اليمن وديمقراطية العم سام

كتب
الخميس ، ٠٢ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٣٤ مساءً
بقلم / أحمد الشرعبي ما ينبغي التشديد عليه حاجة اليمنيين لانتهاز فرصة التحرر من كابوس الصراع والارتهان له والعمل على دعم ومؤازرة الرئيس اليمني القادم وعدم السماح بإضعاف قدرته على إيصال هذا البلد المنهك إلى بر الأمان تتهيأ اليمن لإجراء الانتخابات الرئاسية المزمع إنجازها في 21 من هذا الشهر، وتعد في رأي كثيرين أحد المخارج الاضطرارية لانتشال البلاد من تداعيات الصراع والتسريع بوتائر انتقالها من مرحلة التغيير المفعم بأريج الربيع الثائر إلى شط السلامة كما رسمته واجتهدت في تصوره المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. ويحتشد خلف المرشح الوحيد لهذه الانتخابات إجماع سياسي غير مسبوق وسط تباشير فرائحية يعكر صفوها ندب علاقة قسرية مع الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وحزبه _ نصف الحاكم _ وما ساد حقبة الـ33 عاماً من إمعان التكتيك وافتقاد كامل لعنصر الثقة بين الحاكم وشعبه، وباب في التكتيك جعل من الصعوبة بمكان أخذ وعوده على محمل الجد أو التعامل مع تعهداته بصورة تحتمل الثبات؛ إذ غالباً ما كان الرجل يقول شيئاً في العلن ويرتب لنقيضه في واقع الممارسة، وهو الأمر الذي أثار هواجس البعض تجاه دعوته الموجهة إلى أركان حزبه يحثهم على ملء صناديق الاقتراع ويدعوهم إلى الإفادة من تجاربهم التحالفية السابقة التي سادها خذلان الحليف الأول من شركاء التسويات السياسية عقب حرب 94م وخروج الحزب الاشتراكي من ثنائية الحكم في دولة الوحدة. الانتخابات الرئاسية المبكرة وإن بدت السبيل الأمثل لمواجهة ظرف داخلي عصيب إلا أنها مع ذلك أحالت اليمن إلى مسرح لسوابق مستهجنة لا نظير لها في مختلف الديموقراطيات الناشئة. إنها لا تفتقر لعنصر التشويق فحسب وإنما تكشف الغطاء عن حقيقة التوجهات الغربية العتيدة وضعف حساسيتها إزاء التقاليد الديموقراطية التي كان الأصدقاء قد عملوا على تكريسها في أذهاننا، محاطة بهالةٍ من الإقحام والإلزام والمهابة.. فلأول مرة تقف دول الغرب ومنظماتها ذات العلاقة إلى جانب انتخابات معلومة النتائج سلفا،ً وهي تشارك في تقديم الدعم المالي السخي لتمويل إجراءاتها الفنية ولجانها الرقابية مع أنها غير تنافسية وتقام بمرشح واحدٍ ووحيد. قلت إن عبدربه منصور هادي يستند لإجماع سياسي ندر أن يكون له مثيل وسوف أُضيف إلى هذا رصيده الوحدوي الذي لا غبار عليه، زد عليه احترام المجتمع لأدائه القيادي ومهارته في الوقوف على مسافة متساوية من كل القوى المسيجة بإرث الصراع وتقاسم الغنائم، وقدرته على الإمساك بزمام السيطرة في أشد حالات اليمن خطورة.. وخصائص بهذا القدر من التضافر شكلت إجماعاً إقليميا ودولياً حول تصدره مهام الحكم.. لكننا لا نبحث في شخص الرجل وقدراته قدر اشتغالنا في مناقشة خطوات إجرائية ملتبسة من شأن التغاضي عنها ترويض المجتمع على قضم القيم المعاصرة وإحالتها على معدة التخلف ذات القابلية الفورية لهضم الوجبات غير الصحية دون تمحص. هل من حاجة لبيان الأضرار الفادحة جراء تمرير الأخطاء واعتمادها أساسا لبناء المستقبل أو التصدي المسؤول لتحدياته. أحياناً لا يكون التمسك الحرفي بالنصوص تعبيراً عن حسن نية ناحيتها أو تقريراً أميناً لمكانتها وحرصاً على الالتزام بها قدر ارتباط ذلك بأهداف مبيتة، ومعلوم عن المبادرة الخليجية انطلاقها من ضرورات ملحة لفض الاشتباك العنيف بين الأطراف والاستجابة لمطالب الشعب بإزاحة صالح وأركان حكمه عن السلطة، وليس من معنى آخر يفسر النص غير الانتهاء من تنفيذ الالتزامات المتعلقة بخروج الحاكم آمناً هو وحقائبه ما يعني بالضرورة استعادة الشعب سلطته ليتولاها بديل مقبول من طرفي الصراع كما هو محل ثقة الضحايا خارجهما لفترة زمنية استثنائية تتقابل مع ظرف استثنائي.. فما الحاجة _ والحال كذلك _ لتعسف مقاصد المبادرة واستدعاء القواعد المعمول بها في أوضاع اعتيادية بدلاً عن المعالجات المرحلية الطارئة؟ البارعون في علوم الترجمة يشغلهم المعنى والدلالة ويركزون على المفهوم.. جوهر النصوص لا حرفيتها، فلماذا لا يكون الأمر ذاته ممكناً في وضع وفهم دلالات ومقاصد الجهد الخليجي؟ يتعين أن لا يعلق الساسة في اليمن أزماتهم الذاتية على شماعة الأشقاء وبما هو معروف ومتداول فقد جاءت أفكار المبادرة من اليمن وأتيحت لطرفي الصراع فرص تداولها ومراجعتها وتشذيبها كما تفهم الأشقاء تعديلاتهما على المبادرة من خلال الآلية التنفيذية المزمنة، وفي تلك الأثناء لم يبدر عن أي من هذه الأطراف اعتراضاً موثقاً على سلق نموذج للديمقراطية شبيها بنفحات التجارب الديمقراطية التي أبدعها الكتاب الأخضر وروتها تعددية بشار الأسد وصاغتها عبقرية مبارك ومدنية زين العابدين بن علي. المؤكد أن الانتخابات الرئاسية توفر فرصة نادرة أمام مجتمعاتنا النامية المتشوقة لاختبار حرص المنظمات العالمية ذات الصلة بموضوعات الديمقراطية، ولا ريب أن لفيفاً من المراقبين الدوليين سيزورون اليمن ويتعهدون بحراسة صناديق الاقتراع وضمان تكافؤ الفرص خارج صناديق الاقتراع وضمنها.. وسيكون على كتاب الرأي والمحللين خوض سباقات التكهن والفراسة! لهذا أسبقهم جميعاً بالكشف عن ميول الناخبين قبل فرز أوراق الاقتراع!! إننا ونحن نتحدث عن موضوع لا معنى له نؤكد بأن الانتخابات الرئاسية في اليمن تشجع على تواكل الأطراف المتعاهدة على صناعة النتيجة المسبقة، ولعل تقاعسها في تجفيف ومعالجة الحنق الجنوبي وتوانيها عن إخماد بؤر التوتر في غير محافظة يمنية يوحي برغبة مشتركة هدفها إضعاف المرشح التوافقي والشراكة في ابتزازه.. وما ينبغي التشديد عليه حاجة اليمنيين لانتهاز فرصة التحرر من كابوس الصراع والارتهان له والعمل على دعم ومؤازرة الرئيس اليمني القادم وعدم السماح بإضعاف قدرته على إيصال هذا البلد المنهك إلى بر الأمان، وتلك مهمة الغيورين والحرصاء بصرف النظر عن الموقف من الطريقة المقترنة بإجراء الانتخابات، وفي رأينا أن الإمكانية الوحيدة لإسناد دور المرشح الرئاسي تتمثل بتقسيم أوراق الاقتراع إلى 3 بطاقات يخصص اللون الأول منها للمؤتمر الشعبي العام وحلفائه والثاني لأحزاب اللقاء المشترك بينما يكون اللون الثالث للأحزاب خارجهما ومن معها من المستقلين، وبهذا يصبح ثمة معنى تقريبي للانتخابات وملامح أولية عن الخارطة الحزبية ويكون لدى الأشقاء وسيلة تحول وتواكل طرف في ثنايا الآخر.. وربما كان على إخوتنا في الخليج اعتبار المعضلة اليمنية موضع شراكة تستوعب كل الفرقاء على الساحة الوطنية، واعتماد اليقين بأن لهذه المعضلة جذرا رئيسا يتمثل في ثقافة الغلبة ونواميس الإلغاء التي سادت رحلة الشتاء القارس. الوطن آون لاين
الحجر الصحفي في زمن الحوثي