ذكرى التصالح والتسامح إستحضار لجرائم الماضي

علي هيثم الميسري
الاثنين ، ١٥ يناير ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠٧ مساءً

مع كل إطلالة لذكرى مجزرة يناير 86 تطل علينا وجوه مكفهرة مجدبة من ماء الحياء تتغنى بشعار التصالح والتسامح ليومين أو ثلاثة أيام ثم ما تلبث أن تهدأ هنيهة حتى تعود مجدداً لممارسة عاكس ما يحمله شعار التصالح والتسامح من فضائل وشعور بالذنب لما أقترفه من جرائم تجاه من تتغنى في وجوههم ذلك الشعار لا سيما أصحاب المضالم ، ففي ذكرى يوم المجزرة لهذه السنة أطلت علينا أحد تلك الوجوه بتصريح يتغنى فيه قائلاً : سيظل التصالح والتسامح الجنوبي النهج الأصيل الذي ينير لنا الطريق .. فعن أي طريق يتحدث ؟ ، فكل الطرق أوصدها في وجوه أبناء الجنوب الذين يبحثون في ثنايا ما تبقى من حياتهم عن عيش كريم ولو الحد الأدنى مما يعيشه ذلك المخلوق الذي جعل من حياتهم مأساة يعيشها شعب الجنوب يفتقدون بها اللقمة الكريمة فلا يجدونها إلا بشق الأنفس .

 

 

      التصالح والتسامح الحقيقي ليس شعارات بل سلوك يـُمارس على الواقع تجاه الخصوم ، وأول من سلك درب التصالح والتسامح ومارسه دون أن يعلن عنه هو طيب الذكر فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي ، ففخامته مارسه مرتين أولاها كان في العام 94 بعد أن دخل عدن فاتحاً ، وحينها أمر كل أفراد قواته بأن لا يطلقوا ولا رصاصة واحدة في صدور خصماء وأعداء الأمس ولا يقتحموا بيتاً حتى وإن كانت بيوتهم بعد أن أستولوا عليها وسكنوها خصومهم بعد حرب 86 ، والثانية كانت بعد خروج الحوثة من عدن حينما قـَلـّدَ خصومه وأبناءهم في مناصب في السلطة والحكومة ، فما كان من خصومه إلا خذلانه والتآمر عليه أولئك الذين يتغنون الآن بشعار التصالح والتسامح .

 

 

     إذا أراد مطربي وفناني التصالح والتسامح أن يحيوه بحق وواقع ملموس فعليهم أن يستحضروا أولاً المجازر الذي إرتكبوها أو آباؤهم ويعلنوا عن مؤتمر جنوبي عام للتصالح والتسامح ، يدعوا فيه كل قيادات ماقبل 86 من رفقائهم وخصومهم وكل من مات لا سيما من الخصوم فهناك أبناءهم أو أخوانهم ، وفي المؤتمر يعلن كل من شارك في هذه المجزرة من كلا الجانبين عن جسامة وفداحة جرائمهم ويطلب العفو من كل إبن قـُتـِلَ أباه أو أب قـُتـِلَ إبنه ومن كل أخ نـُكــِّل بأخيه ثم قـُتـِل أو تم دفنه حياً أو وضــِع في حاوية حتى مات مخنوقاً ، ويطلبوا منهم العفو والسماح أو القصاص بنية صادقة وليس مجرد إعلان أو شعار للإستهلاك الإعلامي ، وعلى الجميع أن يدرك بأن من تحلل من دم مخلوق في الدنيا خيراً له بأن يقابل خصمه أمام قاضي السماء فيـُخـَلّد في نار جهنم وبئس المصير .

 

 

 

     من السهل على القاتل أو ذوي القاتل أن يدعوا للتصالح والتسامح ولكن يــَصعـُب على ذوي المقتول أن يتعاطوا مع هذا الشعار برحابة صدر فجللهم كبير وفاجعتهم أكبر ، وخصوصاً أن من ينادي بهذا الشعار لا يزال يمارس الخنق والحصار والعنصرية والإقصاء والسجن والإختطاف والتنكيل في معتقلاتهم تجاه من يدعوهم للتصالح والتسامح ، وحتى يكون هذا الشعار واقع ملموس نراه في سلوك أولئك المنادون بهذا الشعار عليهم أولاً إطلاق كل السجناء والمعتقلين والمخفيين قسراً من معتقلاتهم ، ويتم تعويضهم عن كل ساعة قضوها في المعتقل وعن كل خدش أو وخزة أو حتى كلمة جارحة تعرضوا لها منذُ لحظة إعتقالهم حتى لحظة إطلاق سراحهم . 

 

 

     ثانياً إحتواء كل أبناء الجنوب في وظائف ومناصب بدلاً من إيثارها لأنفسهم وأقربائهم ولأبناء مناطقهم حينها سنشهد بأنهم ساروا على درب التصالح والتسامح وحذوا حذو طيب الذكر فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي الذي لم يتغنى بإسطوانة التصالح والتسامح المشروخة بل مارسه على أرض الواقع ، وإن أستمروا في غيهم وجورهم وغطرستهم كل أيام السنة حتى تأتي ذكرى مجزرة 86 ونادوا بشعار التصالح والتسامح معنى ذلك بانه سيظل ذلك الشعار ليس إلا إستحضار لجرائم الماضي وتذكير ذوي المفقودين بالحزن والألم والغبن وإحياء في نفوسهم دائرة التفكير بالثأر لمفقوديهم .

 

علي هيثم الميسري

الحجر الصحفي في زمن الحوثي