الحرب الطائفية السنية الشيعية اشتعلت رسميا

عبدالباري عطوان
الاثنين ، ١٦ يونيو ٢٠١٤ الساعة ٠٨:١١ مساءً
الحرب الطائفية السنية الشيعية اشتعلت رسميا بفتاوى المراجع العليا.. فعندما يعلنها السيستاني حربا “مقدسة”.. ويرد القرضاوي بانها “ثورة عارمة”.. فمئات الآلاف سيسقطون ضحاياها جميعهم من العرب وليس من الايرانيين
 
ربما ساهم استيلاء قوات تحالف الدولة الاسلامية على الموصل وتكريت والفلوجة ومعظم الانبار في تفجير الازمة الحالية في العراق واعادة الاهتمامين العربي والدولي الى هذا البلد المنكوب، لكن المسؤول الاكبر عن حالة الفوضى الراهنة هو الاحتلال الامريكي الغربي والدعم العربي له، واي كلام غير هذا هو نوع من التضليل وحرف الانظار عن هذه الحقيقة.
خروج القيادة العربية من المثلث العراقي السوري المصري الى دول النفط العربية، بعد تهميش هذا المثلث وتمزيقه واضعافه داخليا هو الذي ادى الى حالة الانهيار التي تعيشها المنطقة حاليا والتي يبدو انها ستستغرق زمنا طويلا، ولا نستبعد ان من شاركوا في عملية التمزيق هذه بمبادرة ذاتية او بتحريض غربي سيدفعون ثمنه تمزيقا وتفتيتا ايضا.
اشعال فتنة الاستقطاب الطائفي لانهاء التيار العروبي الجامع الموحد انعكس سلبا على العرب انفسهم وليس على ايران، مثلما اراد من يقف خلف هذه الفتنة في الجانب العربي، فاذا كانت ايران استخدمت هذه الورقة الطائفية مثلما يقولون فلينظروا الى هذه الفتنة في بعض دول الخليج، فان العرب هم الذين اكتوا بنارها ودفعوا، ويدفعون ثمنها تمزيقا وتفتيتا واقتتالا داخليا وطائفيا، بينما بقيت ايران موحدة متماسكة تملك اسباب القوة، مثلما تملك اذرعة مسلحة في مختلف دول المنطقة، وجهتها الداخلية متماسكة حتى الآن على الاقل.
***
الحروب الطائفية الطابع الدائرة حاليا وعلى اشدها بين ايران والمملكة العربية السعودية تتم على الارض العربية، في سورية والعراق اهم دولتين في المنطقة، والضحايا جميعا من العرب، ومن النادر ان يقتل ايراني واحد، والمليارات يخسرها العرب ايضا، والفوضى في البلدان العربية، ولكن ايران تخرج الفائز الاكبر فيها وتجبر الغرب على الركوع امامها، وها هي امريكا تستجدي التعاون معها في العراق الامر الذي يحتم اجراء مراجعة لهذه السياسات السعودية.
الفشل في العراق عربي بالدرجة الاولى، مثلما هو في سورية وفي مصر وفي ليبيا، ولا ننسى الفشل العربي الاكبر في فلسطين، والشرخ الطائفي يتعمق اكثر في المنطقة العربية، وسيؤدي حتما الى تقسيم بلدان مستقرة مما يحقق نبوءة الفيلسوف والمؤرخ اليهودي الصهيوني برنارد لويس ليفي الذي كان اول من طالب بتقسيم العراق باعتباره دولة مصطنعة، وتبنى نظريته هذه جو بايدن نائب الرئيس الامريكي الحالي.
الاسابيع المقبلة حاسمة في العراق بل والمنطقة بأسرها، واجتماع الجامعة العربية الطارىء الذي يعقد في اليومين المقبلين، وعلى مستوى المندوبين (للأسف) لن يقدم او يؤخر، لان عرب الجامعة تآمروا على العراق في معظمهم، واهملوه على مدى عشر اعوام من الاحتلال، والآن يجعلون من نوري المالكي رئيس وزرائه كبش فداء ويحملونه المسؤولية الاكبر، وكأنهم ابرياء من الاهمال وشركاء له في المأساة العراقية.
نعم الفشل السياسي في شمال العراق لحكومة المالكي وسياساتها الاقصائية والتهميشية يتحمل المسؤولية في حدوث الانفجار الراهن، ولكن التعاطي العربي الرسمي مع الازمة العراقية منذ عشر سنوات كان اقصائيا وتهميشيا وطائفيا ايضا، تماما مثلما هو التعاطي الحالي مع الازمة السورية.
السياسة لا تدار من منطلقات انتقامية ثأرية في القرن الواحد والعشرين، وشخصنة الازمات تؤدي الى تفاقمها اكثر، ومن المؤسف ان العداء للسيدين المالكي والاسد معظمه شخصي طائفي اعمى اصحابه عن رؤية السياسية بعيدة النظر والصائبة، فمن يريد ديمقراطية في سورية عليه ان يبدأ بنفسه ومن ينتقد طائفية المالكي، وهي صحيحة، عليه ان يتعرف على موطنه بطريقة غير طائفية.
العراق مقبل على مجازر بشعة في ظل التحشيد الطائفي الحاصل حاليا، فلسيد علي السيستاني المرجع الشيعي الاعلى في العراق اصدر فتوى بالقتال في حرب “مقدسة” ضد “الارهاب”، والمرجعيات السنية برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي ردت بوصف هجوم مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام بأنه “ثورة عارمة” للسنة نتيجة لسياسات الذل والتحكم في مصيره وقوته ومستقبل ابنائه”.
لم نسمع عن احد يطالب بالتصدي لهذه الفتنة التي سيكون ضحاياها من العرب والمسلمين من الطائفتين، وبمئات الآلاف، من خلال الدعوة الى لقاء عاجل لكل قادة الرأي واهل الحكمة في الجانبين، وفتح حوار سعودي ايراني فوري لانقاذ ما يمكن انقاذه، وعدم تكرار الفشل الحالي في سورية.
الحرب الدموية في سورية لم تحل بالمواجهات العسكرية، وبات الجميع على قناعة تامة بهذه النتيجة بما في ذلك الدول التي دعمت اطراف هذه الحرب وسلحتها، فاذا كان الحل السياسي موضع اجماع في سورية فلماذا لا يكون كذلك في العراق؟ وهل ننتظر مقتل مئات الآلاف من العراقيين حتى نصل الى هذه القناعة؟
العراق لا يتقسم جغرافيا فقط وانما نفسيا وديمغرافيا ايضا، والتحريض الطائفي في الجانبين هو السائد للاسف، وعلى لسان مرجعات صدعت رؤوسنا بالحديث عن حوار الاديان والتسامح بين المذاهب وعقدت العشرات من المؤتمرات في هذا الصدد.
***
امريكا اصابتنا بداء الطائفية وانسلت، وتركتنا نقتل بعضنا البعض، والآن يستنجد بها الطرفان، ولكنها لن تتدخل لانها هي التي خططت لمثل هذا السيناريو الذي تعيشه المنطقة، ينخدع البعض منا لتحريكها حاملات طائراتها الى مياه الخليج، ويعتقد انها قادمة لانقاذ العرب، الم تحرك هذه البوارج وهذه الحاملات استعدادا للهجوم على ايران ثم تفاجيء حلفاءها بحوار سري ثم اتفاق مع الاخيرة؟
من الصعب ان نرى طرفا منتصرا في هذه الازمة العراقية، ربما يتم الاستيلاء على مدينة هنا، او استعادة مدينة هناك، ولكن الحسم العسكري لن يحدث في المستقبل القريب على الاقل.
عداد الموتى بدأ العد، وعداد المهجرين الهاربين بأرواحهم بدأ ايضا، و”ابراهيمي العراق” جاري البحث عنه.. نحن نتحدث عن العراق وليس عن سورية، الا تتشابه الظروف والوقائع وربما النتائج ايضا؟!
 
رأي اليوم
الحجر الصحفي في زمن الحوثي