ما هو الخلل الذي عرقل المفاوضات؟

عبدالباري عطوان
الاثنين ، ٠٢ فبراير ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٠٧ مساءً
كيف خرجت “الدولة الاسلامية” رابحة من معركة الرهينتين اليابانيين وعوضت جزئيا بعض “خسائرها” على الارض؟ ولماذا نرجح عدم اعدامها للطيار الاردني معاذ الكساسبة؟ وما هو الخلل الذي عرقل المفاوضات؟
 
 
من تابع الحشد الضخم من قبل اجهزة الاعلام الغربية ومراسلي محطات التلفزة والصحف العربية امام السفارة اليابانية في العاصمة الاردنية عمان قبل اعدام الرهينة الياباني لينجي غوتو يخرج بانطباع مفاده ان “الدولة الاسلامية” خرجت هي “المنتصرة” او “الرابحة” على وجه الاصح من هذه الازمة، ليس لانها فرضت شروطها، واحترام مهلتها، وارهاب العالم بأسره، وانما ايضا حصولها على الاهتمام الاعلامي الذي تسعى اليه، وهو الاهتمام الذي يتصدر سلم اولوياتها واهتماماتها.
 
“الدولة الاسلامية” تسعى للحصول على اعتراف اقليمي كمقدمة للاعتراف الدولي بها كـ”دولة” مكتملة المواصفات، وقد حققت هذا الهدف جزئيا على الاقل عندما جرّت الدولة الاردنية الى حلبة التفاوض معها على صفقة الافراج عن الرهينة الياباني مقابل الافراج عن السيدة ساجدة الريشاوي الانتحارية والمحكومة بالاعدام التي جرى اعتقالها في موجة التفجيرات في فنادق وسط العاصمة الاردنية عام 2005.
 
***
لا نعرف تفاصيل كثيرة عن عملية التفاوض هذه، والطريقة التي تمت بها، والاشخاص الوسطاء من الجانبين الاردني والدولة الذين شاركوا فيها، وعلى اي ارض جرت، وعبر اي وسيلة، ولكن ما نعرفه ان السلطات الاردنية، وحرصا منها على حياة ابنها الطيار معاذ الكساسبة، رفضت كل الضغوط الامريكية، وتبنت خيار التفاوض والحوار مع من تعتبرهم الرئاسة الامريكية “ارهابيين”، وهو الخيار الذي يكشف عن حكمة وقراءة صحيحة لتعقيدات هذا الملف.
 
من المؤكد ان هناك “خللا” ما ادى الى اغضاب “الدولة الاسلامية” ودفعها الى تنفيذ الاعدام بعد انتهاء المهلة التي حددتها لاطلاق سراح وتسليم السيدة الريشاوي، فهل هذا الخلل يعود الى تلكؤ ياباني في دفع “الفدية”، او يتمثل في عدم اسراع السلطات الاردنية في الافراج عن السيدة الريشاوي بالسرعة المطلوبة؟
 
من الصعب تقديم اجابات حاسمة حول هذه الاسئلة، مجتمعة او منفردة، بسبب حالة التكتم الشديد في اوساط الاطراف المعنية، والطرف الاردني على وجه الخصوص، الذي وجد نفسه في قلب عاصفة لم يكن يتمناها، وفي مثل هذا التوقيت بالذات، حيث تتعاظم عليه الضغوط الداخلية والخارجية، ابتداء من عشيرة الطيار الكساسبة وانتهاء بالادارة الامريكية التي تنهي الاردن عن التفاوض وتمارسه في السر في الوقت نفسه عندما يتعلق الامر ببعض اسراها مثلما حدث مع الجندي المحتجز لدى حركة طالبان وجرى الافراج عنه مقابل اطلاق سراح معتقلين من طالبان في سجن غوانتانامو.
 
الضجة الاعلامية التي رافقت اعدام الرهينتين اليابانيين ستتبخر بعد بضعة ايام، وستختفي كاميرات مراسلي التلفزيونات الغربية والعربية من امام السفارة اليابانبة في العاصمة الاردنية، ان لم تكن اختفت فعلا، فهذه هي “سنة الاعلام”، ولكن “كابوس″ الطيار الاردني معاذ الكساسبة سيستمر ربما لايام او اسابيع او حتى اشهر مقبلة، وسيشكل صداعا كبيرا للسلطات الاردنية على المستويات كافة بالنظر الى الاهتمام الشعبي، ومحدودية قدرات الحكومة الاردنية للافراج عنه، واعادته سالما الى اسرته وعشيرته.
 
“الدولة الاسلامية” التي تعتبر نفسها امتدادا رسميا لارث ابو مصعب الزرقاوي وتنظيمه “التوحيد والجهاد” الذي اسسه في العراق لمقاومة الاحتلال الامريكي، لديها “ثار” تجاه الاردن، وازداد هذا الثأر خطورة بعد مشاركة الاردن رسميا في التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية، وارسال طائرات حربية لقصف مواقع التنظيم في سورية والعراق، واسقاطها لطائرة الطيار الكساسبة واسره حيا كان بمثابة “هدية” ثمينة جدا بالنسبة اليها “لابتزاز″ الحكومة الاردنية، وفرض شروطا تعجيزية عليها استغلالا لحالة “الحرج” التي تعيشها حاليا امام اسرة الطيار الاسير وعشيرته، وقطاع لا يمكن الاستهانه بحجمه في الشارع الاردني، ولهذا نتوقع ان ترفع “الدولة” سقف مطالبها الى ما هو اعلى بكثير من الافراج عن السيدة الريشاوي.
 
لا نعتقد، وفي ظل المعطيات الانفة ذكرها، ان “الدولة الاسلامية” ستقدم على اعدام الطيار الكساسبة، وتضحي بالتالي بهذه الورقة القوية في يدها، وستعمل على استخدامها للحصول على اكبر مكاسب ممكنة من الدولة الاردنية، مادية وبشرية.
ما يدفعنا الى قول ذلك، وجود كفاءات علمية عالية المستوى انضمت الى صفوف الدولة، وتعرف النسيجين الاجتماعي والسياسي جيدا في الاردن، مثلما تعرف ان شعبية الراحل ابو مصعب الزرقاوي في الاردن “هوت” بشكل كبير بعد ارساله الفريق الانتحاري، او الاستشهادي حسب ادبيات تنظيمه، بعد موجة تفجيرات الفنادق عام 2005.
 
***
 
لا شك ان هناك حالة من القلق تسود الاردن الآن على المستويين الرسمي والشعبي، وتتمحور حول سلامة الطيار الكساسبة، لعدم استجابة “الدولة الاسلامية” لارسال اي دليل على بقائه حيا، وهذا قلق مشروع، علاوة على كونه مبررا، فانقاذ هذا الطيار بات واجبا وطنيا رسميا وشعبيا، واصبح المسألة الاهم في الاردن.
 
التلكؤ في عدم الاستجابة لهذه المطالب ربما يعود الى استخدام “الدولة” تكتيكا يريد تعميق حالة “الغموض” في هذا المضمار، وزيادة معاناة السلطة الاردنية وارتباكها او ارباكها في الوقت نفسه، فيدها، اي “الدولة” في الماء بينما يد السلطات الاردنية في قدر من ماء يغلي، وماذا يمكن توقع غير ذلك من “دولة” دموية لا تتردد في اعدام المئات دفعة واحدة، وقطع رؤوسهم ذبحا، ودفنهم في مقابر جماعية في اطار استراتجيتها القائمة على بث الرعب في نفوس خصومها.
 
“الدولة الاسلامية” ربما خسرت بعض المواقع في ميادين القتال، ولكنها حققت مكسبا، اعلاميا كبيرا جدا على صعيد مخططاتها الاعلامية من خلال ازمة الرهينتين اليابانيين اولا، والغموض حول حياة او موت الطيار الكساسبة ثانيا، ومن يتابع اداءها على وسائط التواصل الاجتماعي والتقنية العالية التي يتسم بها خاصة على شبكة “اليوتيوب” يدرك جيدا مدى اهمية سلاح الاعلام في نشر ايديولوجيتها وترهيب اعدائها وما اكثرهم.
“الدولة” سجلت هدفا قويا في مرمى خصومها، وباتت يدها هي العليا في الوقت الراهن على الاقل.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي