عودٌ أعوج.. ظلٌ مائل

كتب
الجمعة ، ٢٨ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٣٣ صباحاً

بقلم: خالد سلمان -
اثنان ليس هما من نسل الديمقراطية .. الأول من يعادي فكرة المنتج الحزبي رفضاً وتجريماً واختصاماً.. والثاني من يدافع بالمجمل عن صنمية.. وجمود وهشاشة الأحزاب.. الاثنان يعيدان إنتاج عبادة بقرة الزعامة المقدسة.. القائد الفذ على مستوى السلطة المستبدة.. أو الحزب المحصن بتعالٍ عن التغيير.. التصويب وإعادة المراجعة.. اثنان كلاهما يرى في ذاته أباً شرعياً للحقيقة وناطقاً أوحد باسمها.. إننا أمام منظومة فاشية صدئة.. بابوية قامعة.. تارةً باسم الله.. وأخرى باسم النظام الداخلي.. حيناً بالبيعة وطاعة الأمير السياسي أو ولي الأمر الحاكم.. وطوراً تحت ضغط مغرمة الانضباط.. وصون تماسك وتراص صفوف التنظيم وجهان للاستبداد وطرفا معادلة: سلطة غاشمة فاسدة ومعارضة مؤسسة على ثقافة الانقضاض والمغالبة.. دسترة للقنص وشرعنة الافتراس.. افتراس الآخر غير المجلبب ببطاقة الحزب غير المغطى ببرقع الانتماء.. لا يهم من يكون ذاك الآخر.. الشعب .. الثورة.. أو حلم الوطن.
في اليمن يحدث كل هذا.. تدوير الأنا المطلقة.. وإرساء دعائم حق التداول السلمي للاستبداد.. لا شيء يتغير هنا.. حتى وإن بدا لك أن مياهاً قد جرت.. فثق أنها مياه نافورة راكدة.. تلف حول نفسها وتضخ سياساتٍ آسنة.. تقدم وجوهاً مكرمشة.. من طول سهر الليالي بانتظار اللحظة السانحة.
كان جلياً نقاط التقاطع بين إصلاحية الأحزاب.. وجذرية الثورة.. بين خبراء كمائن.. ونوارس شابة حالمة.. للنوارس فضاء التأمل النظيف.. وصياغة شاعرية للحدث.. وللخبراء الأزقة المظلمة.. رص الحراك.. هندسة التسويات.. قراءة الطقس السياسي.. استثمار مخرجات العاصفة.. وتأميم نتائج الانفجار.. انفجر الشعب.. أكلت الأحزاب الحصرم.. وضرس الثائرون.
كان الشباب يرسمون بدمهم على الأسفلت قسمات ملامح قادم وجه الوطن الوضيء.. يخطّون على بوابات سلطة القامع (مغلق بأمر الشعب) فيما تشرع الأحزاب.. تفتح جميع أبواب دكاكين التسويات المهينة.. وحوارات ما تحت الطاولة.. كان الرصاص يقتات على لحم يافعي الثورة.. فيما حرب الحقائب الطاحنة تدور رحاها في الأقبية المعتمة.. ولتحسين شروط التفاوض ستقول أحزابنا: لا بأس من استثمار صمود واستبسال كتائب الصدور العارية.. أما في ليل حفل صيد الجوائز.. فإن صور الشهداء تطل شلالات ضوء.. ثقالة عنق.. تشد ضمائر الآثمين إلى الحضيض.. صرخة سماء.. زلزلة صوت إله: إنا هنا.. إنا قادمون.
أحزاب تقرر أنها عندما تنتصر الثورة فقط يبدأ دورها .. تبيعنا مخزون كسادها السياسي.. خردوات خطابات الخيبة.. العجز والهزيمة .. أحزاب ظاهر قلبها مع هدير الشوارع.. وعين عقلها على ما بعد صمت الأزيز.
(تريدون أكل العنب أم قتل الناطور؟) لم يتعبوا قط من تكرار هكذا حكمة خارجة من رحم التشوهات وأنصاف الحلول.. يرشونها كماء ورد على تفجرات حمم الغضب وهي حبيبات ملح على جرح غائر, والنتيجة: ثورة لم تذق العنب,.. ولم ينل ناطور الخطيئة حقه من جزاء جرم أو عقاب لحمامات دم ومجازر.
نحن في وضع أكثر من كارثي.. فحين تسير النخب إلى الوراء.. يكبر المصاب.. يحدث هذا حين تسقط في أول اختبار جدي لاستظهار مكامن النضج فيها.. حين تنام مستسلمة راغبة في حضانات خدج بصحراء الجوار.. حين تتعاطى النخب مع الثورة بصمت خجول.. كجناز ثقيل ظل كراحل.. لا كعريس نهار قادم.. من خلف غبار منازلات سلمية.. باهظة الحزن.. فادحة التضحيات حينها وحينها فقط تغدو حالة الأحزاب نافرة عن السياق خارج التوصيف وكل موازين القياس.
ويصبح لزاماً على الأصدقاء من شباب الأحزاب إلقاء تحية المساء البشارة في حضرة حيرة وطن مكسور الظهر منهوش الذراع: شباب: تصبحون على زلزال ثورة.. تهز توابعها بنى الأحزاب.
تصبحون على ثورة غير مسلسلة بالفضيحة.. شباب تصبحون على ثورة مستعادة.

عن صحيفة الجمهورية

الحجر الصحفي في زمن الحوثي