رحلتي إلى قصر معاشيق

علي هيثم الميسري
الخميس ، ١١ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٤١ مساءً

كالعادة وفي كل عيد فطر أتلقى دعوة لتهنئة رئيس الجمهورية منذُ عهد طيب الذكر فخامة الرئيس الوالد عبدربه منصور هادي في الرياض ، وفي هذا العيد تهيات للذهاب إلى قصر معاشيق لتهنئة سيادة رئيس المجلس الرئاسي الدكتور رشاد العليمي بعد أن وصلتني الدعوة ، فكانت في حقيقة الأمر رحلة شاقة من صبيحة يوم العيد حتى التاسعة صباحاً ليس ذلك فحسب بل للشعور بالخجل لبعض المواقف ، فالأمر شتان بين أن تصل للقصر الرئاسي في الرياض والقصر الرئاسي في عدن عاصمة الجمهورية اليمنية .

    وصلت وبمعيتي صديقي المهندس ياسر أحمد عمر إلى أول نقطة تفتيش فمنعوا دخول سيارة صديقي بحجة الزحمة ، مع أن الأمر لم يكون كذلك في عيد العام الماضي الذي كان يسمح فيه بدخول السيارات إلى مواقف معاشيق ، فترجلت وصديقي ومشينا على أقدامنا وكان هناك بعض الجنود يحملون كشوفات بأسماء المدعوين وهذه المرة لم يسألوا عن أسماء المدعوين ، حتى وصلنا إلى موقف جانبي قريب من نادي التلال ولكنه على خط صيرة وكانت هناك حافلات تنتظر لصعود الجموع الغفيرة للمهنئين .

     صعدنا حافلتنا التي أقلتنا بعد إنتظار لحوالي عشر دقائق غير مستحقة لعدم التنظيم والترتيب والفوضى الغريبة ، فذهبت بنا حافلتنا بعد عبورنا لنقطة أخرى عبرت بنا إلى مواقف مسجد القصر الرئاسي ثم ترجلنا من حافلتنا الممتلئة ومشينا على أقدامنا ، وصلنا بعدها إلى نقطة تفتيش فكانت طريقة التفتيش عشوائية لم يتم التدقيق وتحري التأمين فيها فالبعض طلبوا منهم تسليم المقتنيات كمفاتيح السيارات أو مفاتيح اخرى بالإضافة إلى الهواتف المحمولة وكنت ضحية لعدم التدقيق لوقوعي في ورطة بعدها .

     بعد أن إجتزنا هذه النقطة مشينا لحوالي دقيقتين حتى وصلنا إلى بوابة المسجد الرئيسية وهنا ظهرت الورطة ، كان المكان مزدحم بالأطفال والشباب وكبار السن يقفون بالدور ولكن بشكل عشوائي مما أحدث جلبة وفي البوابة حراسة يصيحون ويحثون الزوار بترتيب الدور حتى يفتشونهم ويدخلون ، وكنت واقفاً يراودني الخجل من الموقف المزري لعشوائية الناس ، وسمعت أفراد الحراسة يقولون لا يـُسمـَح بإدخال الهواتف المحمولة وهنا كانت الورطة فقد كان بحوزتي الهاتف المحمول ، وحتى أدخل كان عليَّ أن أعود أدراجي إلى نقطة التفتيش الأخيرة وزادت حيرتي بأنه في لحظة التفكير لعودتي قد كـَبـَّر الإمام إيذاناً بالصلاة فقلت في نفسي وجدتها بعد أن راودتني الفكرة ، وفي خلسة من الناس نزعت فردتي الحذاء ثم الجوارب فوضعت هاتفي في فردة الحذاء ثم حشيت الجوارب فيه ووضعت حذائي بعيداً قليلاً من أحذية المصلين وكنت متوجساً قليلاً إنما الفكرة نجحت ودخلت المسجد ولم ألحق إلا ركعة مع الإمام .

     بعد الصلاة وخـُطبـَتـَي العيد خرج الجميع من المسجد وهنا بدأت رحلة أخرى من شبه العذاب خارج المسجد مترجلين والشمس تلفح وجوهنا نترقب وصول الحافلة لتقلنا ، وبعد حوالي النصف ساعة وصلت الحافلة وشاهدت الناس تتسابق للحافلة وعند بابها يتدافعون للدخول وتمكنت من الدخول عنوة ، وأخذت مقعدي وصاحبي وولديه حتى إمتلأت الحافلة وغادرنا المكان ورأيت وجوه الركاب مكفهرة مستنكرة لما حدث لهم ، وسارت بنا الحافلة فقال لي صاحبي وهو يشير إلى جهة اليمين أنظر هنا أبو الوادي ، وهو عبارة عن منتجع طبيعي أسفل الجبل وأردف قائلاً هذا الطريق كان وعراً ولا تصل إلى المنتجع إلا سيراً على الأقدام وفي عهد الرئيس علي عبدالله صالح تم إنشاء طريقاً إسفلتياً تسير عليه المركبات ، طبعاً كنت أعلم بكل هذه المعلومات لأنني اتذكر حينما كنت طفلاً ذهبت وأهلي إليه ولكن عن معلومة تعبيد الطريق وسفلتته كنت أجهلها .

     بعد حوالي خمس دقائق سيراً بالحافلة وصلنا لنقطة العذاب قبل الأخيرة وترجلنا من الحافلة ورأينا أمامنا نقطة تفتيش فمشينا إليها وقال لنا بعض افراد النقطة أي احد لديه هاتف محمول لن يعبر ، وإمتعضت الأمر في نفسي وإستنكرته أمام أحدهم وقلت له ضع هاتفي عندك ودعني أعبر فقال لن تجدني عندما تعود ، فشاهدت رجل يقف يرتدي لباساً مدنياً أنيقاً وهمست في أذنه أنا أتبع فلان الفلاني دعني أعبر وأنا ساتصرف هناك فقال لي خلاص إذهب ، فمشينا مترجلين حتى وصلت إلى رحلة العذاب الأخيرة ولفحة الشمس التي زادت أشعتها ضراوة تلفح وجوهنا وفي جهة قريبة وجدت جندي واقفاً يأخذ هواتف محمولة في خزانة الأمانات فوضعت هاتفي لديه وناولني كرت الإستلام ، وشاهدت أمامي جمع غفير من الناس يقفون بشكل عشوائي يريدون الدخول عنوة ويقف أمامهم أفراد قوة عسكرية بما فيهم حوالي أربعة سعوديين ، في حقيقة الأمر كانوا جميع الأفراد بقمة الأخلاق ولكن تدافع الحشد هو الذي أزعجني فهم لا يريدون أن يصطفون بأدوار وكانوا يريدوا الدخول وكأنهم داخلين إلى ملعب ليشاهدوا مبارأة .

     في أثناء وقوفي أشاهد المنظر المخزي لمحت أحد الإعلاميين أعرفه من الرياض عرفني وعرفته وبعد التهاني والسؤال قال لي أرى مقالاتك قد شحت قلت له بعد أن خرج فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي من المشهد أكتشفت المخطط الإجرامي لليمن ، فحاول يقنعني بأن الامر لا يتعدى أن هناك ازمة وستنتهي فقلت له عشنا هذه الأزمة تسع سنوات والوضع من سيء إلى أسوأ فقال لا تيأس فالآن لدينا قيادة سياسية ستقود البلد لبر الأمان فقلت له لم أرى أصدق ولا أكفى من فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي وأخذ فترته وخرج من المشهد بتآمر بعض القوى السياسية عليه وتماهت مع المخطط وهؤلاء سيأخذون زمنهم وسيرحلون وسيأتون بغيرهم وهكذا دواليك ونحن ننتظر إنفراج الأزمة ، طبعاً لم يقتنع بكلامي بحواره معي ولكن شاهدت ملامح وجهه تحكي بأنه متألم وأنني أصبت كبد الحقيقة ولم يبوح لي بما في سريرته لإنه كما أظن أنه يستلم راتب من الرياض بإحدى مسميات الوظائف الإعلامية .

     بعد ذلك كنت عاجزاً عن إتخاذ قراري هل اعود أدراجي وبأي وجه أقول لصاحبي وولديه بأننا سنعود من حيث أتينا ، وقررت حينها أستمر في هذه الرحلة فتوغلت بين الصفوف بمعيتي صاحبي وولديه وبدأ أفراد القوة العسكرية هم أنفسهم يمتعظون من الجمهور وأستخدموا لهجة التهديد والوعيد بانه لن يدخل أحد إلا إذا إصطفيتوا بثلاثة خطوط ، وبالفعل نجح التهديد مع شعب يعشق الفوضى ولا يحب النظام ولا يحصل ذلك إلا في عدن فلطالما رأيت الفوضى والعشوائية وعدم إحترام النظام في الشارع العدني ولاحظت ذلك بعد العام 2015 ، وبعد أن أخذت دوري في أحد الصفوف تذكرت حينها حظوري لتهنئة فخامة الرئيس طيب الذكر عبدربه منصور هادي في الرياض كيف كان جمهور المهنئين يصطفون منتظمين كالبنيان المرصوص ، ولا أدري هل لأنهم في بلد غير بلدهم يرددون مقولة يا غريب كـُن أديب أو لأن هناك أفراد القوة العسكرية يبدون لهم الصرامة والحزم .

    كنت أنا الخامس في أول الصف وحين وصلت فتشني أحدهم ومررت لأصل إلى صفوف أخرى وقبل أن أصل لحقني أحدهم قال لي لو سمحت ، وبدأ يفتشني مرة أخرى فقلت له قد فتشني صاحبك فقال المعذرة القائد أشار إليك لأفتشك مرة أخرى وأشار إلى زر الجاكيت لأفكه وعرفت حينها بأنه كان متوجساً من إقفال زر الجاكت ففككته وفتشني وأعتذر بعد أن لم بجد شيء أخبئه ، وعندما وصلت للصفوف الاخرى كانت سريعة جداً وسلسة وفتشني رجل مدني سريعاً ودخلت البوابة لارى أمامي جهاز التفتيش الصوتي وعبرته داخلاً إلى قاعة الإستقبال ، وأخذت دوري حتى وصلت لسيادة الرئيس وصافحته وهنأته لحوالي ثلاث ثواني ومشيت .

     كانت رحلة مدتها حوالي ثلاث ساعات لأجل تهنئة الرئيس مدتها ثلاث ثواني مع إني قد ألتقيت بسيادته في عدة مناسبات قبل أن يصل لكرسي الرئاسة وتحدثنا كثيراً وأسهبنا في الحديث ، وحين خروجي رأيت شخصين بحوزتهم ظروف يوزعوها للأطفال دون الكبار كما حصل في العام السابق وعرفت أن بداخلها 5 آلاف ريال من أبو فئة 500 مع أن العام السابق كانت 10 آلاف ريال من الفئة 1000 ، على العموم هي 10 أوراق نقدية ولكن يبدو أن الإخوة شعروا أن عدد الأطفال سيزيد فوضعوا 10 اوراق نقدية ولكنهم غيروا الفئة ، ويبدو كذلك أن جمهور المهنئين شعروا بأن هناك توزيع مبالغ مالية فحشدوا أولادهم وأولاد الجيران وهذا الأمر طبيعي طالما والوضع في عدن يشوبه الفقر للسواد الأعظم ، ولكن المعيب في الأمر أنهم تركوا الأطفال يرمون الأظرف بمجرد خروجهم من القاعة بعد أن وضعوا المبالغ المالية في مخابئ ملابسهم وعموماً هي ثقافات وطرق التربية .

     لم أكتب رحلتي هذه لأجل الكتابة ولكني كتبت ليعلم القائمين على تنظيم هذه المناسبة بأنهم لا يجيدون كيفية التنظيم ، وأن ما حصل من فوضى وعشوائية يظهرهم بأنهم غير أكفاء في مواقعهم هذه ولعل وعسى في المناسبات القادمة يستفيدون من أخطاؤهم وتجاوزها ، مع العلم أن الأمر لا يحتاج لحنكة أو دراسة فالأمر سهل جداً ولا يحتاج إلا لإحساس بالمسؤولية الملقاه على عواتقهم وقليل من الشعور لحفظ كرامة الناس من الإهانة حتى يصلوا وينالوا شرف تهنئة ومصافحة رئيس دولتهم ليس إلا ، وقبل الختام أحب أن أنوه لأمر بغاية الأهمية وهو أننا عندما كنا نازلين من القصر الرئاسي ونحن في الحافلة رأينا منتجع أبو الوادي واضحاً من الأعلى وتظهر فيه ملامح الجمال ، وقال من كان جالساً امامي وهو متحسراً شاهدوا كم هي جميلة مدينتنا عدن وأضاف قائلاً هل تعلموا بأن أبو الوادي بـَنـَت فيه جهة ما لدولة ما من دول التحالف مباني يسكنوا بها ونحن أبناء عدن ممنوعين من إرتياد هذا الجمال الطبيعي ، فقلت له غير معقول فأقسم اليمين المغلظة بأنه صحيح فقلت له وأين أصحابنا من هذا فقال متألماً : يا صاحبي القرش يلعب بحمران العيون فوصلت الفكرة .

علي هيثم الميسري

الحجر الصحفي في زمن الحوثي