوف مع الشرعية اليمنية ومخرجات الحوار الوطني في اليمن، خاصة أن هذا الحوار كان نتاج المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن اللذين لا بد أن يكونا هما الأساس لإيجاد أي ترتيب للوضع الأمني والسياسي في اليمن.
ألم نتعلم من دروس الماضي القريب؟! عندما دخلت إيران بكل نفوذها في العراق بعد الغزو الأميركي لتتسلم العراق، وتنصّب، بالتعاون مع أميركا، حكومة طائفية بقيادة المالكي، أهلكت الشعب العراقي لأكثر من 8 سنوات، خاصة طائفة السنّة التي جرى التنكيل بها وتهميشها في العراق إلى يومنا الحاضر. 
 
 
وما الوضع السياسي المضطرب الآن في العراق، خاصة بعد دخول «داعش»، إلا نتيجة للتدخل الإيراني في العراق، تماما كما يحدث في سوريا، والآن وصل العنف وأعمال القتل إلى لبنان في القتال الدائر بين «حزب الله» وجبهة النصرة، وليس من المستبعد أن يعم هذا الوضع المضطرب لبنان بأكمله، في ظل غياب رئيس للبنان.
وفي ظل الأوضاع الحالية التي يشهدها اليمن، وسيطرة الحوثيين على صنعاء، واتجاههم إلى السيطرة على ميناء الحديبية ومأرب، بغرض مد نفوذهم إلى باب المندب ومضيق هرمز، وهو أكبر ممر دولي في العالم، فإن اليمن أصبح بمثابة القنبلة الموقوتة في وجه الأمن الخليجي، وليس بخافٍ على أحد أن إيران تساند الحوثيين بالأموال والسلاح، وقامت بـ«استئجار» 3 جزر إريترية بقصد توصيل السلاح إلى المتمردين في اليمن منذ فترة طويلة، سعيا منها لإقامة ذراع عسكرية وسياسية لها تهدد دول الخليج العربي والجزيرة العربية، تماما كالدور الذي تقوم به هي و«حزب الله» في لبنان وسوريا، والدور الذي يقوم به أتباعها من حزب الدعوة في العراق، وإذا ما نجحت إيران في تنفيذ هذا المخطط، فهذا يعني قرب اكتمال المشروع الهلالي الفارسي الذي تنشده إيران منذ سنوات، وبذلك يصبح أمن الخليج في خطر دائم، خاصة أن إيران تبحث لها عن أوراق ضغط في مفاوضاتها مع أميركا ودول الناتو حول مشروعها النووي، ومن ناحية أخرى، محاولتها للخروج من المستنقع السوري بعد أن أصبحت في مواجهة تحالف دولي يشن الحرب على الإرهاب في العراق وسوريا، الذي تعترض عليه إيران.
 
 
إن اليمن ظل لقمة سائغة لكل من يبحث عن موقع يطل به على دول الخليج والجزيرة العربية، حيث الموقع الاستراتيجي وثلثا احتياطي مخزون النفط العالمي في هذه الدول، وذلك لما في اليمن من مشكلات سياسية واقتصادية، مثل الفقر والبطالة، ومشكلات الصراع القبلي فيه، ورغم أن النظام السابق أمضى فترة طويلة في الحكم، فإنه ظل معتمدا على دعم بعض القبائل له، ولم يقم بأي تغيير لحل هذه المشكلات، ومما زاد الطين بلة أن اليمن أصبح ملاذا للجماعات الإرهابية التي جاءت من أفغانستان، حيث تنامي خطر «القاعدة»، وقيامها بأعمال القرصنة في البحر الأحمر، وذلك عندما جرى تفجير المدمرة الأميركية «يو إس كول» في أكتوبر (تشرين الأول) 2000، ثم تدمير ناقلة النفط الفرنسية «لومبيرغ» في أكتوبر 2002، قبالة ميناء المكلا.
 
 
الآن، وبعد سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة في صنعاء ومؤسساتها، أصبح الوضع لا يحتمل التأجيل، وأصبح الأمن الخليجي في وضع لا يُحسد عليه؛ حيث استغل الحوثيون مستجدات الوضع الدولي بانشغال الدول الكبرى وبعض دول الخليج العربي بالمشاركة في الحرب على الإرهاب، في إطار التحالف الدولي، وقاموا بتنفيذ عصب خطتهم، بدخول صنعاء.
 
ومن هنا جاء الاجتماع الطارئ الذي عقده وزراء الداخلية بدول مجلس التعاون الخليجي في جدة، للنظر في الأحداث التي تشهدها الجمهورية اليمنية. إن أي استراتيجية أمنية خليجية تستدعي جعل اليمن في صميمها، وليس فقط مجرد قضية من قضايا الأمن الخليجي، وذلك لأن التهديدات الأمنية تطال الجميع؛ اليمن ودول الخليج العربي، وكذلك تمثل تهديدا للأمن العربي، ومنذ أن قام الحوثيون بالاستيلاء على صعدة ودماج، بات واضحا أن لديهم أجندتهم، وبعدها دخلوا صنعاء، وما أعقب ذلك من تهديداتهم بالتمدد والاستيلاء على الحديبية ومأرب، بقصد السيطرة على باب المندب ومضيق هرمز. إن مجمل هذه التغيرات الدراماتيكية له انعكاساته المباشرة على المنطقة، خاصة أن اليمن يمثل الحلقة الأضعف في السلسلة الأمنية لدول الخليج العربي.
 
إذا كان هناك مؤشر مهم لأزمة اليمن الحالية، فهو يؤشر لأهمية التعاون بين اليمن ودول الخليج العربي والدول العربية الأخرى المطلة على البحر الأحمر، خاصة مصر، وذلك لانتشال اليمن من أزمته، ودعم وحدته للوقوف في وجه الأطماع الإيرانية، خاصة أن البيئة الأمنية لدول الخليج تحتاج هي الأخرى لدعم، في ظل غياب التوازن الاستراتيجي بين إيران ودول الخليج العربي، خاصة بعد أن تلاشت القوة العراقية التي كان يُنظر إليها بوصفها ثقلا موازيا للقوة الإيرانية؛ فهل يتحقق ذلك قبل أن نبكي على اللبن المسكوب، أم يتكرر المشهدان العراقي والسوري؟
 
*الشرق الأوسط
الحجر الصحفي في زمن الحوثي