أنظمة القش

كتب
الاثنين ، ١٨ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٥١ مساءً
سهام عمر عندما تشتعل النار في الهشيم .. في القش ، ترى ما الذي يحدث؟! هل تأكل النار الصف الأول منه ، ثم تنطفيء؟ ! أم تستمر الشعلة وتنتقل من صف إلى صف حتى لا تذر شيئا تأكله ؟! أم تفتر النار و تنطفيء من تلقاء نفسها ؟! أم يقاوم القش النار ويتصدى لها ، وينجح في القضاء عليها ؟ ! لابد أنكم ، أعزائي ، قد أدركتم ما أعنيه! نعم ، أحسنتم ، أنا أتحدث عن الأنظمة العربية ،والثورات ! وبالنسبة لي ، كما أن تكون بالنسبة للجميع ، فنتيجة الصراع بينهما ، محسومة حتماً .كنتيجة الصراع بين النار والقش !! لا يمكن للقش أن يقاوم النار!! وستستمر النار في الاتقاد ،حتى آخر قشة . حتى تذره رمادا تذروه الرياح ، فيستحيل عدما ، كأن لم يكن . قد يظن القش نفسه قويا ، ويتوهم ، لأن النار خامدة ! قد يقاوم الرياح ، قد يقاوم المطر ، ويظل ثابتا في مكانه ، ولكن متى ما اشتعلت أول شرارة ، عندها عبثا يحاول الصمود والمقاومة . متى ما استفاقت الشعوب ، واشتعلت ثورة ، مطالبة بحقوقها المشروعة و المسلوبة ، لن تستطيع أنظمة القش الصمود أمامها. ولكن لماذا افترضنا أن الأنظمة العربية من قش؟ الإجابة على هذا التساؤل سهلة للغاية .. لأنها أنظمة قائمة على مصالحها ، لا على مصالح شعوبها . لأنها أنظمة ، كان كل همها ، حماية نفسها ، من شعوبها .. لا حماية شعوبها من نفسها !! لأنها أنظمة ، أحبت نفسها حتى العبادة ، فخسرت محبة شعوبها!! لأنها أنظمة ، تفننت في كسب ثقة أعداء شعوبها ، وفي المقابل تفننت في خسارة احترام شعوبها! لأنها أنظمة ، فهمت خطأ، أن الشعب من يجب أن يقوم على خدمتها ، وحراسة مصالحها!متناسية ، أنها هي من يقوم عليها واجب هذه الخدمة ! لأنها أنظمة ، لم تألُ جهدا في إذلال وقهر شعوبها، ظانة أنها بذلك تضمن بقاءها ، ونسيت أن عزتها ومنعتها ، من عزة ومنعة هذه الشعوب . لأنها أنظمة ، سعت بكل طاقاتها ، لإلغاء هوية هذه الشعوب ، ومحو عزتها بنفسها وحضاراتها العظيمة ، جهلا منها بأن هذا السحق للهوية ، هو سحق لها في نهاية المطاف ، لأنه مهما تم تغييب الهوية ، لابد أن تأتي اللحظة التي تظهر فيها لأنها متأصلة ومتجذرة ، ومن العبث القضاء عليها ! لأنها أنظمة ، لم تحترم عقول شعوبها ، واعتبرتها القطيع الذي ورثته مع الأرض ، وهذه أعظم أخطائها ، لأنها تحكم بشرا كرمهم الله بالعقل ، مهما ظنت أنها قد لغت هذا العقل !! الشعوب دائما حية ، وإن خدعت استكانتها الطويلة للظلم ، غرور الحاكم ، وظن أنها لن تصحو من غفلتها مجددا ، وستظل في سباتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها! لأنها أنظمة ، سعت بكل طاقاتها ، لإضعاف بلدانها ، بنشر الفساد والجهل والفقر ، وبالتالي التبعية للأجنبي في كل شيء ..في المطعم والملبس ..في كل شيء ..حولت الشعوب إلى أدوات استهلاكية فقط ..بلا إنتاج ..بل وتصدر العمل إلى الدول الأخرى ! حولت الأوطان إلى أسواق لمنتجات الآخرين . وحولت الشعوب إلى مستهلكين ..مجرد مستهلكين!! وكذلك هي أنظمة من قش .. لأنها حمقاء ..مغرورة ..نازعت الله في ردائه(الكبرياء).. لأنها ، سلكت السبل الخاطئة والمعاكسة ،في تدعيم ملكها من حيث لا تشعر! لذلك ، ومن حيث كانت تظن أنها تقوي نفسها، كانت تحفر قبرها ! عندما تضعف الشعوب .. عندما تضعف الأوطان.. كيف سيظل الديكتاتور قويا؟! من أين سيستمد قوته ؟! لا يمكن لنظام أن يكون قويا بينما الشعب ضعيف! لا يمكن لنظام أن يكون عزيزا ، بينما الشعب ذليل! لا يمكن لنظام أن يكون منيعا ، بينما شعبه مبتذل لكل آلات قمعه البشعة ! لا يمكن لنظام أن يمتلك كل السلطة والهيمنة ، بينما يظل الشعب مجردا منهما ! لا يمكن لنظام أن يحتفظ بكل الثروة ، وبعبث بها ، إلى الأبد ، بينما الشعب يتضور جوعا ، ويموت لأنه لا يملك ثمن البقاء حيا ! .وتخيلوا معي ، لو أن هذه الأنظمة الغبية ، قد حصنت نفسها ، بحب شعوبها ، بمنحها العزة والكرامة والحرية ! لو أنها ، لم تفرق بين مصالحها ومصالح من حكمتهم ! لو أنها وفرت لهم العيشة الكريمة ، واحترمت عقولهم! لو أنها حافظت على مصالحها ، على حساب مصالح أعدائها! لو أنها غرست فيها قيمة الحب لله والوطن! لا للصنم والوثن ! لو أنها حاربت الفساد وأخذت على يد الفاسدين ! لو أنها استغلت طاقات البلاد والعباد في البناء والإعمار وقضت على البطالة ! لو أنها حدت من التبعية للآخر ..لو !! عندها ، من كل بد ، كانت ستكسب المنعة والاستعصاء عن السقوط ، على يد أعدائها ، لا شعوبها !! . لأنها – ببساطة – المنعة الحقيقية ..الجوهرية . قد يغفو شعب ، لكنه ، لابد يستيقظ يوما . قد تنقلب الموازين ، لكن ميزان الله يبقى ، فيصحح المقلوب . قد تفرز البيئة الفاسدة ، الطغاة ..لكن من سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير ، أنه لم يفلت طاغية من عذابه المبين في الدنيا والآخرة . لذلك ، أتمنى أن ينتقل هذا المفهوم للجميع ، حتى ننفض عن أنفسنا الخوف والقنوط من الغد ! أتمنى ، لو نمتلك الإيمان الكافي ، بعدالة قضيتنا ، لذلك يستحيل أن نخسر! أتمنى ، لو نمتلك اليقين ، بأنه لم يعد للطغاة مجال للربح ، وكسب الجولة الأخيرة . لأن الجولة الأخير – دائما – للشعوب ، مهما طال الوقت ، ومهما طالت الجولات . أتمنى ، أن لا نكل من النضال ، لأنه مخرجنا الوحيد والأخير. لأن النصر لا يقدم – مطلقا – على طبق من ذهب ! كما أتمنى ، أن لا نستبطئ النصر – مهما تأخر- لأنه قادم ، وفي الساعة التي يحددها الله ، فكما للميلاد ساعة محددة ، كذلك لميلاد الحرية ساعة محددة ، في لوح محفوظ . ثقوا – كذلك – أن الله لا يؤتي نصره للقانطين ! الله يؤتي نصره –فقط – للمؤمنين بنصره ..للمؤمنين بعدله ..للمؤمنين بقضيتهم العادلة ! لاحظوا ، أن الله ، كان يختبر إيمان رسله وأنبيائه ، في كل مرة ينقلهم إلى النصر! لقد أسرى بسيد الخلق- محمد صلى الله عليه وسلم - بعد أن طاف بأكثر من عشرين قبيلة طالبا للنصرة ، وخذلته جميعا ، وليس قبلا . لقد جعل النار بردا وسلاما على أبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، بعد ما ألقي في النار! ، وليس قبلا . لقد أرسل الكبش فداء لإسماعيل ، بعد أن وضع إبراهيم السكين على رقبته ، وليس قبلا . لقد شق البحر لموسى ، بعد أن كاد فرعون وجنوده ، اللحاق به هو وقومه ، وكان البحر من أمامهم ! وليس قبلا . لاحظوا ، في الأمثلة السابقة ، أن الله ، لم يكن يعطي نصره إلا في اللحظة التي من المفترض أن يكون فيها القنوط واليأس من رحمة الله ونصره ، في ذروة سنامه ، ولكن بدلا عن ذلك ، يظهر رسله الثقة المطلقة به ، وبأنه لابد مدركهم برحمته ونصره ! . ساعتها – فقط – يمدهم بنصره المبين . لذلك يجب ألا تغيب عن تفكيرنا ، هذه الأمثلة القوية ، لتمدنا ، في ساعات القنوط القصوى ، بالإيمان العظيم ، بأن الله – لابد – ناصرنا . يجب أن ندرك أيضا ، أن هزيمتنا ، لابد ، وشيكة ، إذا فقدنا هذا الإيمان بعدل الله ونصره .
الحجر الصحفي في زمن الحوثي