الرئيسية > محليات > المصور ريدان بهران يكتب شهادته على احداث مجزرة كنتاكي التي عاشها الثوار بين جولة الموت وجولة النصر

المصور ريدان بهران يكتب شهادته على احداث مجزرة كنتاكي التي عاشها الثوار بين جولة الموت وجولة النصر

يمن فويس- صنعاء :
الثامن عشر من سبتمبر..يوم لن ينساه اليمنيون أبدا.. قبل هذا اليوم كانت الحشود تتوافد من كل المدن إب وتعز وذمار وغيرها، يتوافد ثوارها إلى ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء من أجل الحسم الثوري وكانت ساحة التغيير تعج بعشرات الآلاف منهم.

يوم المسيرة الاثنين 18-9-2011م بدأ الشباب بالتجمع في جولة سيتي مارت بينما هناك تجمعات في أماكن أخرى على أساس أن تلتحم كل التجمعات سوياً في بعض المناطق.. كانت هناك ست نساء قد تقدمن الصفوف بينما كنا نطالبهن بالرجوع إذ كنا ندرك أن المسيرة خطيرة جداً وحاولنا منعهن من المشاركة وقلنا ستحدث اشتباكات لكنهن أبين إلا أن يشاركن ويئسنا من إقناعهن فقد كانت لديهن عزيمة وإصرار كبير على المشاركة.

بدا الشباب بترديد بعض الهتافات المنادية بالحرية والحسم الثوري وإسقاط النظام وغيرها من الهتافات الثورية حتى تجمعت الحشود.. تماسك الشباب بالأيدي مشكلين صفوف منتظمة وانطلقت المسيرة من شارع الزراعة جهة سيتي مارت ومررنا من أمام قوى الأمن التي قد ملأت التفرعات الجانبية لشارع الزراعة بأفرادها المسلحين ومدرعاتها حتى لا تحيد المسيرة عن اتجاهها وتدخل من إي شارع لم يستعدوا بجنودهم فيه، كان قتلتهم هناك.. ينتظروننا في المنطقة ما بين القاع وجولة الكهرباء. وكان الشباب أثناء مرورهم من كل تفرع فيه رجال أمن يوالون نظام علي صالح يقومون بتحيتهم ويهتفون ( الشعب والجيش يد واحدة) ومرت المسيرة من شارع الزراعة كاملا وقامت بتنظيفه من كل صور المخلوع علي صالح ووصلنا المنطقة ما بين القاع وجولة الكهرباء حيث اعترضتنا قوات الأمن.. وكان هناك قناصة نرى رؤوسهم بين حينه وأخرى فوق مبنى الكهرباء، وهناك أيضاً مدرعات ومصفحات والكثير من أفراد الأمن المسلحين بأسلحة خفيفة وثقيلة.. رددنا الهتافات أمامهم رافعين أعلام اليمن كنا نريد أن نؤكد لهم بذلك أن اليمن أغلى من الولاءات لكن بالرغم من براءة الشباب وسلميتهم وشعاراتهم الوطنية بدأ الهجوم والاعتداء من المصفحة برش الماء فتراجعت بعض الحشود وبقى بعضها يقاوم، ثم بدأ إطلاق الرصاص من مبنى الكهرباء ومن أماكن أخرى لا استطيع تحديدها بسبب كثافة الرصاص حيث نسمعه كأنه من كل جهة..

تراجع الكثير من الشباب بسبب ضيق المكان وبسبب رائحة الغاز الخانقة.. حاولت التصوير من تلك المنطقة لكن لم استطع لان عيناي التهبت بسبب الغاز، وتقدمت قليلا متجاوزا القاع ورأيت الشباب بكل بسالة تحت مبنى الكهرباء يرمون المبنى بأشياء حارقة والمبنى يحترق رويدا رويدا ومع ذلك صوت الرصاص لم يتوقف، وشاهدت اللافتات تسقط والشباب يسقطون ما بين شهيد وجريح، احدهم كان قد فقد رأسه وكان أول من صورته من الشهداء فكنت أعود إلى القاع لكن الشباب يتساقط فالحق بهم لأصور وأوثق الجرائم فيديو وهكذا أعود وأصور وأعود وأصور والقتل لا يتوقف.. وتم إحراق مبنى الكهرباء من قبل بعض الشباب بسبب وجود قناصة ولو لم يفعلوا ذلك لظل القناصة مستمرون في القتل وربما كان عدد الشهداء أضعاف مضاعفة لولا شجاعة أولئك الشباب.

بالرغم أني خرجت في مجازر كثيرة لكن هذه المجزرة كانت مختلفة حيث كانت الأسلحة ثقيلة ومناظر الجرحى بشعة، أرجل مقطوعة..أو رؤوس تحولت إلى أشلاء وغيرها ومع كل هذا القنص والبشاعة في القتل تجاوز الكثير من الشباب القاع بينما عاد الكثير..

بعد ذلك انتقلنا إلى ما قبل جولة كنتاكي سابقا حيث كنا على موعد مع مجزرة أخرى بشعة.

سجد الكثير الشباب قبل التقدم..وبدأ البعض يلف وجهه بالشال أو يتغطى بالكمامة استعداداً للتقدم مهما كان ما سيحصل.. قبل التقدم كان احدهم ينادي من مايكروفون السيارة المرافقة لشباب الثورة ليرسل رسالة إلى جنود الأمن والقناصة في جولة كنتاكي ويقول: (نحن أخوانكم..نحن أبناءكم لا تؤذونا.. سنتقدم بمسيرة سلمية والله لن نتراجع مهما حدث )..وكثير من الكلمات التي يرق لها الحجر.. لكنها لم تحرك في ضمائرهم الميتة شيئا..

كنت أظن عندما سمعت هذا الكلام (وبرغم حصول مجزرة بشعه في القاع) أنهم لا يمكن ان يقتلونا وأنهم بدلا من ذلك سيصافحوننا وغيرها من الأحلام التي كانت تراودني..

سجد الشباب قبل التقدم..ثم بدؤوا في التقدم لكن عندما اقتربوا في اتجاه كنتاكي، إذا بسيل من الرصاص يتساقط على الشباب وشهداء يسقطون هنا وشهداء هناك فنسعف احدهم ولا نعود إلا وقد سقط أخر ويحتاج للإسعاف، وهكذا تراجعنا قليلاً إلى جولة الكهرباء..

جاء وقت المغرب فقلنا لا ولن نتراجع قبل تجاوز المنطقة المحرمة (جولة كنتاكي) وقام أحدهم وآذن للصلاة وصلينا تحت أعين القناصة وأصوات رصاص لا نبالي بها، كنا نشعر إن الحياة رخيصة جداً بعد سقوط عشرات الشهداء أمام أعيننا.. صلينا المغرب وجمعنا العشاء وجلسنا ندعو الله في صلاه المغرب وكان الكثير يبكي تأثرا ويدعو الله أن ينتقم من الظالمين والقتلة..

فجأة وبينما نحن صامدون هناك رافضين الرجوع قبل تجاوز المنطقة ( وكان الوقت ليلا ولا نرى إلا أضواء المصفحات بالجولة باتجاهنا) إذا برصاص يأتي من جهة الزبيري إلى عمارة لا اله إلا الله التي كانت أحدى ملاجئ القناصة عديمي الرحمة والضمير.. وفجأة تنطفئ كل الأضواء ونسمع رصاص كثيف وعشوائي يمر من فوق رؤوسنا، وهرب رجال الأمن وتقدم الشباب مع أفراد الفرقة التي حضرت لتنقذ الشباب من الموت وتم حصار البلاطجة أمام وزارة الأشغال والطرق، وكانت ليله عصيبة كلها رصاص، تم تقدم الشباب إلى تحت الجسر وخيموا هناك بخيامهم بالرغم من الرصاص والاشتباكات التي لم تتوقف حتى الصباح.

ظل الشباب هناك في منطقة خطيرة، فحتى اليوم التالي كانت تأتيهم قذائف إلى تحت الجسر من المعسكر المجاور بالزبيري فبعضهم من فقد نصف جسمه وبعضهم من طار رأسه ومجازر تندى لها الجبين لم يفعلها اليهود في فلسطين ولن يفعلوها كما فعلها اليمنيون الموالون لعلي صالح بإخوانهم وأبناءهم من خيرة شباب اليمن الذين لم يحملون إي سلاح.

هذا ما عايشته ذلك اليوم وما بعده وكان أسوأ يوم وأبشع يوم عشته في حياتي ولم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن أرى هذا الخبث والإجرام وان هناك بشر قادرون على فعل ذلك..

وللأسف لم يحاكم احد من القتلة حتى الآن بل ولديهم حصانه في الدنيا لن ينالوها إن شاء الله في الآخرة. رحم الله الشهداء الأبرار الطيبين.. وأننا على دربهم ماضون.. النصر أو الشهادة

عن الاهالي 


الحجر الصحفي في زمن الحوثي