"أمـل" والانقلابيون ، والعشرية الدامية

موسى المقطري
الخميس ، ٢٢ فبراير ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٤٨ مساءً

في سبتمبر من العام 2014م خرجت إلى الحياة طفلة تشبه القمر سمتها أسرة "أمـل" ، ومع دخولها عامها الأول انطلقت الحرب التي أشعلها الانقلابيون فاضطرت أسرتها للتشرد في مخيمات النازحين ، وطوال السنوات اللاحقة تعددت عمليات النزوح ، وتنوعت أشكال المعاناة التي عاشتها "أمـل" وأسرتها ، فهي لم تعرف من السكن إلا الخيام ، ومن الطعام إلا القليل الرديئ الذي توفره منظمات الإغاثة ، والأسوأ انها كادت أن تكون ضحية قذيفة أطلقها الانقلابيون على مخيمها ، ورأت بعينيها الصغيرتين طفلين في عمر الزهور كانت تلعب معهم قبل لحظات غرقوا في بحر من الدماء لم يفيقوا منه إطلاقاً .

 

تدخل "أمـل" اليوم عامها العاشر ولم يتح لها الالتحاق بالتعليم النظامي ، وتفتقد أباها الذي إختطفه الانقلابيون إلى سجونهم مع بلوغها السابعة من العمر ، وهو السن الذي كان ينبغي أن تكون فيه قد خطت أول خطواتها نحو التعليم ، لكن لم يحدث من ذلك شئ ، وما حدث فقط أن أبوها خاطر بالذهاب لإحدى المدن التي يسيطرون عليها باحثاً عن لقمة العيش فاعتبروه جاسوساً! ومرتزقاً! وعميلاً! ولم تراه "أمـل" حتى اليوم .

 

تدخل "أمـل" اليوم عامها العاشر وهي مشبعة بالأوجاع الحسية والمعنوية ، فهي لم تعرف من الحياة الكريمة إلا وصفها ، ومن الطفولة إلا أسمها ، وتستوطنها العديد من الأمراض التي خلّفتها موجات الصقيع ولحظات الخوف ونوبات الجوع في مخيمات النزوح والتشرد ، ولم تتمكن من الالتحاق بالمدرسة ، وحرمت من ممارسة أنشطة أقرانها في العالم ، فهي لم ترسم يوماً ، ولم تحضى بمعلمة تربت على كتفها ، ولم تحمل بيدها حقيبة أو دفاتراً أو كتباً ، وعوضاً عن ذلك لزاماً عليها أن تحمل أعواد الحطب وقناني المياه كل يوم لتستطيع هي وأسرتها البقاء على هامش الحياة وقيد الأمل .

 

هذه المأساة لا تخص "أمـل" وأسرتها فقط ، بل هي نموذج لمعاناة شاملة يتجرعها قطاع واسع من اليمنيين منذ أن أدخلتنا جماعة الحوثي الانقلابية في بركة دماء لن تتوقف عن النزف حتى اليوم ، وتوشك عشرية من السنوات أن تكتمل ولازلنا نتجرع آلامها ومراراتها كل يوم ، ويبدو من سلوك هذه الجماعة أنها غير مستعدة بالمطلق لإنهاء هذا الوضع المأساوي الذي ترك أثره القاتل على مختلف جوانب الحياة ، ولم يسلم أي يمني في جهات الوطن من أذى هؤلاء الدمويون الذين استهانوا بالحرمات وتجاوزوا كل الأخلاق ناشرين في الوطن القتل والنهب والسلب والحصار والاختطاف .

 

عشرية دامية لن ينساها التاريخ ولن تتجاوزها الأجيال ، وستظل شاهدة على حقارة وجبن الانقلابين الحوثيين الذين أهدروا كل الفرص لاستعادة السلام الذي لا يجدون أنفسهم فيه ، ولا يجدونه محققاً لأطماعهم في التملك والسيطرة والإثراء ، وأمام مطامعهم هذه أهدروا كل الفرص ، وراحت هباء كل جولات الحوار ودعوات التصالح ، كما مارسوا الالتفاف والتنكر لكل التفاهمات التي وقّعوا عليها ليستمر نزف الدم اليمني خدمة لأطماعهم وأطماع مموليهم في طهران والنجف وجنوب لبنان ، وتحت رضى ومحاباة القوى الدولية الكبرى التي مارست وتمارس معهم سياسة المراضاة وتدعي أنها تقدم العصى والجزرة لكنها في الواقع تمدهم بالجزرة تلو الجزرة على طبق من ذهب .

 

طوال عشرة أعوام ظهر جلياً الوجه الدموي القبيح لهذه الجماعة المليشاوية ، وبدا واضحاً أن العشرية الدموية التي نغرق فيها اليوم لا مجال لإنهائها إلا باستكمال التحرير وإسقاط الانقلاب بأشخاصه وأدواته وآثاره ، والتحرك الجاد نحو استعادة الجمهورية وتفعيل مؤسسات الدولة وبسط نفوذها على مختلف جهات الوطن لتتمكن "أمـل" وأقرانها من العيش بكرامة ، وليحصلوا على خدمات التعليم والرعاية الصحية ، ويعود والد "أمـل" ليعيش معها ومع بقية أسرته ، ويسدل الستار على عشرية دامية أوقعونا بها الحالمون بعودة مجد الإمامة الكهنوتية التي قذف بها اليمنيون إلى مزبلة التأريخ .

 

دمتم سالمين ..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي