الرئيسية > عربية ودولية > الساحل الأفريقي.. "اختراق ناعم" لروسيا والصين

الساحل الأفريقي.. "اختراق ناعم" لروسيا والصين

" class="main-news-image img

تبنّت روسيا والصين نهجًا آخرَ يجذب دولا في أفريقيا، لا سيما في منطقة الساحل الأفريقي، بدلًا من سياسة الإرغام العسكري، ضمن مساعي بسط النفوذ وتوسيعه عبر "القوة الناعمة" التي أثبتت أن أسلوب تجسيد المشاريع الثقافية ومساعدات الحبوب والأسمدة وتأثير الإعلام أقصر الطرق لكسب ود الشارع الناقم على فرنسا والغرب عمومًا.

 

وقبل سنتين توصل معهد استطلاعات رأي في غانا "أفرو باروميتر"، لدى إجراء قياس للرأي العام حول مشاركة الصينيين في 18 دولة أفريقية لتغيّر التصورات عن الصين للأفضل في بعض البلدان في الساحل الأفريقي، بعدما انخرطت كل من بكين وموسكو في تعميق التعاون الدفاعي في المنطقة الجغرافية الشاسعة المتألفة من موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

 

 

وباعتبار "فاغنر" شبه العسكرية، أبرز علامة رئيسة للوجود الروسي في أفريقيا والذراع القوية للكرملين التي لا غنى عنها كلفت منصة المرتزقة المثيرة للجدل، بمهام أخرى بنشر الأخبار الكاذبة، ووفقًا للباحثين في مجموعة "كل العيون على فاغنر"، فإنها تستخدم طرقًا عديدة، مثل "تمويل وسائل الإعلام والصحافيين الأفارقة، أو رعاية المحتوى الإعلاني على الشبكات الاجتماعية، والتحشيد على الإنترنت".

 

وما يعكس ذلك ارتفاع في آب/ أغسطس 2023 نسبة الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بشركة يفغيني بريغوجين المقتول للضغط من خلال تنظيم حملة تضليل، منها ترويجها لوصول مجموعة من المقاتلين إلى باماكو عاصمة مالي للانضمام إلى النيجر، وهو خبر غير صحيح، حسب مجموعة "كل العيون على فاغنر"، التي تشير إلى أنه تم تنسيق هذه العملية الدعائية لـ"فاغنر" من مالي.

 

وتوظف موسكو الخطاب المعادي للوجود الفرنسي والغربي في شوارع الساحل لتغذيته عبر حرب إعلامية موجودة منذ سنوات، ففي جمهورية أفريقيا الوسطى، تمتلك "فاغنر" محطات إذاعية عدة، تشكل عنصرًا مهمًّا للحصول على المعلومات في أفريقيا، يقابله طرد مالي وبوركينافاسو لقنوات وإذاعات فرنسية كان لها حضور إعلامي منذ عقود.

 

 

النهج الهجين

ويسمّي الباحث الجزائري وأستاذ الإعلام بجامعة الجزائر سعدود معمر، هذه الإستراتيجية الروسية أو الصينية بـ"النهج الهجين" الذي يعتمد على إظهار موسكو بمظهر الرحيم بدول الساحل كما ساعد الأفارقة خلال حقبة الاتحاد السوفيتي في نيل الاستقلال عبر دعمهم دبلوماسيًّا وعسكريًّا، عكس الغرب المستنزف للثروات الطبيعية.

 

وقال سعدود لـ"ارم نيوز"، إن الروس يستخدمون الفجوة الغذائية والفقر للتسلل عبر توفير الحبوب والأسمدة في شكل مجاني ومنح أو بيعه بشروط رمزية، مشيرًا إلى تزويد بلدين وهما مالي وبوركينافاسو بأطنان من الحبوب الروسية قبل أسابيع، رغم العقوبات الأمريكية والأوروبية على الكرملين لعرقلة تنفيذ صفقات بيع وتوزيع الغذاء، وهو ما ركز عليه الإعلام الروسي والأفريقي بفضح أساليب الغرب لتجويع سكان القارة وفق تعبيره.  

 

في المقابل تعكف روسيا على تكوين كوادر أفريقية من خلال توسيع المنح الدراسية لأبناء القارة، إذ بلغت عام 2022، نحو 34 ألف طالب استفادت منها خصوصا الكاميرون وتشاد مركزة على ضرورة أن يدرس معظم الطلاب من أفريقيا باللغة الروسية، لتعلمها وخلق جيل من المتخصصين القادرين على التحدث بها.

 

كما سجل توقيع أكثر من 70 اتفاقية بشأن الاعتراف المتبادل بالدبلومات والدرجات العلمية بين روسيا والدول الأفريقية، إلى جانب عقد عدة مهرجانات سنوية، للثقافة والسينما، بين الجانبين، بجانب توفير الحماية الشخصية لكبار المسؤولين في دول القارة وتوفير ملاذ آمن لأموالهم وأسرهم.

 

 

مبادرة الحزام والطريق الصينية

وعلى خطى روسيا يعتمد نموذج "التنين الصيني" على مشاريع البنية التحتية مقابل الديون ثم الاستحواذ على مرافق حيوية لسدادها مستفيدة من مبادرة الحزام والطريق، ووسطها تعمل منصات ثقافية واجتماعية أخرى لترسيخ الوجود.

 

وأطلقت بكين في عام 2000، مبادرة منتدى التعاون الصيني الأفريقي والتي تعد فضاءً شاملًا لهيكلة الجهود الصينية في القارة الأفريقية، وبناء عليه تم تدشين العديد من الآليات المرتبطة بالمنتدى مثل تعاون الشعب الصيني والشعوب الأفريقية ومنتدى القيادات الشبابية الصيني الأفريقي، ومنتدى وزراء الصحة الصيني الأفريقي، ومنتدى مكافحة الفقر والتنمية، والمنتدى القانوني، ومنتدى مراكز الفكر وغيرها من الآليات الفرعية.

 

 وفي السياق، تحدث المحلل السياسي المالي أداما بكازونغو عن المساعدات الإنسانية والمشروعات التنموية التي تتغلغل بها بكين إلى بلاده، منها تنفيذ مراكز للصحة والاهتمام بالبيئة والاهتمام بقضايا التنمية الإنسانية، خصوصًا في المناطق التي تشهد توترات أمنية متصاعدة، وهي كلها ترتيبات تهدف للحصول على حصتها من تجسيد المنشآت الفنية الكبرى. 

 

وأضاف المحلل المالي لـ"ارم نيوز"، أن بكين وموسكو نقلا صراعهما مع الغرب حول المناطق الغنية بالموارد النفطية والثروات إلى مجلس الأمن الدولي بصفتهما يملكان حق النقض، لذلك يستغلان هذا المنبر لتوجيه سهام الانتقادات لدور فرنسا وأمريكا، لتسببهما فيما وصلت إليه منطقة الساحل من تدهور في مختلف المجالات بفعل تدخلهما في شؤون تلك الدول.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي