الرئيسية > محليات > مشاهدات من حفل الإفراج في جعار: أنصار الشريعة هددوا بإعدام الأسرى ثم منحوهم من (مال المسلمين)

مشاهدات من حفل الإفراج في جعار: أنصار الشريعة هددوا بإعدام الأسرى ثم منحوهم من (مال المسلمين)

 

يمن فويس - موسى النمراني :

في مسرحية "منمنمات تاريخية" لسعد الله ونوس يبدو أمير قلعة دمشق ومن معه من المقاتلين في حالة استبسال يقول "إني أتحصن في هذه القلعة، وأكابد هذا الحصار، لا لكي أرضي سلطاناً أو أحمي إمارة، إني هنا كي لا يقال في قادم الأيام اجتاح تيمورلنك هذه البلاد ولم يوجد من يقاوم"

 وقعت في يدي هذه العبارة بينما احاول الاستراحة بعد كتابة هذه المادة وقررت قراءة كتاب عنوانه "نيجاتيف" وهو رواية توثيقية من ذاكرة المعتقلات السياسيات.

 وقعت في يدي هذه العبارة بينما احاول الاستراحة بعد كتابة هذه المادة وقررت قراءة كتاب عنوانه "نيجاتيف" وهو رواية توثيقية من ذاكرة المعتقلات السياسيات.

نستطيع الانتصار الان ولكننا نقاتل حتى لا يقال في قادم الأيام تغولت أمريكا ولم تجد من يقف في طريقها" ومثل هذه العبارة وجدتها في كتاب إدارة التوحش الدليل النظري لتنظيم القاعدة حيث يقول الكاتب وهو يسأل من يصفهم بالفارين من تنفيذ الأوامر الشرعية وترك ما يعتقده فريضة الجهاد للجيل القادم يسأل : أين النماذج البشرية الحية التي سيتخذها هؤلاء الأبناء قدوة ؟

من صوت الضبع إلى وقار

بنيت مدينة جعار في الثلاثينات من القرن الماضي إبان الاحتلال البريطاني وكانت المدينة المجاورة لأول محلج للقطن حيث يتم توريد القطن إليه من المزارع المجاورة، وكونت الدولة لجنة أهليه كانت تسمى لجنة دلتا أبين ومقر إدارتها في جبل خنفر، لكن اللجنة لم يعد لها شيء سوى تأريخها حيث انتقلت أصولها بعد الوحدة إلى شركة ألماز التي يمتلكها يحيى محمد عبد الله صالح ومقر إدارتها في صنعاء، وكانت جعار هي آخر عواصم السلطنة اليافعية.

 ويمكن اعتبار عدن ولحج وأبين منطقة واحدة من حيث القرب والتداخل السكاني غير أننا في طريقنا من عدن إلى منطقة جعار مررنا من طريق متعرج استمر سفرنا فيه أكثر من أربع ساعات وهو طريق بديل بعد أن قام الجيش بإغلاق الطريق الرسمي الذي لم يكن يأخذ من وقت المسافر أكثر من ساعة وكانت منطقة أحراش يتكاثر فيها الضباع وسميت المنطقة بإسم "جُعار" وهي تسمية مشتقة من اسم الضبع أو إسم صوته، غير أن تنظيم أنصار الشريعة أصبح يطلق عليها إسم "وقار" وسكانها في الأغلب خليط من مناطق متعددة لا تجمعهم أي رابطة عصبية.

 معاناة الأهالي

 الطريق الترابية والمتعرجة المتاحة بين مدينتي عدن وجعار هي أقرب وسيلة للاستدلال على مدى عبث الحرب بحياة المواطنين البسطاء، إنها حرب فوق رؤوسهم تدمر فيها حياتهم دون أن يكون لهم مكسب من فوز أيا من طرفي هذه الحرب، أيا كان المنتصر فإن الأسر النازحة والبيوت المدمرة والمدارس المعطلة والمستشفى المقصوف والطريق الملغمة هي من دفعت فاتورة هذه الحرب.

 الطريق المتاح متعرج ويمر من مجاري سيول وادي بنا ويمكن أن يتسبب بحدوث كوارث مفجعة في حال سقطت القليل من الأمطار على منابع الوادي، ليس هذا فحسب بل إنه طريق نهاري يفتح في ساعة محددة ويغلق في ساعة محددة كما لو كان بابا كبيرا أحد مصراعيه الجيش المنهك والمشبع بالتجارب يحاول الاستيقاظ ، والآخر التنظيم الفتي الطامح لحكم العالم ابتداء من تأمين كيلو مترات معدودة، وكلا من طموح التنظيم وسهر الجيش لا يضعان حسابا كبيرا لحقوق المدنيين مقارنة بظروف الحرب التي يخوضونها.

 لا أمان للجندي

 عند آخر نقطة تفتيش تابعة للجيش طلب جندي بطائقنا الشخصية وكان إلى جوارنا باص ينقل شبابا من قافلة الحرية بطاقة أحدهم مسجل عليها مكان الميلاد السعودية .. نظر إليها الجندي ثم نظر إلى صاحبها وقال له : ليش تأخرت؟ أصحابك هنا من زمان. يقصد مقاتلي تنظيم القاعدة القادمين من السعودية التي يرفض أنصار الشريعة هذا الإسم ويسمونها بلاد الحرمين.. سأله الشاب كم المسافة بيننا وبين المدينة؟ فرد عليه الجندي : أنتم أخبر.!

ذهب الجندي ببطائقنا إلى ضابط يقف على مقربة منا .. رآها على عجل ثم أمره بإعادتها إلينا فأعادها وهو يدعو لنا بالتوفيق والسلامة.

الجنود يشعرون بالريبة من كل شيء، نجوا من حفلات القتل التي تعرض لها زملاؤهم في عمليات هجومية لأنصار الشريعة، لكنهم ليسوا في أمان، قال لي جندي وهو يتحدث عن أنصار الشريعة : هؤلاء ليسوا بشرا .. هم من الجن .. لابد أن الله أرسلهم كعقاب علينا.

يمسك الجنود بنادقهم بخزينة ذخيرة واحدة أو اثنتان في أفضل الأحوال، وفي النقاط يقف اثنان أو ثلاثة بينما يلجأ الآخرون لظلال أشجار متفرقة بجانب النقاط العسكرية أو يستندون لجدران قصيرة بينما يمضغون القات بدون مواعيد محددة .

 في دولة أخرى

 غادرنا المنطقة التي تسيطر عليها السلطات الرسمية لدولة الجمهورية اليمنية وفي الساعة العاشرة صباحا من يوم السبت28/ابريل2012م دخلنا إلى منطقة تتبع التنظيم العالمي للقاعدة ويديرها تنظيم قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية عن طريق مسمى جديد أطلق عليه تسمية تنظيم "أنصار الشريعة" وهو تعبير عن حالة انتقال للعمل "الجهادي" من مرحلة "الجهاد النخبوي" إلى مرحلة "الجهاد الشعبي" وتدار هذه المنطقة وفق نظرية "إدارة التوحش" والتوحش هو الحالة الفوضوية التي تعقب سقوط الأنظمة أو تتزامن مع ضعفها وارتخاء قبضة سيطرتها على الأطراف والمناطق الهامشية بحيث تتحول هذه المناطق الطرفية والهامشية إلى مناطق مركزية تدار بجهاز عسكري نصف إداري، يطبق الشريعة الإسلامية من وجهة نظر القائمين عليها.

 هنا تغلق الأسواق وقت الصلاة وتعمل دورية عسكرية على توجيه الناس نحو أقرب مسجد، ويعاقب من يرفض الصلاة أو يفتح دكانه في وقت الصلاة بالحبس لأقل من يوم مع منحه كتبا ومواد صوتية ونصائح عن أهمية الصلاة وقدسيتها وارتباطها بالإسلام وجودا وعدما، ومنح صفة الإسلام أو منعها هنا ليس بالأمر الهين حيث يترتب عليها الاعتراف بحقك في الحياة أو اعتقاد عدم استحقاقك لها وبالتالي فالأصل أن تموت مالم يكن هناك سبب آخر يؤجل ذلك .

 في الطريق الترابي المتعرج تقابلك نقطة عسكرية تابعة لتنظيم أنصار الشريعة، سألت أحدهم هل أنتم من أنصار الشريعة أم من تنظيم القاعدة فقال لي كلنا مجاهدين وأنا وأنت كلنا أنصار شريعة ثم استطرد سائلا أليس كل مسلم يجب أن يناصر شريعة الإسلام؟ ولم ينتظر الإجابة بل بنى عليها سؤالا آخر وهو : ألسنا كلنا مسلمين؟

 قال لنا الشاب أنصار الشريعة أوصلوا الكهرباء، وأوقفوا الضرائب التي كانت الحكومة تأخذها بالباطل من أصحاب المحلات، وصيادي الأسماك، ونفذوا حملات نظافة للشوارع، نحن شباب من كل مكان في الأرض يطاردنا الطواغيت في كل مكان لكن الله جمعنا إلى هنا لتطبيق شريعته.

 شباب تنظيم أنصار الشريعة على مستوى جيد من الفهم لما يهمهم من أمور الدين حيث يتلقون دورات في العلوم الشرعية قبل أن يتم توزيعهم على مايسمى بالجبهات، وقبل حصولهم على هذه الدورة هم في الأصل شباب ملتزمين لا يخلو أحدهم من ماضي تعلم فيه علوم دينية وشرعية ولذلك يتحدثون لغة مليئة بالمفردات العربية الفصحى ولأنهم من خلفيات سلفية فلديهم قدرات فائقة في الجدال والمناظرة ، وعلاوة على ذلك فالانتصارات الأخيرة التي يحققونها منذ العام الماضي تولد لديهم الكثير من الأمل بقرب "مرحلة التمكين" والخلاص من حكم وعبادة "الطواغيت"

 عند النقطة الأولى قابلنا رجل تبين لهجته أنه ليس من اليمن، نصف ملثم ولديه جهاز إرسال واستقبال يدوي، سألنا عن هويتنا ثم طلب منا الإنتظار وأبلغ شخصا في الطرف الآخر بوجودنا ، ومباشرة أشر لنا بالسماح بالدخول وأمام هذه النقطة كانت دبابة تتمركز على سفح هضبة يحيط بها شباب مسلحون ملثمون في حالة تأهب بأسلحة متنوعة.

 كان هذا الشخص ربما هو الأجنبي الوحيد ممن قابلناهم في الإمارة الإسلامية الصغيرة حيث كان كل من قابلناهم بعد ذلك يمنيين أو ملثمين بحيث لا تتبين ملامحهم.

 مهرجان الوفود

 عندما وصلنا إلى المدينة بدأت الوفود القبلية باستعراض في شارع رئيسي حتى وصلت إلى مكان قريب من المسجد الجامع، كان عليها مسلحون مختلطون بمسلحي أنصار الشريعة بحيث لم أتمكن من التفريق بينهما، وقبل وصول الموكب إلى المسجد كان انصار الشريعة قد قرروا الاستماع إلى كلمات ممثلي الوفود في الشارع بواسطة ميكرفون يدوي، غير أن توجيها جاء متأخرا قليلا لنقل الناس إلى الجامع للتخفيف من وطأة الشمس قال رجل يمني له لحية شقراء وعينان زرقاوان : أيها الإخوة سوف ننتقل إلى المسجد الجامع لاستقبال الوفود وسماع كلماتهم، وفي الأثناء كانت سيارات تابعة للتنظيم عليها مكرفونات تتجول في أنحاء متفرقة من المدينة وتعلن عن مهرجان استقبال الوفود داعية السكان المحليين لحضور المهرجان.

 سيارات في خط طويل تحمل الكثير من المسلحين بعضهم بوجه مكشوف وآخرون ملثمون موزعون عليها بغير ترتيب يحملون أسلحة متنوعة مابين البنادق العادية إلى مضاد الطيران والآر بي جي، ومصورون موزعون على كل مكان في الشارع وعلى السيارات وفي نوافذ بعض البيوت المطلة على الشارع الرئيسي وفي بعض الأسطح المطلة على الساحة التي اختيرت لتتوقف عندها مسيرة استعراض السيارات وتبدأ المسيرة مشيا على الأقدام إلى المسجد الجامع.

 ولم ندخل إلى الجامع إلا وقد امتلأ بشباب من أنصار الشريعة وآخرون من وفود القبائل أو من السكان المحليين وأمام المنبر كان صف من الكراسي البلاستيكية وحركة دؤوبة ومرتبكة لشباب من سكان المنطقة وضعوا على صدورهم بطائق "لجنة الاستقبال، لجنة الخدمات" وكانوا قد حرصوا على ترك منطقة فارغة بين المنبر وبين الحضور لكنها سرعان ما امتلأت بالمصورين والوجاهات التي وصلت متأخرة قليلا.

 تحدث في المسجد رجال بأسماء قبائل وآخرون من العلماء وآخرون من نشطاء حقوق الإنسان ودارت كل الكلمات حول مطلب واحد وهو الإفراج عن الجنود الأسرى، باستثناء كلمة الشيخ عوض بانجار، فقد دارت حول تحكيم الشريعة وفضل الجهاد ثم ختم المهرجان – كما أسموه- بكلمة لأحد قيادات أنصار الشريعة طالب فيها المجتمع بنصح أبناء المسلمين من الجيش أن يكفوا أيديهم عن المجاهدين "الذين لا عدو لهم سوى الطواغيت ومن يقف إلى صفهم" ثم تحدث عن الأسرى وكيف أنهم أسروهم في معركة ولم يخطفوهم من منازلهم أو مساجدهم، صمت الرجل قليلا ثم كرر ترحيبه بالحاضرين .. أهلا وسهلا بكم حللتم بين إخوانكم وأبشروا وأملوا في مطلبكم فلن تجدوا منا إلا مايفرح قلوبكم ، لقد رفعنا الأمر إلى أميرنا أبي بصير ناصر الوحيشي حفظه الله ، ولن يكون إلا مايسركم وندعوكم إلى الاجتماع هنا بعد صلاة العصر.

وبعد خمسة فروض كان الأسرى من أبناء الجيش أحرارا يعانقون أهاليهم في مقدمة المسجد، في أيديهم مظاريف حصلوا عليها من أنصار الشريعة فيها مبالغ مالية تمكنهم من العودة لبلادهم، بقي بعضهم حتى تأدية الفرض السادس بينما طار الشوق بالبعض الآخر ليصلي في الطريق إلى حيث تبسط الحكومة الضعيفة سيطرتها بواسطة جنود آخرين لا تأبه لمصيرهم.

المصدر.. صحيفة الصحوة .


الحجر الصحفي في زمن الحوثي