التعصبات السلبية .. والتخلف الفكري والتراجع الحضاري ..!!

ابراهيم ناصر الجرافي
الثلاثاء ، ١٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٣٣ مساءً

 

من المسلم به أن التعصبات السلبية بكل أنواعها سواء الدينية أو المذهبية أو الطائفية أو العرقية أو العنصرية أو القبلية أو الحزبية ..الخ ، هي البوابة الرئيسية للوقوع في مسالك الكراهية والعنف والتطرف والتشدد والغلو والارهاب بكل مسمياتها وأنواعها ، وهي الأداة التي تعمل على تشويه الصورة الجمالية والإنسانية والآخلاقية والمعرفية لأمور كثيرة نعيشها ونشاهدها ونتفاعل معها ، وأهمها الدين والأخلاق والعلاقات الإنسانية والاجتماعية والعلاقات السياسية الإيجابية والحوار والتعايش السلمي ..الخ ، مهما كانت تحتوي تلك الصورة من جماليات وروائع وإيجابيات ، يمكن أن يكون لها آثار حسنة وطيبة وايجابية في حياة البشر وتعاملاتهم ، لأن تلك التعصبات للأسف الشديد تجعل العقل والفكر البشري محصور في مساحات ضيقة ومحدودة ، وهو ما يجعله ينظر إلى أي فكرة أو نظرية من زاوية حرجة ، وقد تكون تلك الزاوية هي الزاوية السلبية لتلك الفكرة أو النظرية ، فكل فكرة أو نظرية لها ايجابيات وسلبيات ، وبالتالي فإن الإنسان بذلك يحرم نفسه وعقله وتفكيره ، من رؤية جماليات وإيجابيات تلك الفكرة أو النظرية لو رآها من منظور كامل ..!! 

 

 وهذا هو الحرمان الذي يعيق العقل البشري ، والفكر الإنساني من الإبداع والابتكار ، وبالذات العقل والفكر الإسلامي ، الذي تسيطر عليه التعصبات بشكل كبير ، نتيجة الشحن الديني والمذهبي والطائفي البعيد عن منهجية الإسلام الصحيحة ، القائمة على الوسطية والاعتدال والانفتاح على كل الثقافات والأفكار الأخرى ، بهدف دراستها وتقييمها والإستفادة من إيجابياتها وتجنب سلبياتها ، لذلك كم هو محزن أن نشاهد الكثير من الناس وتعصباتهم السلبية ، تحرمهم من النظر إلى جماليات الحياة ، وجماليات الإبداع الإنساني ، وجماليات التعدد والتنوع الفكري والثقافي والحضاري ، التي تظهر للعقل البشري عظمة وقدرة خالق الكون ، وتزيده إيماناً ويقيناً به ، تاركين أفكارهم وعقولهم ، رهينه لفكر مذهبي أو حزبي أو مناطقي أو طائفي محدود وضيق يتحكم فيها ، ويسيطر عليها ليحرمهم من نعمة عظيمة منحها لهم الله تعالى ، وهي نعمة التفكر والنظر والتأمل والتبصر والتدبر لكل ما في هذا الكون من آيات وعلامات وأفكار ونظريات ..!! 

 

والطريق الوحيد أمام الإنسان لكي يتمتع بجماليات الحياة وبجماليات التعدد والتنوع ، هو بتحرير عقله وأفكاره من كل التعصبات الضيقة ، التي تقود العقل والفكر نحو الإنحصار والإنغلاق والإفلاس الفكري والثقافي والإنكفاء السلبي وكراهية الآخر والعداوة للآخر ، والتي تحرمه من إطلاق العنان لعقله ، بالتفكر والتدبر في الآفاق الكونية ، والآيات القرآنية ، والقصص والعبر والعظات التاريخية ، والإبداعات والنظريات والأفكار البشرية ، التي دعى الله تعالى إلى التفكر فيها ، والتدبر بشآنها ، والنظر في أحوالها ، والتأمل في مآلاتها ، من خلال البحث والدراسة والتحليل الشرعي والعقلي والمنطقي ، ففلسفة الإسلام العقلية والفكرية تقوم على إطلاق العنان للعقل للتفكر والتدبر والبحث والدراسة في آفاق الكون الواسعة ، بينما التعصبات بمختلف أنواعها تقيد العقل وتضيق الخناق عليه في مساحات ضيقة ، ولا وجه للمقارنه بين التفكير الواسع واللامحدود على مستوى الكون والافكار والنظريات والثقافات العالمية ، وبين التفكير الضيق والمحدود في حدود المذهب أو الطائفة او الحزب ، وفي ذلك ظلم ما بعده ظلم للعقل والفكر الإنساني ..!! 

 

 لذلك على الإنسان الحصيف أن يدرك خطورة التعصبات السلبية الضيقة بكل صورها على دينه ودنياه ، وما يترتب على ذلك من مخالفه لدعوة الله تعالى له بالتدبر والتفكر والبحث العلمي الواسع والشامل، وما يترتب عليه من آثار سلبية على مسيرة الحضارة البشرية ، بسبب ما ينشأ من التعصبات السلبية الضيقة من الفتن والحروب والصراعات ، والتي تعمل جميعها على تقويض عملية التقدم والبناء والرقي الحضاري ، وعلى الإنسان أن يدرك حقيقة مهمة جداً ، وهي أنه لا يمكن لأمة من الأمم التطور والتقدم الحضاري ، في ظل وجود التعصبات الدينية والمذهبية والطائفية الضيقة ، كونها تعمل على تعطيل العقول والأفكار ، وتعمل على أسرها وحبسها في زوايا التخلف والركود والجمود ، وتعمل على صناعة الكراهية والبغضاء بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد ، وعليه أن يدرك أن التراجع والتخلف الحضاري ، الذي تعيشه أي أمة من الأمم هو المنتج الحصري والوحيد للتعصبات السلبية الضيقة المهيمنة على تفكير وعقول أفرادها ، فهي أكبر عائق أمام التعايش السلمي الانسجام الاجتماعي والإبداع والإنطلاق والبحث والنهوض والتقدم الحضاري ..!!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي