الرئيسية > محليات > تعز وشاية اللون .. سور الشعب يروي سيرة لونية للمكان والزمن ورسالة محبة لليمن

تعز وشاية اللون .. سور الشعب يروي سيرة لونية للمكان والزمن ورسالة محبة لليمن

 

استطلاع ـ منال الأديمي :

كمسطح فني معاصر يمثل نداءً ضد عزل الفن في قاعات العرض .. وهذا ما فعله مبدعو تعز حين بدأت فرشاتهم السحرية برسم ألوان ووجوه من الفرح والبسمة
جدراننا تتحرر من «شخابيط» ساذجة

الكتابة على الجدران ظاهرة تفصح عن صعوبة بالغة في التعبير عن خبايا الذات ومعاناتها بصورة طبيعية ويمكننا القول إن الظاهرة منتشرة حتى في القدم ومازالت, وكانت موجودة في قديم الزمان ومنذ الحضارات القديمة كالفرعونية واليمنية والبابلية وغيرها من الحضارات, حيث كانوا يقومون بتسجيل الأحداث اليومية والحاسمة لديهم والنصوص الدينية على الألواح الحجرية وجدران المعابد والمقابر على شكل كتابات تصويرية ساعدت كبار الباحثين وعلماء الآثار المعاصرين على معرفة تاريخ تلك الحضارات, أي أن تلك الظاهرة لديهم كانت لها مسبباتها الايجابية باعتبارها توثيقاً لحقبة معينة من الزمن.(الهيب هوب)

- وفي وقتنا الحاضر أخذت الكتابة على الجدران منحى آخر, فهي في معظمها ليست لفائدة بقدر ما هي تخريب وتشويه للمال العام والخاص معاً، فالبعض منها يجعلك تضحك والبعض يحزنك أن يكون الحال قد وصل بنا إلى هذا المستوى الأخلاقي والاستهتار.. تجد عبارة على جدار مكتوب كل التناقض عليها تبدأ بـ (لو سمحت لا ترمِ القمامة هنايا.... إلى أن تنتهي الشتيمة بسابع جد) والغريب أنها جملة مسبوقة بكلمة “لو سمحت”!! ووجود أكوام من القمامة مكدسة تحت تلك العبارة لدرجة أنك صرت تستحي إن زارك أحد ورأى تلك الكتابات على جدارك, أو أن تكون أولى الكلمات التي يتهجاها أطفالك هي تلك الكلمات البذيئة على جدار منزلك أو جدران الحارة حيث يلعبون !! أو أن تجد جملة (الصبر مفتاح الفرج) جملة تراها على جدار وكأنها رسالة استفزازية موجهة إلى صاحب ذاك الجدار المالك الذي يكد ويعاني ويخسر في إعادة طلاء أو ترميم ذاك الجدار.

- فالكتابة على الجدران أبسط الطرق وأيسرها وأسهلها وأرخصها كذلك، كما أنها رسالة سهلة الوصول، فهي لا تحتاج لساعي بريد، إنما المارة هم من يأتونها فيقرؤونها، ولذا فهي وسيلة رخيصة، بل لا تستدعي دفع أموال من جيوب هذه الفئة، وإنما الأموال تخرج من جيوب أصحاب الجدران, وقد ارتبطت هذه الظاهرة بفرق (الهيب هوب) الذي كان منتسبوها من رواد كتابة الشعارات على الجدران أوائل الستينيات رداً على ما تعرضوا له من ظلم وجور من قبل أصحاب البشرة البيضاء.. ولكن في عالمنا المحلي لماذا انتشرت هذه الظاهرة على جدران المؤسسات العمومية وجدران المنازل ومحولات الكهرباء بالأحياء الشعبية وداخل المساجد والمطاعم والمتنزهات حتى الأشجار لم تسلم من تلك الظاهرة !!.
جهد جميل
- وعن أسباب تفشي هذه الظاهرة وتزايدها في الآونة الأخيرة أوضحت الدكتورة أنيسة دوكم- أستاذ الصحة النفسية المشارك بجامعة تعز بالقول: “بخصوص الظاهرة أعتقد أن أهم الأسباب هي عدم وجود متنفسات للشباب ليمارسوا هواياتهم ويخرجوا طاقاتهم، وعدم وجود جهة تهتم بهم وتعمل على تحسس احتياجاتهم, فيقومون بإفراغ هذه الطاقات بشكل سلبي بالكتابة على الجدران، وكراسي الدراسة وغيرها.. وأحياناً تأخذ هذه الكتابات شكل عدوان سلبي كتفريغ لطاقة العدوان التي لم يتم احتواؤها وتعويدها على المسؤولية والمواطنة الايجابية.. كما أن من الأسباب قصور في التربية من قبل الأسر أو المدارس، وبالتالي لا يحس الشاب أن ما يفعله خطأ أو يؤذي به أحد.
- وفيما يتعلق بالحملة الشبابية لتلوين جدران المدينة, قالت: “بالنسبة لحملة الرسم على الجدران فأنا معجبة بها جداً وسعيدة بالمبادرات الشبابية وأتمنى أن تتوسع لتشمل أشكالاً عديدة من المبادرات المفيدة للمدينة ومظهرها الحضاري، وأتمنى أن توجد مبادرة للنظافة، وأدعو الجميع للتعاون مع هؤلاء الشباب وعدم تخريب جهدهم الجميل وحمايته وتشجيعهم.

عناوين تربوية

الجدار هو أول مسطح خطت فوقه يد الإنسان مخاوفها وهواجسها، استقبل في صمت طويل تعاويذه السحرية، ثم رسومه الطقسية والشعائرية، رحلة البر الغربي، ونزهات أفروديت البحرية، صور السيد المسيح متخفياً عن أعين الرومان، محاريب وقبور وأنهر وسجلات، وصولاً لحضور الجدار كمسطح فني معاصر يمثل نداء ضد عزل الفن في قاعات العرض, وهذا ما فعله مبدعون ورسامو تعز حين بدأت فرشاتهم السحرية برسم ألوان ووجوه من الفرح والبسمة افتقدتها الحالمة منذ زمن فكانت فكرة (تعز .. ألوان الحياة) بمجهود شبابي, ورسامين ومبدعين هم القائمون على المشروع الجمالي والإبداعي, وقد أشاروا إلى صفحة المشروع في (الفيس بوك).
- كانت فكرة سور مدرسة الشعب ليروي سيرة لونية للمكان والزمن ورسالة محبة.. وعن (تعز.. ألوان الحياة ) حدثنا صاحب الفكرة والمشروع الفنان الدكتور مفيد اليوسفي أستاذ تاريخ الفن والتصوير والتصميم بجامعة إب، وبدأ حديثه قائلا: “إن المشروع بدأ مبكراً بكل تفرعاته وأهدافه التربوية, كمشروع تربوي جمالي يحمل اسم “تعز ألوان الحياة “ وعناوين تربوية خالصة, يستهدف الجميع كبارا وصغارا عنوانه الأول مناصرة مادة التربية الفنية والجمالية وتفعيل جوهرها في البرنامج الدراسي اليومي في المدرسة اليمنية والتعليم الثانوي, مؤكداً أن مشروع “تعز.. ألوان الحياة” و” تعز سيرة لونية” سيعود بمجمل أهدافه إلى الانضباط التربوي الجمالي .. موضحاً: وقد تم الحديث بشكل مبكر مع الجهة المختصة بالمحافظة على تنظيم هذه العملية وتم تقديم عدة مقترحات تضمن جودة هذا النشاط البصري الهادف إلى إزاحة القبح والتشوهات العالقة في النفوس وفي واجهة المدينة.

مشروع طوعي

- وحول أهداف المشروع يقول اليوسفي: ان من ضمن أهداف المشروع الاستراتيجية والرئيسية أنه يدعو إلى افتتاح كلية للفنون الجميلة والتربية الفنية باعتبار هذا النوع من التخصص والأقسام متواجدة في التعليم الأكاديمي في محافظات ذمار والحديدة وإب, متسائلاً عن استثناء تعز وجامعة تعز وشباب تعز رغم حالة الإبداع الاستثنائية التي يتسم بها شباب محافظة تعز في جميع الساحات.
- وبشأن المناطق التي يستهدفها المشروع أوضح اليوسفي: أن المدينة قُسمت إلى مربعات بهدف تجميل وليس تلطيف أسوار المباني العامة، داعيا الشباب إلى النزول بشكل مجاميع منظمة .. ويضيف: إن مشروع “تعز ألوان الحياة” من ضمن أهدافه انه لا يشجع على الاعتداء على الحقوق الفكرية والإبداعية بل احترام حقوق الملكية، والمشروع طوعي يستهدف المواهب, وتم إعلام جهات مسئولة وشخصيات اعتبارية لدعم ورشة عمل وتدريب لمناقشة تدريب الشباب والموهوبين على فكرة كيفية التصميم لفن الجداريات، وفن الرسم على جدران الشوارع والفرق بينهما .. مشيراً إلى أن برنامج “ تعز ألوان الحياة” يتعرض للاستنساخ والتربح من قبل “نكرات”.

مفردات يمنية

- وأضاف اليوسفي: “البرنامج لا يستثني احداً ولا يقصي احداً, وهذا المشروع تربوي جمالي ينطلق من المدارس ويستهدف مجمل المدينة ومنذ الخميس قبل الماضي نعمل على تأسيس وتهيئة مساحة المستطيل في سور مدرسة الشعب لعمل جدارية تستدعي مفرداتتنا اليمنية التاريخية “ الحميرية و السبئية “ وتتعاطى مع المعالجات البصرية المعاصرة وتستضيف رموز وجماليات المعيار الإسلامي والعربي ذي الخصوصية اليمنية , وقال : “نعد الكل بعد مضي أكثر من شهرين ولازال سور مدرسة الشعب في مرحلته الأولى بأنه لم يتعرض إلى سوء وتشويه, مما شجعنا على النزول مجدداً لإعادة صياغة البنية اللونية وإضافة موضوعات ذكرناها سلفًا, وأن المشروع يدعو المواهب الشابة إلى الانضمام لمشروع “تعز ألوان الحياة “ الجديدة والمنضبطة والتي تتكئ على إبداع الشباب أنفسهم..
- وفي ختام حديثه قال اليوسفي: “نحيي كل الجهود الأخرى والمجاميع التي بادرت ونزلت لتكوين تعز, والمأمول من الجميع الانضباط بمفهوم جماليات الألوان وعدم تشويه الجدران كون هناك من يتربص بالمشروع حتى لا يتاح المجال لمثقفي المكيدة والطفيليين والادعياء.

وفي الأخير نسجل كلمة شكر لمحافظ المحافظة شوقي هائل وللأخ لطفي عبد الحميد نعمان مدير عام الشركة اليمنية للطلاء ومشتقاته على نبله وكرمه وتبنيه الجاد لأهداف المشروع والشكر موصول إلى الدكتور ياسين عبد العليم القباطي ود. عبدالله الذيفاني ود. عبد الرحيم السامعي والأخ وكيل المحافظة المهندس مهيب الحكيمي.
- جدير بالإشارة إلى أن فريق العمل الجديد للمشروع يضم نخبة من المحترفين والفنانين كالدكتور مفيد اليوسفي وحسن صالح البعداني وآخرين من خريجي التربية الفنية بجامعة إب.

عن صحيفة الجمهورية


الحجر الصحفي في زمن الحوثي