السفارات..مسرح لصراع النخب

د. محمد شداد
الأحد ، ١٠ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٤ مساءً

الكارثة التي حلت باليمن لم تكن تخطر على بال أحد، اختلطت فيها الأوراق وتشتتت الرؤى وفقد المحللون لما جرى في اليمن صوابهم، قالها المحلل والصحفي الكبير عبدالباري عطوان في مطلع الكارثة أنه لم يعد أحد يدري أو يستطيع أن يحلل الذي يجري على الساحة اليمنية. شدهت عبارة محمد البخيتي مذيع قناة الجزيرة عندما قال بأن ميليشيات الحوثي اتجهت إلى مأرب والجوف لحماية القوات المسلحة من عناصر القاعدة!!

 

في العام 2010م، خرجت هائماً على وجهي عندما أعلن الرئيس السابق عن انسحاب القوات المسلحة اليمنية من جبال وسهول صعدة ولم أصدق حتى اتصلت بأحد القيادات وأكد على القرار الكارثة، بعد أن أريقت دماء ضباط وأفراد القوات المسلحة على كل ذرة تراب وطئوها لحماية النظام والدولة والجمهورية كان ذلك على إثر صدور مذكرة من الأمم المتحدة بحق الرئيس السوداني عمر البشير.

 

 طارت عقولهم وذكروا المثل القائل إذا "حلقوا لأخوك بليت راسك" فلم يبلوا رؤوسهم بالماء بل أرووا تراب الوطن بدماء أطهار اليمن أما القوات المسلحة التي بنوها ذهبت في الاتجاه الخطأ ووقعت في الفخ الذي لم يكن متوقعاً من أحد لأسباب عده لا مجال لذكرها في هذه التناولة.

 

شُرّد الناس على إثر الخيانة والإنقلاب، تفرق السياسيون وتشتت الأحزاب، هرب الرئيس والحكومة، غادروا الوطن، وحلت كارثة التحالف، الذي عقد اليمنيون عليه الآمال، ولو تركوها لليمنيين لحلوها وأزالوا حدث النجاسة بطريقتهم دون عناء.

خرجت النخب وصناع القرار، ساسة صحفيين مثقفين حقوقيين مدنيين وعسكريين، شدوا الرحال حتى وصلوا إلى أوروبا لاجئين ومستثمرين، لكن الباعث للأسى والحزن أنهم رحلوا بحمولاتهم وخصوماتهم وأحقادهم التي شردتهم بدايةً، وظلوا لها حاملين يعتلجوها في أحشائهم ويلوكوها في كل عاصمةٍ ولقاء، وظلت الحمولة التي كسرت ظهر الوطن على ظهورهم.

 

أضعفتهم تلك الحمولة الكاسدة أمام الأعداء وقللت من شأنهم أمام الأصدقاء وطغت المصالح على مصلحة الوطن وتوسعت جيوب التكسب وزاد نهم شحن الرصيد بالمزيد. كَسرت الهامات أضلاعها ازدحاماً على أبواب الموائد وسفر الطعام، خرج الشيخ بثقافة الوقوف على الأبواب، والناشط على نواصي الطرقات، والنائب على كراسي التزلف والمراء، هانت الناس كل هذا ولم يُستوعبوا الدرس ولم تصل الرسالة ولا زال التناكف واستهداف القامات الوطنية المخلصة جارٍ دون توقف!

 

وفي الوقت الذي استهدفت الحوثية بيوت الله ومنازل المواطنين هدماً ومصادرةً ودمار، وقوّضت دور العلم ومؤسسات الدولة، واستهدفت عقول الشبيبة واختطفت حب الوطن من قلوب الناس، وهدمت صروح الهوية الوطنية وقطَّعت نياط الانتماء الوطني كي تصبح العقول فارغة إلا ما أملته عليهم من خرافات ودعوات ما أنزل الله بها من سلطان.

 

 من جانب آخر عملت بعض أطراف وشخوص الشرعية في إطارها على إحراق الرفاق والرموز الوطنية حملةَ الهم الوطني وشعار الوحدة اليمنية في إطار الوحدة الوطنية الشاملة، لإحراق ما تبقى من سمعة ممثلي الشرعية مسؤوليين سفراء وزراء محافظين قادة عسكريين بفعل الحمولة التي لازالوا يحملونها قبل التشرد وتفكك اللحمة الوطنية، تحدوهم البرجماتية السياسية والحزبية الضيقة، فسلطوا عليها ضباع الأرض وذئابها المفرغين من القيم الوطنية، الدينية والأخلاقية، وفتحت لهم الفضائيات أفاقها للتقيؤ على شاشات التلفزة اتهامات، تشويه كيداً ومكايدةً، ولو قُدر حد تعبير أحد المفكرين لحروفهم أن تتحول إلى ذباب لطارت في وجوه الناس وحولت الطرقات إلى مقالب للقمامة.

 

كل ذلك استهدافًا لهذا البارز المستحق وإزاحة ذاك من طريق الترشح لمنصب شاغر كي تخلو الطريق لمن لا يستحق، لمشروخ الهوية، فاقد البوصلة مفرغ الجراب الوطنية، كما هو حال سفيرة اليمن في هولندا (سحر غانم ) التي تتهرب من حضور فعالية وطنية مثّلت نضال أمة وفاتحة حركات التحرر الوطني من الإمامة والاستعمار كـ (ثورة 26 من سبتمبر)...

 

شدّ اليمنيون الرحال إلى حفل ثورتهم من أنحاء مملكة هولندا، وغابت عنها عنوة لم تمثّيل النظام الجمهوري لأنها ببساطة لا تعنيها اليمن الكبير ولا أعيادها الوطنية ولا حزن أو فرح جالية يمنية قذفت بها أمواج الزمان الردئ إلى بلدان المنافي.

 

 أدارت ظهرها ليلتها لجموع اليمنيين لتولّي وجهها، أي السفيرة غانم، شطر فرنسا لحضور حفل موسيقي عابر تاركة اليمنيين على مقربة من مكتبها الدبلوماسي الوثير يغنون لليمن وثورته السبتمبرية الأكتوبرية. سفيرة راتبها بالعملة الصعبة يُفترض بها أن تؤدي مهامها لقاء مخصصاتها، لكنها لم تتبوأ مقعد مكتبها عن جدارة واستحقاق، بل مكافئة لها ومحسوبية لشخصها كونها من ذوي المنطقة الرمادية وتحمل فكرة قروية تخاف أن تسموا بفكرة الوطن حتى أسقطتها فكرة القرية.

 

 ترحم اليمنيون في هولندا على ماليزيا بلداً راقياً وبعثةً دبلوماسية مخلصة ونشطاء اتحادات وجالية، تذكروا خطابات السفير الهادرة في أعيادهم الوطنية الوحدوية والثورية، حاملة هم الأمة، تذكروا الدعم المعنوي لكل الحراك الثقافي والسياسي في ماليزيا مع حضور وتفاني كبارها المثقفين الأقيال الأكاديميين على رأسهم الدكتور عبدالله الذيفاني، ذكَّرتهم السفيرة في هولند بأولئك الكبار فكراً ومواقف، ذكَّرتهم بمن هاموا وأنشدوا للوطن من شغاف القلب إلى أقاصي الذاكرة.

 

هذه هي النماذج التي يريدوها رموزاً للوطن، من عَجِز عن قيادة وزارة سلموه إلى جانبها أخرى كي يصبح عائقاً لا حلاً، تفائل الناس خيراً عند تولي الدكتور رشاد العليمي الأكاديمي السياسي المؤرخ المخضرم غير أنه يطير على جناحٍ واحدٍ كطائر قلقٍ يسبح بين أمواج الشقاء والمشاريع الضيقة والحمولات التي لازالت تحملها الأطراف الخاسرة والتي لازالت مؤشرات الخسارة معها حادياً لها ودليلا.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي