الثلاثاء ، ٠٦ مايو ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٠٩ مساءً
قبل أعوام كنت في طريق عودتي من احد المؤتمرات في الهند عبر عمان. قلت اقضي فيها يومين ازور بعض الاصدقاء و استرجع احلى ايام عمان عندي، اخذت التاكسي من العبدلي الى الساحة الهاشمية و فجأة ورد خبر القاء القبض على صدام حسين في 13 ديسمبر 2003 م، و كان لذلك وقع كبير في نفسي و السواق الفلسطيني و الذي لم يكف عن السب من وضعنا العربي حتى وصلنا الى الساحة الهاشمية. حادثت سائق التاكسي الثائر محاولا تهدأته رغم أنني أنا نفسي كنت بحاجة الى تهدأة برغم ادراكي لهذه المحصلة، و انا اقول له و ماذا كنت منتظر مثلا، او لا تعلم ان الغرب ينظر الى المنطقة كمشروع هندسي، و هم لا يبدون اى مشروع الا بعد دراسة دقيقة لا تحتمل الخطاء، و قبلها يعملون محاكاة له بكل الاحتمالات الواقعية حتى يتموه كما خططوه، و تقوم بذلك مؤسسات و ليس شخص ينفرد في القرار مع اصحابه كما هو حالنا. 
 
ثم اتبعتها بقولي، ان ركائز مشروع الاجتياح و الحوافز و الاهداف و الاخطار كانت واضحة و مزمنة، كان يمكن استقرائها و ما اكثر من 12عاما من حصار دولي على العراق انهكت الحرث و النسل الا من اجل تأهيل الاطر لذلك و ايجاد الارضية الخصبة و قبلها جنى اكثر فائدة ممكنة من جميع الاطراف في المنطقة عن طريق سياسة النفس الطويل و لعبة الازمات المستمرة و المستعارة. و الغريب لم ندرس الوضع وقتها و لا حتى يومنا هذا بدقة، لاسيما و ان الغرب يبني لنا المصيدة تلو المصيدة بيدنا و يضل ينتظر متى سوف نقع فيها. فالخلاف بين الكويت و العراق في اخر محادثة وقتها كان مليار دولار و خرجت العراق بعد ذلك و عليه 120 مليار دولار ديون خارجية لا زال يدفعها الى يومنا هذا. و بعد حرب الخليج الثالثة كنا طبعاً قد خسرنا العراق باكملها بحاضرها و مستقبلها لاننا لم نتعلم من الحدث. لم استطيع ان اقول له وقتها اننا خسرنا الرهان "كش ملك مات" و اننا سوف نخسر كل يوم بطيش جماعتنا الحاكمة او الجهادية او حتى الثورية اكثر، كما حالنا الان في سوريا. ابتسم الرجل وقتها و ودعني و ذهب الى حال سبيله.
 
قفزت اليوم الى ذاكرتي بعد هذه السنوات اثناء مطالعتي للاحداث في امتنا التي لاتنتهي مقولة و زيرة الخارجية الاميركية السابقة مادلين اولبرايت عندما سألت في احد البرامج في 1996م عن رأيها في موت أكثر من نصف مليون طفل عراقي بسبب الحصار، أجابت اولبرايت بكل هدؤ "إننا نعتقد أن الحصار يستحق ذلك الثمن" و هي كانت تقصد العراق و المنطقة برمتها، و الحصار انما لشق و رصف الطريق الى قلب العراق. 
موت اكثر من نصف مليون طفل و تجويع الملايين برغم الاراضي الخصبة و النفط و العقول فعلاً لم يكن ثمنا باهظا من اجل السيطرة على مصادر الطاقة بالنسبة لهم، و التي تبين للغرب "الامريكيين و البريطانيين" بعدها ان العراق لم يعد يمتلك الا شفرات الحلاقة كسلاح مسموح، و أن الوقت قد حان للدخول الى العراق، و لتكن فسحة ان صح التعبير، و هم اى العرب و طيشهم من سيدفعون ثمن النزهة و تكاليفها، و كان الغزو العسكري، و التي لم تاخذ من حيث الزمان و المسافة الا الطريق من الكويت الى بغداد و سرعة المركبات المرافقة. 
 
كنت اتألم و انا ارى وقتها قيادات العراق يرسلون جنودهم الغلابة الى الموت سواء بعمليات انتحارية او غيرها من دون امل الانتصار، و انما الحشود و الاسطوانات المشروخة مثل "هكذا تموت الرجال او دافعوا عن الوطن". نسو ان وراء كل جندي يذهب و لا يعود اسرة هو ركيزتها و عائلها. احد الضباط الالمان ممن كانوا في المنطقة في حرب اجتياح الكويت قال لي وقتها اذا كان عندكم اشخاص لديهم الاستعداد على القيام بعمليات فدائية او التضحية من باب الدين او الشجاعة، لماذا لا يتم التخطيط باسلوب متقن لذلك بدلا من الفشل الذي نراه هناك و هنا، حتى في العمليات الانتحارية لا يتأذي منها الا انتم بأنفسكم؟. لماذا لم تتفهموا العقلية الغربية الى الان، فمن يعيش في الغرب يعلم ان دخول اى بلد كان غير ممكن، من دون أن يجد الغرب الذرائع لذلك.
 
نعم لقد كان امتلاك اسلحة الدمار الشامل وعلاقة النظام بالقاعدة هما السببان الوجيهان اللذان يقنعان الرأي العام الغربي بشرعية دخول العراق. و قد كانت احداث 11 سبتمبر قبلها الفرصة الذهبية لتغيير المنطقة و السيطرة عليها. و كما تذكرون ذهب كولن باول وقتها الى الامم المتحدة و نشر خرائطه و صوره امام العالم و شاهدناها على شاشات التلفزة ليبيـّن تواجد اسلحة "الهزار" الشامل المحمول منها على الشاحنات و المطمور منها تحت الارض كدليل قاطع لا يقبل الشك، و كأن العراق صارت اليابان وقتها. جلس العالم مبهورين بقدرة الولايات المتحدة الاميركية على تقصي كل تلك الحقائق، و التي اتضح فيما بعد انها مجرد حجة كاذبة، وزاد الطين بلة خطابات القاعدة و عملياتهم الطائشة هنا و هناك، و التي كانت تخدم اهدافهم وقتها، و كلما زادات الكاستات و الرسائل في الجزيرة، كلما كيف الغرب اكثر لانهم لايحتاجون بعدها للتبرير او للشرح، و كلما زادت الاختطافات و العمليات في المستقبل كلما وسع الغرب دائرة السيطرة اكثر.
 
لم تفهم جماعتنا الجهادية و الارهابية الى يومنا هذا، ان الغرب ينظر اليها كانسان هزيل و مريض "و هو فعلاَ" و في يده محبرة توسخ الثياب لا اكثر لكنها لن تصيب في مقتل الا نفسها واهلها. المهم توني بلير رئيس وزراء بريطانيا زاد العيار حبتين وقتها، بقوله بأن العراق يمكنه انتاج القنبلة النووية في غضون 45 دقيقة و ليس 45 يوم او شهر او سنة، و القاعدة نشرت وقتها رسلة جديدة فيها من التهديد و الوعيد ما يأخذه الغرب بمحمل الجد و ليس الهزار. كنت اشاهد ذلك من وراء التلفاز و اقراء بكثرة في صفحات الانترنيت، و اعلم انه لامراد لقضاء الله و انهم في الطريق و الامر قد صدر ببدء العمل و انها مجرد اسابيع و ليس شهور، و سوف ياخذون منا العراق بسبب قلة عقل، و قبلها طيش انفسنا و جماعتنا و التي اعطت حجة للغرب يعمل فينا مايشاء، وكان الامر "كش ملك مات" .
 
و في خضم الحشد الاعلامي وقتها تجمع حلفاء 30 دولة و جهـّزوا عدتهم و عتادهم قبل ان يهدد صدام حسين النظام العالمي حسب المقولة وقتها، و الغريب ورود هذه العبارة بنفس السياق قبلها قبل ان تمحو القاعدة و الجماعات الاسلامية سكان الكرة الارضية من الوجود . فرّ صدام حسين من المعركة و ترك لهم العراق عاريا الا من جثث عشرات الالاف من ابناء العراق كما فرت قوات العراق الباقية في الليل و تركوا الاسلحة العتيقة على الطريق مع ثيابهم الرسمية، و التي كلفت الشعب العراقي مليارات الدولارات وقتها، كما فرت قبلها ايضاً الجماعات الجهادية في افغانستان و بعدها جيوش القذافي في ليبيا و تركو ورائهم مئاسي في كل حى و اسرة و نفس.
 
لم تعثر القوات الاميركية و البريطانية على اسلحة الدمار الشامل و لم تجد اثرا لعلاقة صدام حسين بتنظيم القاعدة، و التي اصابتني بخيبة امل اخرى. كنت اتمنى فعلاً ان يجدو دليلا واحد انه كما قالوا، حتى أؤمن ان الشعارات ممكن تبني امة و انه لدينا قادة يعملون في الخفاء من اجل مستقبل و حماية الامة، اتفقنا ام اختلفنا معهم. الخبيث في الموضوع ان الغرب كان ممكن يلفق لنا التهمة و يعرض الادلة على برامج كاذبة و اسلحة خطيرة صدق من صدق و كذب من كذب مافرقت. عارفين لماذا لم يعملو ذلك، انا اقول لكم لماذا ؟ لأن الأمر لا يزيد عن " كش ملك مات". و حتى يظهرون بعدها باسلوب حضاري امامنا و امام العالم ايضاً، أعلن الحلفاء امام العالم بأن وجودهم في العراق هو لتحرير العراق من الدكتاتورية و تحويله الى جنة للديمقراطية و قِبلة للحرية و للكرامة. و كانت هذه هي الحلقة الثانية بعد افغانستان و باكستان في تفكيك الامة.
خسرنا في اقل من 14 عام افغانستان و العراق و ليبيا و سوريا و نصف السودان و قضيتنا الفلسطنية و لبنان في المحصلة، و الخطاب الديني و السياسي لجماعتنا في السلطة او المنابر او الغرف المغلقة لم يتغير بعد، و كأنهم لا يطلعون على الاخبار و لا يستقرؤن الحدث. ظلوا و اظلونا، و صرنا بخطابهم و عملهم رهائن الماضي و لم يخرجونا عنه. حتى الشرخ داخل ثقافتنا الدينية حاول الغرب و الشرق ان يحدثوه لكنهم لم يفلحوا كما افلحت الجماعات الجهادية و الطائفية في مجتمعاتنا، و بالذات بعد الربيع القارص.
 
و يظل السؤال هنا، لماذا جماعاتنا الارهابية و الجهادية و الطائفية لا يدركون انهم هم من يفكك الاوطان و بعدها هذه الامة و ما عزوف الناس عن الدين الا بسببهم و ما تشفي الناس باقتلاعهم لهوا دليل على انهم فقدوا حتى الحضانة الشعبية و ما وضع اليمن تحت البند السابع الا بداية الطريق؟ . و اخيرا اريد ان اقول لنا و لهم و لمن هم مغرر بهم، الوطن نحن و أنتم و ليس يا نحن، يا أنتم، و ان الشعارات وحدها لا تكفي لبناء وطن و لا حتى العيش في الكهوف، و لعبة عسكر و حرمية لا تكفي لحماية امة تنهش منها كل الأمم، بسبب صداعكم و حكامنا، و انما العلم و المعرفة و الانفتاح.
 
و رسالتي لهم، لقد اعطيناكم بخطابكم الديني وقت منذ 37 هجرية الى يومنا هذا و لم تفلحوا و لم تفسرو لنا اخفاقكم, اعطونا فقط 20 سنة دون قتال او اختطافات او تكفير او تنظير و فلسفة مافرقت، نجرب شئ اخر، و سوف نريكم كيف يمكن ان تبنى امة على الدين و المعرفة و السلوك، فاذا لم نفلح رجعنا تعسكرنا معكم و نهشنا في بعضنا بعضا ما عد فرقت بعدها.!!!!!
الحجر الصحفي في زمن الحوثي