وراء المضيق !!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الأحد ، ٢٢ يونيو ٢٠١٤ الساعة ٠١:٤٦ مساءً
دكتور ليبي يعمل في مجموعتي، اورد لى من محيطه انه ايام القذافي، كان في عندهم قرابة في كتائب القذافي اصيب في حادث سيارة في مدينة سرت، و بسبب الحالة قالو لابد انهم يسفروه على سويسرا، ولابد ان يكون معه رفيق. الرفيق هو اخوه الوحيد، و الذي يعيش في منطقة نائية في الصحراء يرعى الغنم. احضروا اخوه و جواز و تذاكر و صارو بقدرة قادر في سويسرا. المشكلة صارت ليس في المصاب بقدر في المرافق، الذي لن يتعالج منها. و الذي كان اساساً سعيدا في الصحراء مع الماعز و كسرة الخبز و الزوجة الفلاحة البسيطة. 
 
الرجل كان سعيد في حياته يتعبد حتى يذهب الى الجنة كما نعلم في صحراء قاحلة تبلغ حرارتها في احسن الاحوال 55 درجة مئوية في الظل، تشوي العردان كما نحكي. عندما وصل سويسرا و كان ذلك في الصيف، يقول لى الدكتور لم يتكلم و انما كان يشاهد. دخل معهم البقالة فشاهد عشرات الاصناف من اللبن و العسل و من الخمور عشرات الانواع و غير ذلك، و عندما يكون في الشارع يرى عشرات الاصناف من النساء يطيرن العقل، كما صورت له مخيلته على حور العين في الجنة التي وعدنا الله بها، رأى الحدائق و الانهار و البحيرات، رأى كيف الناس سعداء، اما عن الاكل و الحلويات مالاعين رأت و لا اذن سمعت، لاسيما و هو في فندق 5 نجوم مع بوفيه فطور و غداء و عشاء . 
 
المهم انتهت رحلة العلاج و اخذوه من دون ان يدرك من الصدمة مرة اخرى على ليبيا و ثم سرت و رجعوه الى الصحراء، و كأنه كان في حلم. لكن الراجل شرد عليهم بعدها. فكل من يأتي اليه يسأله كيف كانت بلاد الفرنجة، كان يرد عليهم بعبارة واحدة، القيامة قد قامت هم في الجنة و نحن في النار من دون ان ندرك، و بطل بعدها يصلي و يصوم لانه اقتنع فعلا أنه الان في النار في هذه الصحراء. و بواقع الامر لم يحيد كثيرا هو عن الصواب في توصيفه ان القيامة قامت في الدنيا، في نظر كثير من هم مثلي.
 
فمنذ خمسة قرون قامت القيامة في الدنيا و حشر الناس على جانبي مضيق جبل طارق و قرئ كتاب الحضارة من اوله، ثم حصدت كل امة ماكسبت يداها و عقولها فالشعوب التي ورى المضيق ذهبت الى جنان هذه الدنيا بالمعرفة و العمل تجري فيها مئات الانهار في اروبا و كندا و اميركا الشمالية و الجنوبية و استراليا و شعوبنا المريضة وراء المضيق ذهبت الى جحيم الدنيا و مازالت فيه حتى الان، تبحث على تبريرات تارة تناقش الغيبيات و الفرقة الناجية و تارة اخرى امراضها الوراثية كا الطائفية و التخلف و النظام التربوي و الاقتصادي المنهار، التى اعاقتها عن اللحاق بركب الحضارة.
 
فمن تلك الامراض الوراثية مثلاً التخلف في مؤسسات الدولة، و التي اجزم انها ليس مرضا بل صارت مشكلة وراثية مثل قصر القامة عندنا البشر، صفتها الأولى انها لا توجع احداً من القائمين عليها، و لكن توجع المجتمع المربوط بها منذ الازل، و صفتها الثانية ان القائمين عليها هم اخر من يعلم بان مؤسساتهم متخلفة و لا تختلف عن ادارة قبيلة، و اذا علموا ذات مرة فإن مشكلتهم غير قابلة للحل اصلاً، لا في جيل واحد، و لا في بضعة اجيال. في مثل هذه الحالات يكون التخلف بوجودهم مصير شبه ابدي مكتوب في اصول الخلايا نفسها، لهذا السبب لا يمكن محاربته بوجودهم و لا يمكن القضاء عليه. و اصله في المحصلة انه صار جزء منا و نحن جزء منه، لذى فنحن، لن نستطيع ان نقتله بل نحييه بوجوه مختلفة.
 
فشيوع الفقر و الجهل و الفساد و الغش و الصراعات و الامبالاة للزمن في المجتمع ليس سببا في تخلف مجتمعاً، بل ترجمة حرفية له. قد يكون السبب الوحيد هو الخلل الاداري القديم الدائم، الذي تمثل في قيام القيامة وراء المضيق منذ خمسة قرون و بموجب ذلك صرنا في الجحيم. فتخلف المؤسسات هو ان تكون اي شيء كبير من الخارج و ان تسمي نفسك بكل الاسماء كما اورد عادل إمام "المصنع النووي العالمي لانتاج روابط الجزام" و بدون اهداف. 
 
بالفعل ان تمتلك منظومة زمنية للادارة الجماعية قادرا على حماية الاغلبية من التخلف ليس سهلاً. لذلك من دون هذه المنظومة، تستطيع الدولة ان تنشر العلم في كل مكان كالتعليم العالي و الفني و المهني، و الذي ينتهي بالغش او بالجهل العملي، تستطيع الدولة ان تتغنى بالديمقراطية و تنشره في كل بيت، كما ورد بأسلوبها و بإدعائها، و ان تجعل السماء تمطر ذهبا قبل الانتخابات ايضاً، و لكن غياب الادارة الجماعية المتنويرة سوف يجعلك من باب الديمقراطية تسمع للقيادات الفاشلة و للغبي عك الكلام و تحاورهم، و يجعلك ترى الرعوي يخطط الاقتصاد و المشاريع و تبدي تفهم لذلك، و المسؤول التاجر و هو يقود مشاريع التنمية، و لكن ليس للمجتمع، و يجعلك ترى المؤسسات تجعل المال يتجمع كله في خزانة رجل واحد و انت تنظر، و الاعلام يضع العلم بين يدي عالم دين واحد ينطق دائما بصوت الهي، كمثل الذي قال ردا على كروية الارض "هل يجن الناس إلى هذا الحد فيدخل في عقولهم ان البلدان والأشجار تتدلى من الناحية الاخرى..؟ . و تجعل المتعلم بعد ذلك يجد تبريرات للوضع و لفشل هؤلاء و يطالب باعطائهم الفرصة تلوا الفرصة لان الظروف غير مهيئة، و يكتفي من عملهم بقصد النية، و هذا هو "التخلف الوراثي" بحد ذاته، و بالاخير يسألونك أين الحل؟ !!!!!
 
 
*رئيس قسم علم الحاسوب في جامعة مجدبورج في المانيا
الحجر الصحفي في زمن الحوثي