الجوع وهيكلة المؤسسة العسكرية من أولويات اليمن

كتب
الاثنين ، ٢٢ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٢٩ صباحاً

كتب - ليلى بديع

يبدو أن ظاهرة التظاهر للتعبير عن رأي الشارع ورفضه لبعض القوانين الحديثة في الدول التي حصلت فيها ثورات الربيع العربي، أصبحت ظاهرة موحّدة، فيوم الاربعاء في العاشر من تشرين الأول الجاري سارت مظاهرة حاشدة لشباب ساحة التغيير بصنعاء، مطالبة بسرعة بإقالة أقارب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، من الجيش والأمن وعلى رأسهم نجل صالح العميد أحمد، الذي يقود الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، إضافة إلى نجل شقيق صالح العميد يحيى، الذي يقود أركان حرب قوات الأمن المركزي، ورفعت المسيرة التي طافت بشوارع وسط العاصمة صنعاء، شعارات تطالب بإسقاط الحصانة التي حصل فيها صالح بموجب المبادرة الخليجية، واسترداد الأموال المنهوبة من خزينة الدولة، واستكمال أهداف الثورة الشعبية، وطالب المتظاهرون بمحاكمة كل المتورطين في قتل شباب الثورة، والافراج عن المعتقلين، وتقديم الرعاية للجرحى الذين سقطوا في مختلف الفعاليات الثورية.

وبالتزامن مع المظاهرة وبالإضافة إلى ملفات اليمن الأمنية مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وعودة تسليح الحوثيين من قبل إيران واجتماعات الحراك الجنوبي في أوائل الشهر الجاري في جنوب اليمن لتزخيم المطالبة بانفصال الجنوب، إلى جانب الملفات الاجتماعية والاقتصادية المنتفخة، دخل ملفان ملحان على الملفات يحصلان على الأولية، الأول يهتم بإعادة هيكلية الجيش هيكلة حديثة، وملف محاربة الفقر وسوء التغذية.

وعلى صعيد الملف الملحاح ايقاع المؤسسة العسكرية بعد الانشقاقات التي شهدتها جراء الثورة واستمرار إبن الرئيس السابق علي عبد الله صالح العميد أحمد الذي يقود الحرس الجمهوري والقوات الخاصة ونجل شقيق صالح العميد يحيى، الذي يقود أركان حرب قوات الأمن المركزي، وهذه المرافق هامة وتتعارض مع خطة إعادة الهيكلة للقوات الأمنية والعسكرية في هذه المرحلة الانتقالية. هذا إلى جانب بعض القيادات العسكرية التي ما زالت موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح والتي تجهر بذلك تحدياً.

وحول الموضوع نفسه أكد وزير الدفاع اليمني اللواء الركن محمد ناصر أحمد، ضرورة إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية على أسس حديثة ومتطورة ووفقاً لعقيدة عسكرية علمية صحيحة وذلك في العاشر من الشهر الجاري، مشيراً في اجتماع للفريق الفني المكلف بإعادة هيكلة وزارة الدفاع والقوات المسلحة، وذلك لأن طبيعة تكوين ومهام المؤسسة العسكرية والأمنية ونظامها وعقيدتها تفرض عليها مواكبة التحديث والتطوير وفقاً لمتطلبات العصر وعلى قاعدة النوعية والجودة قبل الكم.

وبحسب الفريق الفني، فإن هيكلة الجيش ترتكز على ثلاثة اتجاهات رئيسية هي:

1 - اتجاهات السياسة الدفاعية والأمنية.

2 - مبادئ العقيدة القتالية والسياسية والأمنية.

3 - مبادئ العقيدة القتالية والسياسية الأمنية، والحجم الأمثل للقوات المسلحة.

وناقش الفريق الأمني، بحضور الوفد العسكري الأميركي برئاسة مساعد وزير الدفاع لشؤون العمليات الخاصة مايكل شيهان، والفريق الفني المساعد برئاسة نائب مدير دائرة التخطيط والاستراتيجيات والسياسة في المنطقة الوسطى العميد رالف جروفر، والبعثة العسكرية الأردنية برئاسة رئيس هيئة القوة البشرية في الجيش الأردني اللواء محمد فرغل، وبعثة الاتحاد الأوروبي برئاسة رئيس البعثة جان ماري صفا، واقع حال القوات المسلحة اليمنية وأهم الصعوبات والاشكالات والاختلالات في هيكلها والتحديات المتعددة التي تواجهها والتي تتطلب معالجتها بهدف اعداد قوات مسلحة نوعية احترافية قادرة على الايفاء بالتزاماتها واداء مهامها العسكرية بقدرة وكفاءة عالية.

هذا على الجانب الأمني واعادة الهيكلة ولكن ماذا عن الفقر والجوع المنتشر في اليمن وسوء التغذية. صحيح أن الفقر المدقع في اليمن ظاهرة طبيعية وأن غالبية الأفراد يعيشون على أقل من دولارين ونصف في اليوم، إلا أن هذا المبلغ الزهيد لا يتوفر وأن أكثر من عشرة ملايين شخص من الــ 34 مليون عدد سكان اليمن تعيش تحت خط الفقر الثالث، أي أنها لا تتوفر على ثلاث وجبات في النهار حتى من الخبز، وأن العديد من هؤلاء لم يعرفوا طعم اللحم والدجاج والبيض من سنوات.

ونتيجة لهذه الأوضاع المزرية المعيشية للإنسان اليمني، أعلن وزير التنمية البريطاني آلان دنكان في صنعاء ليل العاشر من الشهر الجاري، عن حزمة دعم جديدة لليمن مقدمة من بريطانيا بمبلغ 35 مليون جنيه استرليني (56 مليون دولار) على المدى الطويل تستهدف برنامج مساعدة تحسين التغذية لنحو مليون و650 ألف امرأة وطفل في اليمن.

وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده في صنعاء وزير التنمية البريطاني آلان دنكان وحضره وزير التخطيط والتعاون الدولي اليمني الدكتور محمد السعدي وممثل اليونيسيف في اليمن جيرت كالبيلير، الدول المانحة على اتخاذ خطوات طويلة الأمد لمعالجة سوء التغذية في اليمن قبل أن «تصبح بمثابة حكم بالاعدام لعشرات الآلاف (...) هناك أكثر من عشرة ملايين شخص في اليمن يواجهون خطر نقص الغذاء في مناطق كثيرة في اليمن، ما يعني أن واحداً من كل ثلاثة أطفال يعاني من سوء التغذية الذي يهدد الحياة بشكل حاد (...) لقد التزمت المملكة المتحدة بتقديم الدعم الجاد والهام لليمن خلال السنوات الثلاث المقبلة. ونتيجة ذلك ستقوم منظمة اليونيسيف مع الحكومة اليمنية للتخطيط على المدى الطويل لإيجاد حلول للأزمة الراهنة التي من شأنها أن تعالج الأسباب الجذرية لسوء التغذية بدلاً من معالجة الأعراض فقط. وأكد الوزير البريطاني أن الوقت حان «للاستثمار في المستقبل واستهداف الأطفال الذين سيعملون على اعادة بناء واستقرار البلد في السنوات العشرين أو الثلاثين المقبلة».

واعترف وزير التخطيط والتعاون اليمني محمد السعدي بوجود سوء التغذية في البلاد، وقال ان «اليمن يعاني من أزمات اقتصادية نتاج أزمات سياسية (...) هناك نتائج للفقر أدت إلى سوء التغذية».

وقدر برنامج الأغذية العالمي في أيلول/ سبتمبر، ان نصف سكان اليمن، أي أكثر من عشرة ملايين شخص، يعانون الجوع ويحتاجون لمساعدات غذائية.

قد يقول قائل ليس بهام الحديث عن سوء التغذية والفقر في اليمن طالما أنها عاهة مستدامة مصاب بها المجتمع، ولكن الواقع الحقيقي لليمن قبل خمس سنوات لم يكن بهذا السوء وقد التقيت أشخاص في وضع مزرٍ معيشياً ووسخٍ على صعيد الجسد والملابس، ولما سألت ما دخل الفقر بقلة النظافة قالوا إننا نسكن في أماكن مهمشة، الماء يحتاج إلى المال وكذلك الصابون ونحن لا نجد حتى الخبز أحياناً.

مشكلات اليمن وملفاتها في مختلف مناحي الدولة منتفخة وخاصة على صعيد الملف الأمني، حيث يعتبر الفلتان الأمني خبز اليمني المجاني ومن آخر هذا الخبز عند كتابة هذه السطور، اغتيال المسؤول الأمني ومسؤول التحقيقات في السفارة الأميركية قاسم عقلان في الحادي عشر من الشهر الجاري وهو يمني الجنسية، وقد اغتيل في شارع الستين في العاصمة اليمنية أثناء قيادة سيارته من قبل مسلحين مجهولي الهوية على دراجة غرب العاصمة صنعاء. وكل المؤشرات تشير إلى وقوف تنظيم القاعدة وراء هذا الهجوم الذي يعتبر الأول من نوعه والذي استهدف مسؤولاً أمنياً يمنياً يعمل في سفارة.

الاغتيالات الأمنية في اليمن باتت بعد الثورة شيئاً طبيعياً، وعادة هذه الاغتيالات التي تطال النخبة من المسؤولين في الجيش والقوى الأمنية، لكنها الأول لعامل يمني بمنصب رفيع في سفارة أجنبية.

من يتأمل يوميات اليمن يجد أنها أصبحت بلاد الموت بالمجان لا لثأر بين القبائل فقط بل لقوات تنظيم القاعدة في اليمن الذين باتوا يقتصون من كل من يعتبرونه يقف في طريقهم.

(الدستور)

الحجر الصحفي في زمن الحوثي