علكة اعتذار

كتب
الأحد ، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٢:١٨ صباحاً


بقلم: خالد سلمان
[email protected]
مثل طوابير الصباح في ساحات ترديد نشيد القسم.. بصمت خجول بلا عزاء.. يقف الشهداء بانتظام تلامذة مدرسة.. أمام ناظر لجنة حوار.. بانتظار شهادة اعتذار.. شهداء يحمل –بعضهم– عنقه المدَّلى.. ويحمل البعض الآخر رأسه المجندلة.

لجنة حوار توزع صكوكها بحياد من طنجرة مملوءة اعتذار.. وبمعزوفة جوفاء كأكبر رأس وزير في هذه البلاد.. تبدأ موسيقى فرح التوزيع وقص شريط مهرجانات الأسى.. التهريج.. وذبح وريد الصبر فينا وشرايين الاحتمال.

يردد عريف الحفل:
انضباط.. صمت أيها القتلى.. خذوا مواقعكم باحترام في حضرة اللجنة الموقرة.. أنت يا قتيل اعدل رأسك المائلة.. وأنت أضغط بإصبعك على قلبك المثقوب.. وأنت ارفع قليلاً شقفة الرأس إلى الأعلى.. ثبِّت الشظية إلى أقصى اليمين.. لملم الأشلاء في جعبة الصمت.. وكف عن التمتمة.. جميعكم ابعدوا قليلاً نزف جراحكم عن سجاد اللجنة.. وكهنة الاعتذار.

طقس مهيب أجراس.. أضواء موت ملونة.. تحيط بالقتلى.. تحاصر فيهم كل جرح عميق.. تفتشه جيداً.. تفحص دمه المتخثر.. تدقق بمحاجر العين اليابسة صوتاً.. وبلؤلؤة الحدق.. بسخرية نصف ابتسامة الشفاة.. لعل أي منهم يحمل مشروع اغتيال.. حزام قهر ناسف.. مخطط انقلاب وثأر انفجار.

الآن أيها القتلى نمنح كل منكم باقة ورد واعتذار– شهيد يهمس- ورد؟ لم يعد لديَّ أطراف كفَّين وعشرة أنامل.. قتيل آخر.. ورد؟ بلا عينين.. بلا حبيبه.. قتيل ثالث.. ورد؟ بلا شغب أطفال.. بلا عائلة على مائدة طعام.

الخطيب: صمتاً.. أجلِّوا البوح بسعادتكم إلى ما بعد هذه اللحظة الفارقة.. اللجنة وهي تعتذر عن قتلكم.. تعد كل قتيل بأن لايُقتل ثانية.

لطفاَ.. كفوا عن الزحام.. لدينا ما يكفي من حُزم البطائق.. بطائق خطة قتل خمسية لـ كم ملحمة.. كم مقتله.

نعد هذا الجمع.. ومنهم لقاطني هذا الوطن الموشح بالدم.. إن لكل منكم طلقة ظهر.. شرف رصاصة وبطاقة اعتذار.

* هذه بلاد العجب العجاب.. بجلسة شاي على مائدة لجنة حوار.. بصباحية اجتماع.. ببيان شاحب هزيل تمحو خطايا عقود حكم.. شلالات دم.. وجرائم عظام.

هذه بلاد تجاوُز الدم فيها أسهل من ردم حفرة طريق.. كشط أحزان قلب أكثر يسراً من إزالة مطب هذه بلاد مسكونة بالموت المفتوح على ثنائية احترابات لا تنتهي وصنابير دم.. وبرشام تريقات نافذ الأثر يؤخذ على ريق الصباح.. من طبلية «مخازن شفاء» اللجان المشكَّلة.

للجنوب.. اعتذار
لمقصلة وعذابات سنوات.. اعتذار
لتجريف الأرض وهدم الذاكرة.. ومخاصمة التاريخ.. اعتذار
لسرقة الأوطان.. تسريب ثروة الأجيال إلى بنوك الغرباء.. اعتذار
لسداسية صعدة.. اعتذار
لشهداء الساحات اعتذار.. ولديار أمهات الشهداء.. لسراج ديارهَّن المطفأة.. اعتذار
المغدورون في جولات التقاطع.. والنقاط المموهة.. اعتذار
للجميل.. الشفاف.. ياسين نعمان.. هو الآخر اعتذار.
لكل قتيل ومشروع قتيل.. اعتذار.
لكل أماني حبيسة.. لكل سجين مختطف.. اعتذار.
ولجثة ثائر مكومة على رصيف الانكسار.. اعتذار.
لثورة مجهضة مسلوبة القيادة.. اعتذار.

مع زمجرة كل هذا الجنون.. كل هذا الغياب للفطنة.. لكل هذا العبث.. التسطيح.. وتبسيط الحلول بلجنة حوار وعلكة اعتذار.. لم يعد لدينا من شيء حصيف على مسامعكم يقال سوى :- أعيدوا للشباب ثورتهم.. تنحوا قليلاً إلى الخلف أو كثيراً إلى الوراء.. إلى حافة القبر أو أية داهية.. اتركوا الشعب شماله والجنوب يقرر البوصلة.. ويقيم لغد أطفاله حكومة سمها ما تشاء.

تنجواً كثيراً.. لم تعد لنا معكم من لغة أُخرى.. تنحوا خارج المشهد قبل أن:
عفواً.. نمطركم بالسُباب!!

*كتب هذا الموضوع عقب اتخاذ ناظر لجنة الحوار.. لقرار غشوم في عدله.. شجاع مجاهر في خبله.. قرار منح الجنوب (فتفوتة) اعتذار شكراً للجنة.. وأدامها الله لنا فرجة وتسلية.

عن أخبار اليوم.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي