الإمامة الزيدية والصراعات السياسية

فؤاد مسعد
السبت ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٢ الساعة ١٢:٢٣ صباحاً

 

لا يمكن الحديث عن الصراع السياسي في اليمن دون ذكر موضوع الإمامة في المذهب الزيدي، (نسبةً إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب)، ذلك أن تاريخاً طويلاً من الصراع ارتبط بالفكرة وتطبيقاتها من قبل أئمة المذهب الزيدي، منذ قدم إلى اليمن مؤسس دولة الأئمة (الزيدية) يحيى بن الحسين•، الملقب بالإمام الهادي، أواخر القرن الثالث الهجري/ أواخر القرن التاسع الميلادي، ونظراً للتأثير الذي أحدثه الهادي وفكره في المذهب بات الأخير يوصف بـ(الزيدي الهادوي).

ومع ما عـُرف به المذهب الزيدي من تسامح واعتدال، مقارنةً بكثير من فرق الشيعة المعروفة بالتشدد تجاه مخالفيها، فإنّ ارتباط سلطة أئمة الزيدية بالصراعات المستمرة على السلطة، وتأثير الفرقة الجارودية•، والفكر الهادوي في منتسبي المذهب الزيدي، جعل اليمن تعيش في حروب متواصلة، ومن أبرز أفكار الهادي الربط بين النبوة والإمامة، إذ يجعل الاعتراف بإمامة (علي بن أبي طالب) جزءاً من الاعتراف بنبوة محمد (عليه الصلاة والسلام)، مخالفاً بذلك رأي الإمام (زيد) مؤسس المذهب الزيدي، ويبدو الهادي أقرب إلى الشيعة الإمامية، والفرقة الجارودية، خاصة في الاعتقاد أن (علياً) أحق الناس بخلافة النبي، وأن إمامة علي ومن بعده الحسن والحسين ثبتت بالنص، وقد طغت آراء الجارودية على ما سواها من آراء لدى الزيدية في اليمن، إلى الحد الذي جعل العلّامة والمؤرخ اليمني (نشوان الحميري)، يجزم أنه "ليس باليمن من فرق الزيدية غير الجارودية" .

ولم يـُـتحْ لليمن العيش بهدوء واستقرار إلا في فترات زمنية قليلة، ذلك أن نظام الإمامة الذي حصر حق الحكم في أبناء الحسن والحسين (البطنين) ، جعل لكل من توافرت فيه شروط الانتماء للبطنين، أن يعلن نفسه إماماً على البلاد، ويحدث أن يدّعي الإمامة أشخاصٌ كثيرون في وقت واحد، فيظهر إمامٌ في صنعاء، وآخر في شهارة، وثالث في جبلة .

وقد برز الصراع الداخلي في إطار الأسر التي تتنازع الحكم، وتنتمي في الغالب إلى الإمام الهادي نسباً ومذهباً وفكرة، ومن تلك الصراعات الداخلية ما حدث بين بيت الهادي وبيت العياني•، وحدث أن تقاتل الآباء والأبناء، كما هو الحال في الحرب بين الإمام المتوكل يحيى شرف الدين وابنه المطهر، في خمسينيات القرن السادس عشر الميلادي، وتقاتل الإخوة فيما بينهم كما حدث بين الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين مع إخوته عبدالله والعباس في خمسينيات القرن الماضي.

يقول المؤرخ اليمني حسين العمري في كتابه (تاريخ اليمن الحديث والمعاصر): أصبح الصراع تقليدا دمغ الحياة السياسية والاجتماعية في اليمن بميسم الانقسام والاقتتال بين الطامحين والمتصارعين من أئمة البيت الحاكم، حتى أرهق المجتمع وفقدت الدولة المركزية السيطرة وانجرفت البلاد إلى سنوات طويلة من الفوضى .

الصراع الدموي الذي بات ملازماً لدولة الأئمة، منذ تأسست في العام (284هـ/897م) حتى انتهت في العام (1382هـ/1962م)، أخذ أشكالاً مختلفة منها:

- الصراع مع المعارضة والمقاومة المحلية من القيادات القبلية مثل آل الضحاك وآل الدعام وآل الطريف، وغيرها.

- الصراع مع الدول اليمنية التي قامت في مناطق مختلفة من اليمن، الصليحية (1047-1138)، والحاتمية (1099-1173)، والرسولية (1229-1454)، والطاهرية (1454-1517)، وغيرها.

- الصراع مع الدول التي امتد نفوذها إلى اليمن مثل الأيوبيين (1173-1229)، والمماليك (1517- 1538)، والعثمانيين في الفترة الأولى (1538-1635)، وفي الفترة الثانية (1872-1918). كما خاضت الدولة الزيدية حرباً ضروسا ضد الإسماعيلية (903- 947)، ومع أن الفرقتين الزيدية والإسماعيلية تتبعان المذهب الشيعي، إلا أن الدولة الهادوية (الزيدية) في عهد الإمام الناصر بن الهادي، تحالفت مع الدولة الزيادية (818-1012) بزعامة محمد بن زياد، ودولة بني يعفر (839-1003) بزعامة أسعد بن أبي يعفر الحوالي، من أجل القضاء على الدولة الإسماعيلية . وإذا غاب الصراع مع الآخرين يبرز الصراع الداخلي ، فما إن يموت إمامٌ حتى يبدأ المتنافسون دعوة القبائل لحمل السلاح والقتال، ويحرضونهم على الفتك بمنافسيهم ويبشّرونهم بالجنة، ويدفعون القبائل لقتال بعضها البعض باسم الله واسم كتاب الله وأبناء رسول الله .

وظلّ استخدام الدين في الصراع السياسي ملمحاً بارزاً في فكر الإمامة الزيدية وخطابها، من ذلك أن الإمام الهادي، عندما أسّس دولته في صعدة (شمال اليمن)، معتمداً على أقاربه وأتباعه الذين جاؤوا من طبرستان، وجعل منهم الولاة والحراس والمقاتلين دون اليمنيين، أطلق عليهم اسم (المهاجرين) ، في تشبيهٍ واضح بأصحاب الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام)، الذين خرجوا من مكة إلى المدينة المنورة بداية القرن السابع الميلادي، وسمّاهم الرسول (المهاجرين)، كما أن الإمام أحمد عندما تمكن من إسقاط ثورة 1948، وقام باعتقال خصومه، كان يُخرج المعتقلين أثناء المناسبات والأعياد الدينية، وبعد صلاة الجمعة، ويأمر بإعدامهم أمام الناس، وأنصاره كانوا يردّدون مع كل رأس يسقط: الله أكبر، الله يحفظ الإمام ، وفي الحرب الراهنة يطلق الحوثيون على أعضاء حركتهم اسم (أنصار الله)، كما يسمون حربهم للسيطرة على المحافظات والمؤسسات الحكومية (المسيرة القرآنية).

مراجع

 الزيدية هم طائفة دينية إسلامية، وهي أقدم الفرق التي عـُدت من الشيعة، وإن كانت الزيدية بعد الإمام زيد تنوعت فِرَقــُها وتكاثرت إلا أنها كلها تــُــــنسب إلى الزيدية رغم بعدها وافتراقها عن أصول الزيدية، مع تأكيد مؤرخين وباحثين مختصين أن زيد بن علي لم لكن له مذهب خاص به، لا مذهب فكري ولا مذهب فقهي، بل لديه اجتهادات فقهية، ورؤية في الإمامة لا تتفق مع رؤية الشيعة التي ظهرت في القرون التالية، ويأتي الانتساب إلى الزيدية من كون تلك الفرق تؤمن بإمامة زيد بينما بقية فرق الشيعة لا يرون ولا يعتقدون بإمامته، لأنهم وجدوه لا يعتقد ما يعتقدونه من (الوصية) و(الرجعة) و(عصمة الأئمة). وكان لها وجود في نجد وشمال أفريقيا وحول بحر قزوين، أما الهادوية فهي نسبة إلى الإمام الهادي يحيى بن الحسين، وهي تسمية خاصة بالفرع الوحيد المتبقي داخل الزيدية وهو الموجود في اليمن.

للمزيد ينظر: عبدالرحمن عبدالواحد الشجاع، تاريخ اليمن في الإسلام في القرون الأربعة الهجرية الأولى، ط8، (دار النشر غير معروفة، 2013)، ص130.

• يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب (859-911م)، حكم الاجزاء الشمالية من اليمن في الفترة (897-911م)، وهو مؤسس الزيدية في اليمن، وما عرف بالدولة الهادوية.

• إحدى فرق الزيدية، وتنسب إلى أبي الجارود زياد بن المنذر العبدي، ترى أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، نص على إمامة علي، وابنيه الحسن والحسين من بعده، ثم إن الإمامة بعد ذلك شورى بين الأفاضل من ولد الحسن والحسين، يستحقها من شَهَـر سيفه، وتطرّف الجارودية في آرائهم وخرجوا عن آراء الإمام زيد مع أنهم يعترفون بإمامته.

 نشوان الحميري: قاض، سياسي، لغوي، مؤرخ وأديب، اقترب في فكره من فكر المعتزلة وكتب في الدين واللغة وتاريخ ملوك حمير، اشتهر بفخره بيمنيته، وإنكاره على حكام عصره حصر الإمامة في البطنين أو في قريش والرد عليها وله في ذلك الكثير من النقاشات مع الأئمة الزيديين في عهده. (لا يعرف على وجه الدقة تاريخ مولده لكن أغلب المراجع ترجح أنه ولد في أواخر القرن الخامس الهجري/ القرن الحادي عشر الميلادي، أما وفاته فكانت في العام 573 هـ الموافق 1178م).

حسن خضيري أحمد، قيام الدولة الزيدية في اليمن، ط1، (القاهرة: مكتبة مدبولي 1996)، ص133.

علي محمد زيد، معتزلة اليمن دولة الهادي وفكره، ط1 (بيروت: دار العودة، 1981)، ص37.

محسن العيني، معارك ومؤامرات ضد قضية اليمن، ط1 (القاهرة: دار الشروق، 1999)، ص80.

• كان ذلك أواخر القرن الرابع الهجري/ القرن العاشر الميلادي، عندما خاض القاسم العياني الحرب ضد الإمام الداعي يوسف بن يحيى أحد أحفاد الهادي المؤسس، واستطاع العياني أن يكسب الحرب لصالحه ويسيطر على السلطة والإمامة بعدما دمر صعدة معقل الإمام الداعي، وكلاهما ينتميان إلى بيت الرسي.

 أحمد بن يحيى حميد الدين (1891 – 1962) كان ثاني ملوك المملكة المتوكلية اليمنية، حكم اليمن في الفترة (1948-1962) وتولى الحكم بعدما تمكن من إسقاط ثورة الدستور التي أنهت حكم والده وحياته معاً في العام 1948، وقبل ذلك كان أبوه يعتمد عليه في بعض حروبه لبسط السيطرة على البلاد، وفي العام 1937 عين أميراً على لواء تعز عندما بدأ والده الاعتماد على أبنائه الذين يطلق عليهم لقب سيوف الإسلام.

عبدالفتاح البتول، خيوط الظلام عصر الأئمة الزيدية في اليمن، ط1 (صنعاء: مركز نشوان الحميري للدراسات والنشر 2007)، ص43.

عبدالرحمن عبدالواحد الشجاع، تاريخ اليمن في الإسلام، مرجع سابق، ص152.

البتول، مرجع سابق ص44.

محسن العيني، معارك ومؤامرات ضد قضية اليمن، مرجع سابق، ص80.

علي محمد زيد، معتزلة اليمن، مرجع سابق، ص 71.

محسن العيني، معارك ومؤامرات..، مرجع سابق، ص77.

 الحوثية حركة سياسية دينية مسلحة اتخذت من صعدة شمال اليمن مركزا رئيسيا لها قبل أن تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء، وعرف أتباعها باسم الحوثيين نسبة إلى مؤسس الحركة حسين بدر الدين الحوثي.

جزء من دراسة للباحث منشورة في مركز أبعاد للدراسات والبحوث بعنوان:

ستة عقود من انعدام الاستقرار في اليمن في مايو 2020

الحجر الصحفي في زمن الحوثي