متى يكون الاتفاق اتفاقاً؟!(3)

د. علي العسلي
الاربعاء ، ١٣ ديسمبر ٢٠٢٣ الساعة ٠٩:٣١ مساءً

 

نتابع الجزء الثالث والأخير لعنوان هذا المقال.. 

والحوثي كما قلنا كان قد التقى مؤخراً بالمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن (هانس غروندبرغ)، وبلّغه بأنه قد تمّ مع السعودية "احراز تقدم  في خارطة الطريق وتجاوز أهم العقبات، وهو ضمان إنهاء العدوان والحصار وصرف المرتبات لجميع الموظفين اليمنيين والإفراج عن كافة الاسرى والمعتقلين وخروج القوات الاجنبيه من اليمن وإعادة الإعمار والتهيئة للحوار السياسي" 

 ألا ترون ان الرواتب والافراج عن المعتقلين،  كان قد اتفق بشأنهما منذ سنين، ولم يلتزم الحوثي بالتقيٌد والتنفيذ؟! فما الذي سيجعله هذه المرّة  ينفذ؟ وما هي الضمانات؟ 

ومن النقاشات لما سرّب من المفاوضات والجولات السابقة، بعد استهداف الحوثي  لموانئ النفط، وتمكّنه من ايقاف تصدير النفط. 

أجريت على ما يبدوا نقاشات  مستفيضة حول هذا الأمر، وقيل ان الحوثي قد توصل مع السعودية  إلى حسم ملفات الرواتب كما هو وإعلامه قد تبجحوا، حيث قيل انه اتُّفِق على أن تذهب نسبة عالية من عائدات النفط  إلى الحوثيين كرواتب للموظفين، مقابل السماح بالتصدير من دون اعتراض، وإذا ما تبيّن أن هناك عجزاً، فإن المملكة ستغطّيه. 

فرواتب مقاتليه هو شغله الشاغل..وبسبب اعتراضاته للسفن في البحر الاحمر، فإن امريكا تهدده بعدم إنفاذ الاتفاق.

وإن كان ما صرح به ناطق الحوثي حقيقي، ومضُمّن بالاتفاق،(خروج القوات الأجنبية من اليمن)، فإن الاتفاق سيكون فعلا بين المملكة والحوثي، لا بين اليمنيين.

 وإذا ما قبلت  المملكة اشتراطات الحوثي، فإنه يعدّ تراجع  من قبل المملكة عن دعم الشرعية؛

 فالتحالف موجود في اليمن بطلب من السلطة الشرعية، ولا أظن ان السعودية ستتخلى عن السلطة الشرعية أبداً.

 ناطق الحوثي هذا المتبجّح بتوصله لإخراج  التحالف العربي، فلو صدق بما صرّح به؛

  فإن الاتفاق لا يسمى  اتفاقا بين اليمنيين، بل هو اضعاف للشرعية ومركزها القانوني، ومتى ما قبل الحوثي أن يتفق مع الشرعية ومكوناتها، حينها سنقول أن هناك إتفاقاً يمنياً قد أنجز، شريطة أن يكون معقولاً، وقابلاً للتنفيذ، ولا يتعارض أبداً مع المرجعيات! 

ومعلوم أن الحوثي استهدف النفط وأوقف تصديره،  حتى يفرض معادلة  مقاسمته للعائدات مع السلطة الشرعية. 

 يريد توريد نسبة من عائدات النفط الى حسابه كرواتب لمقاتليه،  ولمن وظفهم بعد شهر 12،  2014  . 

هذا يعني إعفاء الحوثي عمّا كان قد التزم به في اتفاق (ستوكهولم)، الذي لم ينفذه لحد اللحظة، وصادر عائدات موانئ الحديدة المخصص للرواتب.     كذلك تُثار أسئلة من قبيل  (دمج البنك المركزي)، فماذا يعتي الدمج؟ ألا  يعني اعتراف بوجود نظامين مصرفين في اليمن؟؛ 

وهذا خطأ، إذ أن هذا التوصيف يمسّ  المركز القانوني للسلطة الشرعية.

 ثم لو سلمنا.. أبعدّ الدمج؟ أين سيكون مقر البنك المركزي؟ وكيف سيُدار؟  ومن هو الضامن في حياديته؟؛ ومن عدم استخدامه كسلاح في الصراع مرّة أخرى؟

لا شك مثل هكذا تفاصيل، إن لم تُحلّ بالاتفاق، وبالآليات الواضحة المتفق عليها، ستكون محلّ خلاف واختلاف. ثمّ قيل أنه بعد كل الذي ذكرناه، ستكون هناك مرحلة ((التفاوض المباشر))..

فما قيمتها بعد الانتصار لأحد الاطراف فيما يسبقها؟ ثمّ لماذا يطرح مسألة التفاوض بشأن تأسيس الدولة؟  فمن يا ترى  المتضرر من مخرجات الحوار الوطني؟

 والحوثي ذاته  مشاركا فاعلاً في مؤتمر الحوار الوطني، ووافق على المخرجات وهو من أهم أحد أهداف (نكبته)، هدف تنفيذ مخرجات الحوار الوطني؟! 

 فاليمنيون قد رأوا كيف يكون شكل دولتهم فلماذا التساؤل يثار من جديد؟.. كيف يرى اليمنيون شكل الدولة؟ ثم يلي ذلك مرحلة انتقالية. 

إن إثارة مثل هكذا اسئلة  تعني التخلي الواضح عن  وثيقة مخرحات الحوار الوطني الشامل، والتي هي أهم أحد المرجعيات، وهي سقف لا يمكن تجاوزه عند أي تفاوض أو حوار.  فهل ستقبل الفسيفساء اليمنية التي شاركت في الحوار الوطني،  إعادة النظر بعد كل التضحيات والمعاناة؟!؛

 وتتنازل على ما توافقت عليه في  شكل الدولة ونظام الحكم.. أعني الدولة اليمنية الحديثة الديمقراطية الاتحادية الفيدرالية بأقاليم! 

ثمّ كيف ستقاس رؤية اليمنين لشكل دولتهم؟ أعبر الاستفتاء أم عبر ماذا؟..  الفاظ ملتبسة وتحمل في طياتها الخلاف والاختلاف.. 

والخطة ستشمل كذلك "فتح المنافذ جميعها ورفع القيود على المنافذ البرية والبحرية والجوية وتعود للعمل بشكل طبيعي سواء في مناطق الحوثي أو الشرعية، إلى جانب عملية إصلاح اقتصادية شاملة بدعم سعودي".. 

كيف ستعود  للعمل بشكل طبيعي ومن سيديرها؟ هل من كانوا يديرونها في 2014؟ واين هم اليوم؟ أم أن كل يدير ما تحت سيطرته؟، وهل بهذا سيستقيم الأمر لدولة واحدة، اسمها الحمهورية اليمنية ؟ وهل بهذا سيحل السلام الشامل والعادل؟! 

ثمّ.. بفتح الموانئ  والمنافذ دون قيود.. فمن سيضمن عدم تدفق الاسلخة وغيرها من المحظورات الواردة في القرارات الدولية؟

والإصلاحات الاقتصادية ماذا يقصد بها؟ في العادة، تتم الاصلاحات الاقتصادية في بلد مستقر سياسياً.. 

وماذا يعني  اصلاح اقتصادي بدعم سعودي؟؛  هل يقصد به تسليم العجز في رواتب الموظفين أم ماذا؟!؛  حيث قيل أن  المملكة التزمت بتوفير العجز لمدة سنة  كاملة..  ثمّ  كيف ستجبى الموارد وكيف ستُدار؟ 

طيب والرواتب السابقة..فهل ستسلم لجميع الموظفين كما في المقترح؟ وما حكم من استلموا في ظل تضخم عال جدا؟  ثم هل الاستلام بالريال اليمني أم بعملة أخرى؟ 

 وكيف سيتم معالجة التضخم وتعويض من استلم ايضاً؟، حيث كان راتبه في مطلع 2015 يساوي مثلا  1250 دولار (سعر الدولار 215)؛ أعني الاستاذ الجامعي، واليوم في شهر 12،2023 ، أصبح مرتب الاستاذ الجامعي-مثلا-لا يساوي  175دولار(سعر الدولار(1540)).. 

كثيرة هي الاسئلة.. فاين بنود الاتفاق وما هي آليات تنفيذه؟  منتظرين لنرى المسودّة والآليات حتى ندعمها أو نبدي عليها بعض ملاحظتنا وبشكل دقيق ومحدّد.. 

تمنياتنا أن ينهي الحوثي انقلابه، ويعود لرشده.. وأن ينصر غزّة بحق.. 

ونصرة غزّة  يا ايها الحوثي  تبدأ من التعاطي الجاد مع الجهود الجارية لتجديد الهدنة، وتوسيع فوائدها الانسانية، وتحقيق تطلعات الشعب اليمني لاستعادة مؤسسات الدولة، والأمن والاستقرار والتنمية.. 

وعليك يا حوثي النزول من فوق الشجرة، وألّا تتعاطى بسلبية مع جهود إحلال السلام السعودية في اليمن،لأن ذلك سيدفّعك ثمناً غالياً.فاليمن الجديد لا يقبل السلبيين.

عليك أن تتفاوض مع المكونات اليمنية؛ للتوصل إلى اتفاق، يحقق سلام عادل ومستدام بموجب مرجعيات الحل الشامل المتوافق عليها وطنيا وإقليميا ودوليا.

إتفاق وسلام، يرضي كل الفئات والمكوّنات والمناطق، ويُسهم بالنهوض باليمن، وإعادة البناء والإعمار!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي