كيف يُعقد سلام مع متهوّر؟!

د. علي العسلي
الجمعة ، ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٣ الساعة ٠٥:٠٧ مساءً

 

كما هو ديند الحوثي التفاوض والمراوغة واللعب على عامل الوقت، ثم التملص، فالتنصل والهروب من الالتزام! 

بعد طوفان الأقصى، اكتسب بموجبه الحوثي تصنيفاً جديداً أمريكياً، تصنيف كما الأب حين يصف ولده العاصي له، ولم نعد نسمع منهم بأن الحوثي  إرهابي بتاتاً.

 وقطعاً إذا ما صنفت أمريكا شيئاً،فإن عديد الدول تتبعها.  لَقَّبّ  الأمريكي الحوثي بــ "المتهوّر". والمتهوّر، هو غير المُقدّر للعَواقب، وتَنْقُصه الحكمة والتَّروّي، ويتصرَّف بطَيْش،وهو مُجازف، ومُتسرّع.

فإذا كان هذا معنى المتهوّر؛ فماذا يمكننا أن نصنّف من يسعى أو يقبل  التوقيع معه على سلام؟!   أيُراهن على إقامة سلام مع الحوثي  وتوقيع اتفاق معه وهذا شأنه؟!   هذا ينبغي ردّعه وعلاجه وتعقيله، لا تدليله وتحقيق رغباته وأهوائه! 

والضد للمتهوّر؛ هو" المتريث"، " الحليم" أليس كذلك؟   فهل يلتقي الضدان؟ فالضّدان لا يلتقيان ولا يجتمعان في شيء واحد.

 وبالتالي فإنه يجب علاج الحوثي من مرض التسرع، ومنعه من المجازفة، وتأديبه على الطيش، وتعقيله ليكون حليماً حكيماً وعاقلاً،  ووفقإ للتصتيف الامريكي الجديد للحوثي،  فهو غير مؤهل لتوقيع أي اتفاق أو سلام قبل أن يكون عاقلاً مؤمناً وقابلاً للسلام!

إن أخر ما قذفه الحوثي (المتهوّر) على خارطة السلام السعودية، رفضها بعد ان وافق عليها!؛  حيث أكد أنه "لن يتم توقيع أي اتفاقية إلا مع الجانب السعودي كطرف ليس كوسيط"..  يفعل ذلك لمّا العالم كله أيد وشكر وأثنى على السعودية وعُمان على وساطتهما! 

ومن قبل ذلك قِيْل من قبل بعض قادة الحوثي المهمين، أن ما قد يعيق التوصل إلى اتفاق هو إذا ما تنصلت السعودية والإمارات وبريطانيا وأمريكا من التزامات معالجة الدمار الذي خلفته سنوات من الحرب وقضايا أخرى مثل إعادة الإعمار والتعويضات.

جولات مفاوضات تمّت وفي كل مرّة يوصفونها بالايجابية، أقفلت بتصريح لمحمد عبد السلام في الثامن من هذا الشهر،  حيث قال:   " التقينا المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ ناقشنا خلال اللقاء معه المسار الانساني والسياسي والعسكري والتقدم الذي تم احرازه في خارطة الطريق وتجاوز أهم العقبات لضمان إنهاء العدوان والحصار وصرف المرتبات لجميع الموظفين اليمنيين والإفراج عن كافة الاسرى والمعتقلين وخروج القوات الاجنبيه من اليمن وإعادة الإعمار والتهيئة للحوار السياسي".   فإذا كان الحوثي قد أقر وأعلن قبل إعلان المبعوث الأممي بالتقدّم المحرز.. فلماذا إذاً  الرفض على التوقيع ؟!

 عبد الملك يرفض التوقيع إلا مع السعودية، وأنا اسأل حول ما اشار إليه (فليتة)،فأقول: هناك أمور لاحقة للسلام يمكن التفاهم بها مع المملكة.. لكن الاتفاق، ينبغي أن يكون يمنياً للأمور التي أوردها محمد عبد السلام. 

فما دخل المملكة-مثلاً- أن توقع على اتفاق فيه تبادل للاسرى، هم لدى الشرعية والحوثي، وكذلك صرف رواتب الموظفين المعني بدفعها من يحكمون اليمن،  والتهيئة للحوار السياسي  معني بها كل المكونات السياسية في اليمن..  هذه من  النقاط الحصّرية للاتفاق عليها من قبل اليمنيين؟!

عموماً فإن الحوثي  بعد كل الهُدن السابقة وانتزاعه بعض الاشياء السيادية للسلطة الشرعية، يريد التنصل عما وافق عليه سابقاً في جولات المفاوضات، وعلى الوسيط العُماني فضحه! والعتب كل العتب عليه، إن لم يقم بذلك!

وقد يكون سبب الرفض الحوثي، هو شعوره بالنصر كون امريكا تضخمه،  حين تباطأت بالردّ على عملياته المستمرّة في البحر الأحمر، وربما هي متجملة منه حين لا يستهدف قطعاتها العسكرية البحرية، واعادتها للبحر الأحمر بقوة بما قد تحصل عليه من عائدات.

وقد  يكون كذلك السبب  هو عدم ذكر المبعوث الأممي بإعلانه عن  خروج القوات الأجنبية من اليمن، وكذا التعويض والإعمار، وقد يكون للمبعوث مبرراته القانونية، وربما خارج تفويضه الأممي.

ومن وجهة نظري، فإن إصرار الحوثي  التوقيع مع المملكة، هو لتثبيت وتوثيق إدانة ما للمملكة، وتحميلها وزر حربه على الشعب اليمني؛

ولا أظنه يعني  الجانب المادي منها، فذلك مقدور عليه من قبل المملكة، وقد تدعم أكثر ومن دون إملاء أو اشتراط  أو إلزام! 

كما اعتقد أن الهدف ايضاً إلصاق الدافع الوطني على حربه على اليمنيين، على أن الحرب كانت  مع عدوان خارجي، ويريد بالتوقيع مع المملكة تبييض الانقلاب، وإعدام المسؤولية عن كل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها.

 فالهدف إذاً التملص من المسؤولية في تبعات استشهاد وجرح  مئات الآلاف من اليمنيين، ومعاناة الملايين كذلك لأكثر من تسع سنوات، من الافقار والتجويع واستعمال الموظفين كسخرة، وكذا كل الاعتقالات والتعذيب ومصادرة الأموال والممتلكات وما شابه..  

.. هنا أنبه الجميع، من الأفخاخ التي ينصبها الحوثي للشرعية والمملكة؛

 وتحذيري بصفة خاصة للإخوة في المملكة، فأقول لهم، هذه الفئة إن قررتم تجنب شرورها ومحاولة ارضائها، كي تسلموا شرها مستقبلا، فإني أنبهكم أنه كلما قدمتم لهم شيء، ستجدون سقفهم يزيد ويزيد، فالطلبات تزداد والابتزاز يتضاعف، والحماقة تكثر، ومشروعكم الطموح برؤية 2030، لا يحتاج لاسترضاء ميليشيات هنا وهناك؛  بل  يحتاج  لقوة تحميه من أي تهديد لا سمح الله!

 كذلك أحذر واقول ينبغي أن يعامل الحوثي  كمكوّن ليس كطرف، ينبغي عدم القفز على المرجعيات، وبخاصة مخرجات الحوار الوطني الناتج عن المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، والقرارات الدولية ذات الصلة، وبخاصة القرار 2216، الذي قرر أن عبد الملك الحوثي وجماعته مقوضين  للسلام والأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة، وللإنتقال للعملية السياسية وتم فرض على قيادين حوثيين عقوبات دولية..

 فهل اليوم الحوثي لم يعد مقوض للسلام والأمن والاستقرار؟!  كما طالبه القرار بتنفيذ القرارات السابقة،  والامتناع عن اتخاذ المزيد من الإجراءات الأحادية...فهل رأيتم الحوثي يفعل ذلك؟!

 وطالب القرار المذكور الحوثي بالقيام فوراً دون قيد أو شرط بالآتي: " الكف عن استخدام العنف، وسحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها بما في ذلك العاصمة صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية بما في ذلك منظومات القذائف، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية، والامتناع عن الإتيان بأي استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة...الخ". 

فهل قام الحوثي بكل ذلك من دون قيد أو شرط؟!  ونصّ القرار على دعوة جميع الأطراف اليمنية لا سيما الحوثيين إلى الالتزام بمبادرة مجلس التعاون الخليجي ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن.. 

فهل  ببنود الاتفاق الجديد ما يشي إلى ذلك والتأكيد عليه والحوثي موافق عليه؟!

والقرار ذاته حثّ بالردّ بالايجاب لحضور  مؤتمر يعقد بالرياض تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي.. 

أي أن مجلس الأمن الدولي دعم المبادرة الخليجية والتحالف العربي والسعودية تحديداً، ولم يعتبرها عدو للشعب اليمني، بل أثنى كذا مرّة بجهودها كوسيط مهم وفاعل ولم يعتبرها يوماً طرفاً.

على الحوثيين إن كانوا يؤمنون بالسلام ان ينفذوا تفاصيل القرار 2216 وبخاصة حضورهم للرياض في مؤتمر  ينعقد هناك تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي بحسب القرار الدولي!    وينبغي على الجميع  أن يدرك أن أي اتفاق أو توافق لا يسقط جرائم أي كان بالتقادم او بالتوافق،  فللضحايا ايضا حقهم وكسب ودّهم ورضاهم! 

الحوثي فعلا متهور ضد شعبه وجيران اليمن، أما على الكيان  الصهيوني فلا.

.. وجمعة مباركة..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي