الرئيسية > محليات > تعز .. 120 سـاعـة حـرب !!

تعز .. 120 سـاعـة حـرب !!

 

محرقة ساحة الحرية بتعز بتأريخ 29 / 5 / 2011م ستضل شاهدة على مدى القبح والطغيان والوحشية التي وصل إليها الحاكم المستبد  , وحشية لم تعرفها حروب الدول ولا غزواتها في مواجهة شعوبها أو حتى في مواجهة  بعضها البعض إذ استمر القتل والتدمير للساحة من الساعة الخامسة  من عصر يوم الأحد وحتى الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي في معركة غير متكافئة بين أرتال من الجنود المدججين بالأسلحة المختلفة ينتمون إلى مختلف الوحدات العسكرية وكل هؤلاء يمسكون بالأسلحة ويطلقون النار بشكل عشوائي على أناس عزل في ثورة سلمية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ,  حكايات وشهادات مخيفة وروايات مفزعة يرويها أصحابها  في الأسطر التالية ..

 أعدها للنشر / محمد الحذيفي

تعسفات مديرية القاهرة من قبل وجود الساحات

(محمد على محمد الحذيفي)  أحد سكان  حي ساحة الحرية يروي لنا شهادته حول المحرقة فيقول  : شاءت الأقدار أن تكون ساحة الحرية مجاورة للمنزل الذي أقطن فيه منذ أكثر من 15 سنة بالإيجار , وفي نفس ذلك اليوم الذي تم فيه إحراق الساحة وفي تمام الساعة الرابعة عصرا كنت جالسا أمام إحدى خيام الساحة وبدأت أسمع نداء المايكرفونات بالتوجه إلى المديرية – مديرية القاهرة - المجاورة للساحة والقريبة من منزلي وذلك للضغط على المسئولين لإطلاق سراح الثوار المسجونين في المديرية على ذمة المشاركة في الاحتجاجات السلمية  وكنت أسمع المنادي ينصح المتجهين للاعتصام هناك بالالتزام بالسلمية المعهودة منهم في  الاعتصام وبالتعامل الحسن مع أفراد الأمن وعدم الانجرار للعنف .

وفي حقيقة الأمر فقد توجست كثيراً وأصابني القلق الشديد من إحتمال وقوع  ضحايا في صفوف المعتصمين  وذلك بسبب مروري بشكل دائم من أمام المديرية  ورؤيتي المتكررة  لتعسفات أفراد الأمن مع المواطنين قبل وجود الساحة , تعسفات عنيفة حيث  ينعدم التعامل  الحضاري مع المواطنين وكذا إطلاق الرصاص مستمر وغير مسبوق .. عند الساعة الخامسة والنصف من عصر ذلك اليوم  كان إطلاق الرصاص مازال مستمرا  وقد تم الاتصال بي من قبل أسرة أحد الأصدقاء والمجاورين للساحة أيضا يطلبون مني أن أسعف أبنتهم الكبرى( 15 سنة)  إلى المستشفى حين أغمي عليها  من شدة الخوف ولسماعها  صوت إطلاق الرصاص الكثيف ,  حاولت الذهاب إلى منزل صديقي والذي لم يكن متواجداً ولم نتمكن من التواصل به عبر الهاتف المحمول وكان منزله يقع مقابل  مقر للمديرية ورأيت هناك بعض الشباب يسقطون والدماء تنهمر منهم ,  بقيت  في الساحة حتى الساعة التاسعة والنصف وكان الرصاص لايزال مستمرا وحضرت الأطقم وسيارات الرش والمصفحات وكذا الكثير من الجنود وكان الوضع أشبه بساحة حرب حقيقية وأصوات الرشاشات والمضادات تصم الأذان والتي كانت تنطلق باتجاه واحد وهو  الساحة أما المعتصمون فلم يكن بحوزتهم أي سلاح ولم تطلق أي رصاصة من قبلهم وبالفعل كانت الساحة خالية من الأسلحة ولم أشاهد خلال تواجدي في الساحة منذ  أن بدأت بالذهاب إليها وحتى يوم المحرقة أي سلاح لدى الشباب .

العدو الإسرائيلي يقتحم ساحة الحرية !!

ويتابع الحذيفي بالقول  : كانت الساحة مليئة بأدخنة الغاز المسيل للدموع وكان سكان العمارة التي أسكن فيها  يرمون إلى الشباب بأكياس الماء والثلج وكذلك بالبصل وكان منظرا لم أشاهده من قبل في حياتي حيث سقط العديد من الجرحى وكنت أشاهد الدماء تسيل على أجساد الشباب من ضرب الرصاص من المديرية ,  المنظر المرعب كان عند بداية الساعة الثانية بعد منتصف الليل حين عدت إلى المنزل حيث كنت أخشى من أن يصاب أحد أفراد أسرتي من وابل  الرصاص المنهمر على الساحة والمباني المطلة عليها وفي هذه الأثناء بدأ الاقتحام  للساحة وكنت أسمع دوياً شديداً  للمضادات يصم الأذان وكأنها معركة حربية وتم اقتحام الساحة من كل الجوانب وبسهولة حيث لم تكن هناك أي مقاومة أو أي سلاح لدى الشباب ومن خلال النافذة المطلة على ساحة الحرية رأيت التيار الكهربائي قد قطع وشاهدنا حريقاً كبيراً  ورأينا الجنود بوضوح  وهم يطلقون النار على الخيام  وكان المنظر مرعباً وحزيناً  وبدأت بالبكاء على الشباب من هول المشهد الذي جعلني أشك في أن من يقوم بهذا العمل الإجرامي هو العدو الإسرائيلي  وليس جنود القوات المسلحة والأمن من أبناء جلدتنا ووطننا  !!

ومع احتراق الخيام وانقطاع التيار الكهربائي سمعت صوت الجرافات التي كانت تجرف الطريق حيث فتحت الباب الخارجي للعمارة  والذي كان مقفلا بالفعل كإجراء احتياطي خوفاً من دخول الجنود إليها  فرأيت الساحة  وقد تم مسحها وجرفها من بقايا الخيام وتنظيفها  وكأنها لم تكن قبل ساعات ساحة إعتصام ( إخفاء معالم الجريمة ) وكانت أعمدة الكهرباء محترقة والكيبلات الكهربائية مقطوعة عن الحي كاملا...

في اليوم التالي فوجئت بدخول ثلاثة جنود (حرس جمهوري) إلى عمارتنا بعد أن فتحنا الباب المقفل وأخبرونا بوصول  بلاغ  اليهم بوجود  20 مسلحا فوق سطح العمارة فقلت لهم هذه العمارة لا يوجد فيها سوى  أطفال ونساء وبالتالي لن نسمح لأي كان بالصعود إلى السطح وسوف أتحمل مسئولية أي طلقة رصاص تطلق من سطح العمارة في حال حدث هذا وبعد ذلك انصرفوا.

اليوم الثالث شهد انتشاراً  كثيفاً  للجنود والمدرعات في الساحة  والشارع خال من المارة وفي المساء يبدو  مظلما ومرعباً  جدا ولا يمكن الخروج إليه على الإطلاق حيث يتم إطلاق النار على كل شخص يقترب من الساحة.

البداية والنهاية

( عبد الله المجيدي)  - صاحب محل جوالات في الساحة - يروي لنا بدورة شهادته حول يوم المحرقة   فيقول :  كالعادة رأيت شباب الثورة يتوجهون نحو مديرية  القاهرة  لإخراج المعتقلين كما يقولون هذا كان تقريبا الساعة الرابعة والنصف عصراً  فتجمعوا أمام المديرية بشكل سلمي وظلوا يهتفون بشكل سلمي  حتى  الخامسة حيث بدأ بعض جنود الأمن  التابعين لمديرية القاهرة بالاستنفار والانتشار فوق سطح المبنى وبعضهم توزعوا جوار المديرية وبعضهم في البلكونة  وبدأوا  بإطلاق الرصاص الحي لتفريق المعتصمين وماهي الا دقائق معدودة حتى وصلت قوة مكافحة الشغب وخراطيم المياه  تلى ذلك وصول تعزيزات  عسكرية  قبيل المغرب وقاموا بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين  وانا اشاهدهم من امام المحل وكان الشباب يرددون سلمية . سلمية فسقط منهم العديد من الشهداء والجرحى اثر رشهم ((بمادة الاسيد المخلوط بالماء))والرصاص والغاز المسيل للدموع امام المديرية ثم بدأ الشباب بالتراجع وقت صلاة المغرب .

ويضيف :  كنت أنا ومجموعة من الشباب نعمل على تزويد بعض الشباب بالماء والخل والبصل حتى اكتظ المحل بالناس والهاربين من الغازات والرصاص وبقينا حتى الساعة الثامنة مساءً  ولم نتمكن من  الخروج او الدخول هربا من الاختناق بالغازات المسيلة للدموع والرصاص العشوائي  وشاهدت أحد شباب الثورة وقد سقط مصاباً بالرصاص  وكان ينادي بأنه  يريد اسعاف فلم نستطيع اسعافه من شدة الرصاص العشوائي..

مدينة الأشباح  ..

ويواصل قائلا : في (اليوم الثاني ) قررت  أن انزل الى المحل بعد أن أبلغت بحرق الساحة لأخذ بعض الاغراض ووصلت فلم اصدق  هول المشهد والخراب والدمار الذي لحق بالساحة  وعندما وصلت الى جوار البنك الزراعي قام احد الجنود بفتح الألي باتجاهي وقال : ممنوع الدخول  , وكان أغلب الجنود الموجودين صغار السن وليسوا من تعز , عرفت ذلك من خلال كلامهم فقلت له ان لدي محل وأريد ان اخذ بعض الاشياء فقام بتفتيشي من رجلي حتى عنقي وارسال اثنين من الجنود لمرافقتي الى المحل وقال لي : لا تتأخر عن خمس دقائق وإلا فستتحمل مسئولية ما سيحدث لك فنفذت الأوامر وبدقة خوفا على حياتي وفي العصر عدت إلى وسط الساحة مع والدي وبالضبط الى امام فندق المجيدي فرأينا صورة المخلوع في الواجهة  (( كان نوعا من الاستفزاز )) وكان هناك عدد قليل من الناس يتجمعون  في الساحة  وكانت هناك مصفحتين وعدد من الاطقم بجوار الساحة وبالقرب من الجامعة الاردنية  فقاموا بإطلاق النار علينا ونحن امام الفندق نشاهد اثار الدمار وكأنها مدينة اشباح .

صامدون مرابطون

( الدكتور عبده محمد الكليبي ) له رواية أخرى لتلك المأساة التي عاشها طوال أسبوع من اقتحام وإحراق الساحة فيقول  : لم يكن أحد يتوقع ما حدث , كانت بساطة الثوار وحسهم المرهف تبتعد عن مثل هذا التصور لم يطرأ على بال أحد أن هناك إنسان يمني من لحمك ودمك ممكن أن يصدر منه هذا الفعل ,  كنا في يوم 29/5/2011 في الساحة طوال النهار كالعادة , الحشد يزداد كل يوم ,  خرج بعض الشباب باتجاه مديرية القاهرة الرابعة أو الخامسة عصرا تقريبا ,  سمعنا الهتافات تردد وكنا في الخيمة نستمع إلى ندوة من الندوات التي نقيمها في اللجنة يوميا زاد حماس الشباب على المنصة وهم يدعون  إلى الاعتصام السلمي أمام المديرية لإخراج أحد الثوار المعتقلين , توالت

 الأحداث سريعا , أطلق النار وأصيب وقتل من قتل ,  كانت النيران تطلق من المديرية تجاه الأجساد البشرية والعارية ونحن بين الدهشة والاستغراب جاء الحشد العسكري الداعم وبدءوا بالتمركز أمام مدخل الساحة الشرقي من ناحية المديرية ومرت الأحداث وانهالت علينا القنابل السامة وقذائف الرشاشات والشباب صامدون أمام المدخل بدأ القلق يساورني على أولادي في العمارة التي تقع في مدخل الساحة الشرقي تماما , منذ بداية الثورة ونحن صامدون في الشقة حتى الأطفال رفضوا الخروج وصمموا على البقاء.

حتى كان ذلك المشهد الذي تمثل في حرق الساحة , بدأت القوات باقتحام الساحة وحرق بعض الخيام وإزالة الحواجز تحت النيران الكثيفة والقنابل المسيلة للدموع وازداد حشد القوات ومحاصرة الساحة من أطراف عديدة,  قاربت الساعة الحادية عشر ليلا وتراجع الحرس بقواته قليلا بعد حرق مجموعة من الخيام وتمركز أمام المدخل مباشرة وبدأ قائد الحرس بالمناداة بالميكرفون وإعطاء مهلة عشرة دقائق لإخلاء الساحة ما لم فالقوات سوف تدخل تحت النيران والشباب صامدون ولم يخيفهم هذا الكلام .

بداية الاقتحام ونهب المحتويات

وفعلا بدأت القوات بالاقتحام وتحت غطاء من الرصاص الكثيف  , تراجع الشباب عن المدخل وتركوا الخيام إلى منتصف الساحة فبدأ الجنود بسرقة كل ما وقع في أيديهم ,  رأيتهم وهم يحملون البطانيات والفرش والمراوح ويضعونها في عربات الإطفاء والأطقم العسكرية وكنت منذهلاً جداً  فحتى الأشياء الغير صالحة للاستخدام لم يتركوها !!

في تلك الأجواء ازداد خوفي على أطفالي وتمكنت من الدخول الى الشقة ومن شباك شقة أحد الجيران تابعت الأحداث وكنت اراقب مايجري  بحذر شديد  تركت النافذة قليلا وما إن ابتعدت خطوات بسيطة حتى سمعت صوت الرصاص يخترق الغرفة من الجدار الداخلي ولكن الله سلم فلم يصب أحد بمكروه ..

ويصف الدكتور الكليبي المشهد فيقول أن شخصا كان يتقدم الجنود فيفتش الخيام خيمة خيمه وعند انتهائه من تفتيش الأولى يأمر الجنود بصب البترول عليها وإحراقها ثم ينتقل الى الأخرى وهكذا..  حتى اشتعلت النيران في معظم الخيام وبلغت سحب الدخان عنان السماء وفر الكثير من الشباب بسبب الغازات الكثيفة والرصاص  وكان لي معرفة مع أحد حراس المدخل كان متواجدا في تلك الليلة حاولت الاتصال به أكثر من مرة حتى أبلغت أخيرا أن الساحة احترقت بمن فيها وقتل بعض الشباب الذين لم يتركوا المكان.

حكاية مؤلمة

مرت الساعات بطيئة وبزغ الفجر وكنا في الشقة بين الخوف والرجاء خوفا من اقتحام المنزل ,  خرجت عند الساعة السادسة فجرا بحثا عن غذاء للأولاد وعندها صعقت من هول المنظر .. كانت هنا ساحة !!  لا أثر لأي خيمة  .. لاشيء سوى  الدبابات والمدرعات المنتشرة بمداخلها وأطرافها وأكثر ما آلمني أني رأيت بعض الجرحى يخرجون من مستشفى الصفوة فوق سيارات عادية وأطقم عسكرية تقتحم  للمستشفى  ورأيت الجنود يحملون ما تبقى من أجهزة ومعدات فوق سياراتهم وتركوا البوابة مفتوحة لمن أراد الدخول وحمل ما تبقى من الأسرة وشبابيك المستشفى حاولت التجول في الساحة ودموعي محبوسة وقدماي مرتعشتان  ثم عدت للشقة وجلست أحكي للأطفال هول ما رأيت ودموعي تنهمر كالطفل لم أستطع أن أتمالك نفسي وعندها وخوفا من اقتحام العمارة طلبوا مني الخروج بهم إلى مكان آمن فوافقت وطلبت منهم فرصة حتى أتدبر الأمر .

رصاص منهمر

 يتابع الكليبي حكايته وكأننا في مشهد دراماتيكي فيقول : وبعد نصف ساعة حاولت الخروج وإحضار سيارتي من مكان قريب وعند الباب أخذ الجنود يرفعون اصوتهم وطلبوا منا العودة للمنزل وبعد محاولات تمكنت من إقناعهم والخروج وإحضار السيارة ووصلت إلى قرب المدخل فنزلت من السيارة فطلبت من الجنود السماح لإخراج الأطفال فمنعوني وصوب أحد جنود الحرس "الكلاشينكوف" نحوي طالبا مني الابتعاد مالم فسيطلق علي النار فابتعدت بالسيارة وعدت ماشيا للبيت وأخرجت الأطفال تحت خوفهم ورعبهم من الجنود الذين لا يعرفون سوى لغة الرصاص ثم عدت للبيت وحيدا لحراستها خوفا من السرقة واستمر هذا الحال أياما وكنا نعيش في البيت على بقايا الخبز وبعض الأجبان ولم نكن نستطيع الخروج حتى للمسجد وما إن يفتح شباك في العمارة حتى تنهمر الرصاص نحوه ..

يتابع الدكتور  الكليبي  : خرج معظم من في العمارة وبقى بعض الرجال فقط خوفاً من  اختراق الرصاص الذي لم يترك شقة في العمار من الجهة المواجهة للساحة الا  ودخلها وكنا مندهشين  من قوة الرصاص الذي يخترق جدارين في المبنى وتدمير الخزانات على سطح العمارة ,  عشنا أيام مرعبة حتى جاءت جمعة النصر واستعدنا الساحة بعدها وعاد للثورة زخمها الثوري المعتاد وبدأت البشائر..

120 ساعة حرب وأسرى بشكل جماعي

 من جانبه المواطن (عبد الله أنعم فرحان الشرعبي ) أحد سكان حي ساحة الحرية يصف يوم المحرقة بقوله : عشنا في الساحة وعلى مدى 120 ساعة بدون خروج أو دخول أو فتح شباك أو صعود الى  السطح لأن الجنود كانوا إذا سمعوا نافذة  فتحت أمطروها بالرصاص أو رأوا كائنا يتحرك أو ضلا في سطح العمارة إلا ووجهوا  الرشاشات نحوه وأشبه وضعنا  في ذلك الأسبوع بوضع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال ويستدرك  أن وضع الأسرى الفلسطينيين قد يكون أفضل حالا من وضعنا لأنهم وبحسب قوله أسرى فرادى بدون نساء أو أطفال ولهم حق حرية التصرف أما سكان ساحة الحرية فكانوا أسرى بشكل جماعي نساء وأطفال وممنوعين من حرية الحركة .


الحجر الصحفي في زمن الحوثي