قدر الاجانب في واقعنا اللعين !!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الثلاثاء ، ٢٢ ابريل ٢٠١٤ الساعة ١٠:٠٠ صباحاً
بعد اخر محاضرة لي في 2002م حول اليمن وقفت امرأة ، وقلت في نفسي بعد الاختطاف الذي حصل قبلها بكم يوم، سوف لن يبقى لدي اي مكان للثقافة او للدين او الحضارة او العرف اتحجج بها في يومنا هذا. و الطامة الكبرى انني لم أسمع من علماءنا اي تنديد بمثل هذه الاعمال و لم تذكر الاخبار او الصحف في الغرب اى اعتراض، و انما كالعادة تبريرات و فزلكات، لا افهمها انا المسلم فما بالكم بالاخر، فكيف لي ان استدل بها.
 
الالمانية عندما وقفت استهلت حديثها انها كانت قبل الفترة الفائتة هي اسيرة مع مجموعة سياح بايدي مجموعة من القبائل ما بين زيارتهم لشبام و مارب. عاشت مايقارب من 10 ايام في خوف و قلق ولا زالت تتعالج وقتها من الصدمة، و تحتاج الى سنوات حتى تنسي الحادثة كما فهمت فيما بعد منها. كانت متألمة و موجوعة لانها ارادت ايامها في اليمن اجازة تجدد نشاطها بعدها و ليس جنازة تهدم بها حياتها. حاولت ان اعتذر لها، لعلها وقعت في المصيدة بسببي و محاضرتي، التي اوردتهن من قبل. فهذه لم تاتني لكي ترني صورها في اليمن، ولكن لتسمعني و تشاطرني ماعانت هناك، و كانها تقول كف عن تسويق المصيدة للسياح بمحاضرتكم.
 
لم افسر لها بعد كلامها، ان هذه الاعمال ليست من قيمنا وهي دخيلة علينا و كثير من هذه سوف تنتهي بعد فترة قصيرة، وانما شعرت بحرجي و خاصة انها كانت راقية في عرضها لما حدث. الغريب لم احتاج كثيرا للتبرير، فقد قاطعتني انها تؤمن بذلك وهى تحب اليمن و الا ماكانت هنا. شربت معها القهوة و كنت اريد فعلا ان اقول لها انني و من هم مثلي نخجل و نتألم ان يحدث هذا في بلدنا. اردت ان اقول لها، ما اصغرني بمثل هذه الاخلاقيات الطائشة في وطني و اخلاقيات الضحايا حيث و انها لم تذكر اليمن بسؤ برغم الحادثة.
 
بعدها تركت المحاضرات عن اليمن و السياحة فيها، بعد ان استهلك اخواننا الخاطفين و القبائل و القاعدة كل مصطلحات الفضيلة و الاخلاق اسوأ استهلاك، فلم يبقو لي ما أقول. كنت اعلم ان هذه الظاهرة لن تنتهي فبوادر الاختطاف سوف يكون في مقبل السنوات مشروع استثماري سريع الربح خاتمته دائما الحصانة، و مع تكاثر الحوادث صرت لا اتجرأ ان انصح احد يسألني كيف؟، حتى لا احمل ذنبه، و اخرهم مدرسي في القياس الرقمي، و الذي اراد ان يعرج من عدن الى صنعاء، فابريت ذمتي اني اعطيته الصورة واضحة.
بعدها بفترة جاءت الانباء من اليمن في اغلب القنوات الفضائية عن مقتل ثلاثة نساء من بين مجموعة من السائحين الاجانب، الذين اختطفوا مؤخرا في اليمن. و كانت المصيبة اعظم في الاخبار عندما عثر على جثث النساء الثلاث في منطقة صعدة، و قد قتلن باطلاق النار عليهن وهن مكممات و معصوبات الايدي، و ضاع دمهن الى يومنا هذا هدر. وحسب المصدر وقتها ان النساء الالمانيات الثلاث وجدن مقتولات و جثثهن مشوهة، هنا كانت الصبغة دينية واضحة حسب التصريحات، و لم تتدارك حكومتنا وقتها ان معاول هدم الدين تحالفت مع معاول هدم السياحة و الاستثمار وسوف تزداد ضراوة. كنت اتمني وقتها ان واحد من علماءنا يطلع على الجزيرة او القنوات الغربية، يندد و ينفي صلة هذه الامور بديننا او يقولون مثلاً، ان الله لم يقتل الشيطان عندما كفر به و لا يحتاج لعنترة يدافع عن دينه.
 
زاد خجلي عندما قراءت الصحف الالمانية وقتها، والتي اظهرت اسباب اخرى للحادثة و لم يعمومها على الشعب اليمني . ظليت بعدها اسأل نفسي ان جماعتنا الارهابية او القبلية استهلكو كل المصطلحات و الشعارات كالجهاد، التقوى، الكرم ،الاخلاق ، اكرام الضيف، اجارة الخائف، الامان والرحمة، وبعد الربيع العربي كملنا على الباقي بسفك الدماء التي لا تكاد لاتنتهي. حتى بالامس قال لي احدهم لقد نزعت الانترنت من بيتي لانني لم اعد احتمل مئاسينا تارة بأسم القبيلة و اخرى بأسم السياسة و قبلهن بأسم الدين .
 
هجت الناس في يمننا من هذه الاعمال، و التي فاقت كل حدود الوصف و التعبيرات و منذ حدوثها سواء في ميدان السبعين او مجمع العرضي او في ابين و حضرموت و مارب و عمران و صعدة، وصرت أشعر كل يوم بغصة في العقل و المنطق مما يحدث في محيطنا الداخلي و عالمنا العربي و الاسلامي. ولا أعلم حقيقةً من أين بدأت الفكرة و الجريمة، التي لا يمكن بالمطلق استيعابها والتي هدمت في بدايتها جوهر الحضارة و القيم و بعدها جوهر الدين و الفضيلة، و التي سوف تترك أثراً واضحاً في عقولنا يدعو للتفكير بعمق و التأمل حول ما الذي دفع هؤلاء الابرياء و الاجانب حتى يدفعوا الثمن لامراضنا و سلوكنا.
 
فحادثة مجمع العرضي في ديسمبر 2013 م كانت جريمة لا تصدق، ابتلع الارهاب عدد من الألمان و الجنسيات الأخرى، الذين يعملون كضباط و مستشارون و أطباء و عدد القتلى الألمان و غيرهم من الاجانب تجاوز الثلاثين. طبعا لم ننسى هنا اهلنا اليمنينين و الذين تجاوزو هذا الرقم، و الذي اوردته في منشورات سابقة.
فمدير منظمة ال "ج د زد" الالمانية و سائقه الشخصي من ضمن ضحايا الهجوم الارهابي، و الذي اساسا يعمل هناك من اجل اليمن وجل اهتمامهم المساعدة في مشاريع البنية التحتية. المحزن اكثر هنا في القيم، ان زوجت هذا الالماني طلبت في تأبين زوجها من الناس، ان لا يحضروا ورود او أكاليل، و انما فتحت حساب تبرع و طلبت في الاعلان التبرع الى ذلك الحساب. عارفين لمن سوف يذهب العائد من ذلك، الى اسرة السواق اليمني، الذي مات مع زوجها، فحجتها كانت انه عنده 7 اطفال. اخواننا في السفارة لم يتمالكوا انفسهم من ذرف الدموع في الجنازة ولا انا عندما سمعت الخبر. لا ادري بعدها من الذين سوف يدخلون الجنة هولاء الارهابيين ام هذه المرأة، حيث و انها لم تفكر بخسارة زوجها و حزنها و ابنها الذي كان يبكي على تابوت اباه، و انما فكرت باولاد السائق اليمني لانها تعلم انهم فقدو عائلهم الاوحد.
 
دكتورة هيلين فنزويلا تقول "الناس يقولون لي أنني صرت يمنية و أشعر أنني في موطني و أجمل سنوات حياتنا قضيناها باليمن ", لم تفكر هي او زوجها بالعودة إلى الفلبين لأنهم حبو اليمنيين اكثر من الارهابيين و الغريب انها لا تلوم اهل اليمن على ما لم يرتكبوه. فقد اعتبر زوجها اليمن موطنه و امن على حياته و اسرته فيها و كان سعيداً، فقد عاش في اليمن ثلاثة عقود، ما يعادل نصف حياته، وأحب اليمن و الناس أحبوه و لم يشعر بالغربة قط. دكتور روبين كان كبير جراحي مستشفى العرضي الذي قتل في الجريمة الشنعاء، بعد ان درب 4000 جراح يمني في رصيده، بينما لو جمعنا الجماعات الجهادية من اول حربهم في افغانستان الى غزوة ميدان السبعين و مجمع العرضي فلن نجد في رصيدهم انهم استطاعوا ان يخرجوا لنا طبيب او حتى انسان عاقل و طبيعي يقبل بالاخر فكيف لهم ان يبنو وطن.
 
كنت اتمنى ان اقول لمثل هولاء الاجانب الذين يغرسون بذور الحياة في يمننا انتم على رؤسنا، ولكن واقعنا لعين ومليء بامراضنا التي لاتنتهى. كانت قصة طبيب فانزويلا و الالمانيات و الالماني و مقتل الحارس الالماني و كثيرون غيرهم هي الأصعب و الأكثر حزناً عند الناس، نشعر بالأسف لهم و لعائلتهم، فقد قضى كثير منهم معظم حياتهم ليساعدنا، و المجرمون قتلوهم و كنا عاجزين عن مساعدتهم وقت حاجتهم لنا، او حتى نسعى لتحريرهم قبل ان تقع المصيبة كما هو حال الالماني و الطبيب الازبكي وغيرهم الان.
 
فالسفيرة الالمانية كانت جديدة، لم تستطيع ان ترى بشاعة مقتل حارسها في سوبر ماركت، وطلبت الانتقال من عند هولاء المتوحشين الى اى مكان بس مش اليمن، فصارت الان في موريتانيا. فمتى سوف نعلم ان مشاكلنا و امرضنا و تخلفنا لا يعطينا الحق ان نختطف اجنبي او نبتزه او نساوم به فلا عرف و لا اخلاق و لا دين يمكن ان يبرر ذلك و لم اقل "قتل", فمثل هذه الاعمال لن تخرج الاجانب في الغرب من الاسلام و انما تخرج الناس في الشرق و الغرب افواجا بسبب التؤيل و التحجج و الطيش. صحيح ان ظاهرة الاختطاف اصبحت مشروع استثماري سريع الربح و خاتمتة انك تحصل على حصانة، و لكنها في نفس الوقت مشروع دعارة حضارية تفقدنا قيمنا، ديننا و تراثنا الى الابد .
 
بالاخير لا يسعني الا ان اقول لهؤلاء الارهابيين،المختصفين، القبائل و لانفسنا جميعا أن الفكر والانتماء والدين و العرف و القبيلة مش هم اللي يحددو هل نحن عادلين و متسامحين و حضارين و متقبلين لاخواننا في الوطن و للاخر. لا اللي يحدد هذا الشي هو هل نحن كبقية البشر طبيعيين "بالشكل الكافي" عشان نكون كذا و لا لأ!!!!!
 
*رئيس قسم علم الحاسوب في جامعة مجدبورج في المانيا
الحجر الصحفي في زمن الحوثي