من يعيق التوقيع.. "أمريكا" أم "غزة"؟!

د. علي العسلي
الجمعة ، ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٣ الساعة ٠٨:٥٣ مساءً

 

إن  السلام في اليمن، يمكن أن ينجز بحالين؛ في حال عدم التدخل الخارجي،وهذا قد فشل!؛

 أو في التدخل الايجابي الذي يراعي مصالح كل اليمنيين، مشروط نجاح ذلك بأن يكون مُحصناً ومُسيجاً بالاحزاب السياسية والقوى الفاعلة على الأرض اليمنية.

إن الظرف الدقيق الذي نعيشه، يحتاج لمعالجة سريعة لأزمة اليمن من أجل تخفيف حدّة التوترات في المنطقة، كون اليمن قد اصبحت في قلب الحدث، في قلب طوفان الأقصى، وربما قد يكون سببا لنزاع عسكري أوسع! 

في المدّة السابقة اعتمد العرب واليمن على وجه أخص على أمريكا في وصفة الحلول لمشكلاتهم. 

فأحدثت أمريكا بها الضرر البالغ على استقرار وأمن المنطقة، إذ بتدخلها لم تجعل اليمنيين يعالجون مشاكلهم بأنفسهم، فعقّدت الأمور، وجعلت الحلّ شبه مستحيل أو مستغصي.

إن العدوان على غزة أظهر الوجه القبيح لأمريكا، وبات عليها لزماً أن تجمل صورتها، بالامتناع بدل الإعتراض في مجلس الأمن كما فعلت اليوم،  أو بالسماح لليمنيين بان يتفقوا دون عوائق منها. وقد يكون ذلك مدخلاً مُجدّياً لمعالجة كل الملفات والقضايا بالمنطقة كما أتصوّر! 

عشر سنوات صراع في اليمن ، خلّفت مئات الآلاف من الشهداء، فأدركت دول المنطقة مؤخراً بضرورة الجلوس والتفاهم.    فحصل  تقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية برعاية صينية، وانجزت بظروف هادئة مسودة اتفاق مع الحوثيين، غير انها يبدوا لا تروق لأمريكا، ربما لدخول الصين على الخط.  وعشر سنوات، وأمريكا منخرطة بالصراع اليمني من رأسها إلى أخمص قدمها،  وهي من تقف وتعيق الاتفاق السعودي الايراني، وربما السعودي الحوثي،  وحتى فيما بين المكونات اليمنية. 

وأمريكا هي التي تستفز الأمة والحوثي بوقوفها الفج مع اسرائيل، وارسال جسر جوي متواصل من الاسلحة الفتاكة لاسرائيل، ولا تعاقب ربيبتها بمنع دخول الدواء والغذاء لغزة، وهي من تعطل كل القرارات القاضية بالوقف الفوري أو الإنساني للعدوان على غزة. 

وقبل البارحة عبّر المبعوث الأمريكي إلى اليمن بتصريح  في ندوة، بأن اتفاق السلام السعودي ليس يمنيا يمنيا، وانما سعودي حوثي، وبان السلام اليمني اليمني سيكون في مرحلة  لا حقة.. هذا التصريح يبدوا مسموماً، ويشي بأن اليمنيين مغيبين، وان السعودية اكتفت بالاتفاق مع الحوثي! إلا انه استدرك وقال: "إن السلام بين السعودية ومليشيا الحوثي، في لمساته الأخيرة، لكن أحداث غزة وتصعيد الحوثي، أعاق التوقيع.. يعني أمريكا لا تزال تريد تعطيل التوقيع بحجّة غزة، فما دخل غزّة بالاتفاق؟ 

 وعلام  يبدوا أنه لا تزال نظرة وفلسفة الإدارة الامريكية للقضية اليمنية سلبية ، كما هي على  القضية الفلسطينية، ففلسفتها بغزة، رفض ايقاف الحرب عليها بحجة القضاء على حماس، وهي مع الدولتين،  لكنها تترك الحكومة الاسرائيلية ببناء المستوطنات، والمستوطنون والحكومة المتطرفة  يتعربدون كيفما يريدون؟!؛ 

وهي في اليمن تعرقل وتعيق توقيع اتفاق اليمنيين، بل وأشغلتهم بحروب بينية، حتى يتسنى لها مرتقبة الوضع والتفرغ بحرية لمكافحة الارهابين في اليمن، ولذلك فهي دللت الحوثي، وأبقت نافذة مفتوحة معه للتنسيق ومقاتلة القاعدة وتفريعاتها، وابقته كذلك فزاّعة لدول الجوار.

ولسوء الحظ نجد أن الساسة الامريكين يتعاملون مع القضايا بمنطقتنا بوجهين مختلفين، فظاهرهم مثلا أنهم مع الشرعية اليمنية والتحالف العربي، لكنهم عمليا داعمون وممكنون الحوثي! لديهم وجهين؛ وجه شكلي موجّه للإعلام للاستهلاك، ووجه مبهرر على الطاولات.

فلقد وقفت امريكا شكلاً لا مضموناً مع دول التحالف العربي. بينما في المضمون كانت تُمارس كل أنواع الضغوط والإبتزاز، ومارست كل الإعاقات، لكي لا تُحقق دول التحالف الأهداف المعلنة، فأوقّفت تسليح السعودية، والدعم اللوجستي لها وللتحالف، ولم تكتفي بذلك، بل رفعت الحوثيين من قائمة الإرهاب! 

وهي من منعت الشرعية من دخول العاصمة صنعاء وكانت على بعد كيلومترات، وهي من وقفت وراء اتفاق ستوكهولم مع بريطانيا، لكي لا تتحرر موانئ محافظة الحديدة من قبضة الحوثي، التي هي اليوم الشماعة لتشكيل تحالف بحري خارج مجلس الأمن.

فأمريكا هي من جعلت من الحوثي (بعبع)، قوة لا يُستهان بها ومكّنته من السيطرة والبقاء متحكماً  طول الفترة السابقة.   إلى أن أتى العدوان على غزة والمجازر الفظيعة المشاهدة، هذه الغظائع وحدّت اليمنيين ضد الحلف الصهيو-امريكي، وبسبب الموقف النوحد مع غزة  ربما أصبح اليمنييون أقرب للتفاهم والاتفاق من أي وقت مضى.

غير أن أمريكا لا تريد لهم ذلك،  فشكلت تحالفاً بحرياً لتستفز الحوثي وتعرقل توقيع وتنفيذ ما اتفق عليه مع المملكة العربية السعودية، ثم أتهمتهم بالتصعيد والعرقلة بما أنجزوه بأيديهم! فأي عاقل سيصدق ذلك؟! 

سياتي اليوم التي ستعاد فيها الدولة اليمنية لا محالة،  فكما "غزة"  مرتبطة ارتباطا وثيقا بــ"رام الله" و"القدس" و"اريحا" و"جنين" و"الخليل" وغيرها؛ 

فإن "عد"  مرتبطة بــ" صنغاء وحضرموت وتعز والحديدة، وصعدة وحجة ومآرب وشبوة وغيرها"؛ و"اليمن وفلسطين" مرتبطتان مصيرياً! 

ولو فتّشتم على أس المشاكل في منطقتنا، قلن تجدوه إلا  أمريكا، وغزة هي ضحية التطرف الأمريكي قبل الاسرائيلي،  فأمريكا هي المتسبب في العدوان الإجرمي الظالم على عزّة،  بل هي من اتخذت قراره ومن بيدها إيقافه.

وهي وراء هذا الوضع المستعصي باليمن بجعل الاطراف عدوة بعضها البعض حتى يستمر نزيف الدم اليمني وتخويف المملكة وباقي الدول بالبعبع الحوثي.

وجميل جداً! أن خالف الحوثي توقع امريكا، فأصبح بعبعاً مخيفاً مؤثرا على ربيبة امريكا اسرائيل! 

 إذاً.. فأمريكا هي الفاعل الرئيس بكل ما يجري في المنطقة، فلا تريد ان تنصف المنطقة، وعندما تبحث بعض الانظمة عن بدائل كروسيا والصين، فتصاب امريكا بالغيرة، فتنتقم! بخلق مشاكل لا تُعدّ ولا تحصى!  

ولذا.. عليها وحدها أن تعمل بكل ثقلها لحل مشكلة اليمن، كي تمتص النقمة العربية الجارفة ضدها، لا أن تقوم باعاقة وعرقلة تحقيق ذلك.

فما تقوم به من بناء تحالفات جديدة يوسع التزاع ويعقد المشكلات ويبعد اليمن على إحلال السلام، ولا يسمح لخارطة السلام السعودية أن ترى النور.

 وبالنتيجة فإن امريكا هي التي قد تعرقل توقيع اتفاق السلام اليمني، وليس الحوثي أو غزّة!.. وجمعة مباركة..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي