نزع فتيل الخطر الدولي خطوة نحو عالمية ولي العهد السعودي!!

د. عبدالحي علي قاسم
الأحد ، ١٨ يونيو ٢٠٢٣ الساعة ٠٣:٤١ مساءً

  منطقتنا العربية ولادة ولو جاء الحمل متأخرا، وعسيرا، كل مقومات القيادة وسماتها، وظروف التغيير الدولي ومعطياته تناسب تماما مقاس ولي العهد، ونمط صعوده القيادي لدور عالمي بامتياز. الأدوار القيادية لا تلبي سوى من يذهب بنظره بعيدا، ويحلق بإرادته عاليا، كما هو شأن الصقور، وليس زواحف الصيد العكر. إن وسيطا ناجحا في أزمة دولية بين القوى العظمى، بعد اشتعال فتيل الصراع، واتساع رقعته ليس بالشيئ الهين، وليس في متناول القراصنة ورواد العبث، بل مهمة القادة التاريخيين.     وهذه خطوة مهمة، ورائدة دوليا لمن يملك التأثير والمهارة في نزع فتيل التوتر، وفي حدود معرفتي وتوقعي أن ولي العهد السعودي من الإرادة، والمهارة، وحضور الكاريزما بوسعه تجاوز مضمارها بنجاح، فهو امتداد لإرث أمة لها باعا طويلا في الريادة.      هي خطوة إستراتيجية تضع المملكة وقيادتها ممثلة بولي العهد في مسار العالمية باقتراب منفتح هو الأنجع نحو الصعود، ومختبر أوزان الثقل الحقيقي لمن يتصدرون الأدوار القيادية الإقليمية والدولية في ظروف بالغة التعقيد، وفشل في مقاربتها سلميا قادة لهم باع دبلوماسي، وتراكم قيادي في المسرح الدولي.        فمثلما أن معطيات خسارة قادمة لروسيا أن تحدث هزة في أوساط القوى الإقليمية المتأرجحة في أوراق توازناتها، فإن من شأن استجابة واقعية روسية لوساطة سعودية ناجحة أن تحفظ جزء من هيبة الردع لعالم يطمح لتعدد الأقطاب، وهامش مناورة للقوى الإقليمية الصاعدة.    يختلفوا، أو يتفقوا قادة ضفتي الأطلسي على الأمير، سوى أنهم بأمس الضرورة لتحرك جاد لولي العهد السعودي في وضع حد لحرب هي الأخطر في تأريخ الغرب مع روسيا حال نفدت التكتيكات بالوكالة، لتكشر الصواريخ المرعبة، فتهلك الحرث والنسل.     روسيا هي الأخرى رغم أن قيصرها بوتين مسكون بهواجس العظمة والنصر معا، كي يتباهى به في الميدان الأحمر، ينتظر دخول الصديق الموثوق بن سلمان، كوسيط يحفظ ماء هيبته، يستقبل به سواد عين شراكته وصداقته، وعربون واعد لتطلعات إستراتيجية أكثر مدى، وكثافة في واقع المصالح المتبادلة عسكريا وإستراتيجيا.    لم يكن ليصلح لمهمة عويصة كهذه، وبذات التوقيت، والحضور المؤثر من رئيس لدفع خطر حرب خطرة تلوح في الأفق، إلا استعان بها طرافي الصراع، وقد مورست ضغوطات ألمانية وأمريكية على ثقل الصين السياسي، والدبلوماسي لوقف حرب بوتين، التي زعزعة اقتصاد أوروبا، وانهكت جيوب الروس عدا عن جحيم الضحايا، بيد أن وساطة الشريك الصيني الداعم، لا تلبي الحدود الدنيا من تضحيات الشعب الأوكراني، ولا تضع أفقا مشروطا وضامنا لخروج الجيش الروسي من شرق أوكرانيا وجنوبها، الذي بدأ حربها في الثاني من فبراير 2022.       فالصين طرف في صراع متعدد الجبهات مع الغرب لا سيما الأمريكي، وغير معني سوى بمكاسب بوتين، وانتزاع نصر ولو باهتا له بأدوات دبلوماسية.     إن من شأن نصر أوكراني، أن تكون له تداعيات محبطة على الأتحاد الروسي بشكل عام، ومستقبل بوتين على وجه الخصوص، وكبح قوة صعود القطب الصيني بمزيد من خنقه اقتصاديا، وعسكريا في عمقه الإستراتيجي، واستنزافه إن استطاعوا.       وعليه، فإن حركة وساطة لولي العهد السعودي بهامش تفاوضي معقول يمنحه الطرفان، يكفل وقف لغة الحرب، ويخمد نيرانها، هو مخرج، ومصلحة إستراتيجية لعالم متعدد الأقطاب، ويؤسس لدور سعودي في حدود طموح القائد بن سلمان.   ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يتكئ حاليا على دولة قوية بذاتها، ومسنودة بعمقها العربي والإسلامي، ناهيك عن شراكات مصالح، ومنافع مع القوى العظمى، وهذا ما يشجع مساعيه بنمط قيادي قوي الحضور والتأثير لاستجابة طرفي الصراع لوجهة نظره، وخيارات الحل المدروسة التي بحوزته، وتلبي مصالح الطرفين.   لدى السعودية من أوراق القوة ما يساعد بن سلمان القائد في نجاح مهمته، لا سيما أن أمر التقارب، والوصول لتسوية يرتبط بمقاربة أمريكية وروسيا، مع الأخذ بعين الاعتبار وجهة النظر الأوكرانية وسقفها. الإدارة الأمريكية مستعدة لتهيئة دور سعودي ناجح، فهي حريصة على خطب ود ولي العهد، ودعم مساعيه، مقابل تطبيع بعض ملفات العلاقات المتأزمة، ونزع فتيلة التهديدات المتبادلة.       بوتين هو الآخر، لن يقدم على تنازلات تلبي تقاربا أوكرانيا للتسوية، إلا بإخراج يحفظ ماء هيبته، ووسيط وازن يوحي بأن ثمة مصالح فرضها حضور صديق، وقائد بحجم محمد بن سلمان، لم يكن لبوتين المترنح في مربع استنزاف أن يزهد بأهدائه مكانة الوسيط الناجح ، فهو الذي يتسابق الجميع لدفئ علاقاته في مرحلة أقطاب تستميل القوى الإقليمية الصاعدة باستقطابات حادة.      معطيات التحركات التي يقوم بها ولي العهد في فرنسا واتصالاته بالشركاء الأوروبيين والأمريكان، تشي بأن ثمة مساعي جادة لقطع دابر الخطر الذي يخيم على العالم. نتمنى أن تكون أيام ولي العهد القادمة حبلى بمفاجأة تشد أنضار العالم نحو قيادة شابة جديدة جنبت القوى العظمى خطر يتهدد كينونتها والعالم.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي