الرئيسية > عربية ودولية > لا تزال هناك فرصة لإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني

لا تزال هناك فرصة لإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني

" class="main-news-image img

تمر جميع الحروب والصراعات بلحظات فاصلة تحمل في طياتها مخاطر كبيرة، وأحيانا معاناة ودمارا، لكنها تخلق أيضا فرصا جديدة للأطراف المعنية لإعادة تقييم ما إذا كانت العودة إلى العنف الجماعي تخدم مصالحها، أو ما إذا كان ينبغي لها بدلا من ذلك اللجوء إلى طريق السلام والمصالحة.

 

ويتساءل الباحث يوسي ميكيلبيرج، زميل برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في تقرير نشره معهد تشاتم هاوس عن الحد الفاصل في الصراع المروع بين إسرائيل وحماس والذي قد يقنع الجانبين بإعادة تقييم مواقفهما؟

 

ويرى ميكيلبيرج أن أحد الاستنتاجات من انهيار الوضع الراهن بين إسرائيل والفلسطينيين هو أن إدارة الصراع ما هي إلا مغالطة فشلت مرارا وتكرارا وباعتبارها أداة طويلة الأمد، فإنها في أفضل الأحوال توفر الوقت حتى تبدأ الجولة التالية من العنف.

 

وشهد أكثر من 75 عاما من الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين اندلاع أعمال عدائية بشكل دوري وجهود دورية لإحلال السلام على أساس حل الدولتين وفي معظم هذا الوقت كان التركيز على إدارة الصراع بدلا من حله.

 

ويكشف هذا عدم الإيمان بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الخلافات بين الشعبين، كما يظهر أن آلية الأمن الجماعي الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية قد فشلت في مهمتها المتمثلة في تسوية الصراعات سلميا.

 

والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني هو صراع غير متماثل، حيث إن الجانب الأقوى، إسرائيل، مهتم أكثر بحقن فكرة “الوضع الراهن” وقد خدم ذلك مصلحته في السماح له بمواصلة بناء المستوطنات في الضفة الغربية بهدف ضمها في نهاية المطاف.

 

pp

 

ومن خلال سيطرتها على قطاع غزة وتشجيع الانقسامات بين حماس والسلطة الفلسطينية، ضمنت إسرائيل أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة يظل احتمالا بعيد المنال، في حين تقدم الفلسطينيين باعتبارهم المسؤولين الوحيدين عن الطريق المسدود الذي وصلت إليه عملية السلام.

 

وهذا الوضع الراهن الواضح يخدم أيضا أولئك في إسرائيل وفلسطين الذين لم يكونوا مستعدين لتقديم التنازلات اللازمة للسماح بحل الدولتين. ووجد الجانبان أن المجتمع الدولي متواطئ في خداع الذات بأن الوضع لا يمكن أن يتحسن، ولكنه لن يصبح أسوأ كثيرا.

 

وقد سمح هذا للمجتمع الدولي بالتخلي عن المسؤولية عن حل الصراع، وهو الأمر الذي اعتبرته العديد من الجهات الفاعلة داخله غير قابل للتحقيق، وبالتالي لا يستحق استثمار رأس المال الدبلوماسي أو السياسي أو الاقتصادي فيه عندما تكون هناك قضايا ملحة أخرى.

 

ويكمل هذا النهج الاعتقاد بأن كل شيء قد تم القيام به لحل الصراع، وهو أحد الصراعات الأكثر ديمومة في التاريخ الحديث، والذي ثبت ببساطة أنه مستعص على الحل، والخيار الوحيد المتبقي هو إدارته والتأكد من أن أي تفجر عرضي قصير وغير فعال لن ينتشر.

 

التسوية قد لا ترضي الجانبين بشكل كامل ولكنها تلبي التطلعات الوطنية وتوفر الأمن على المدى الطويل

 

ويشكل الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، وما تلا ذلك، انهيارا كاملا لهذا النموذج. وسوف يتردد صدى العواقب لسنوات قادمة. وبقدر ما كان الهجوم الذي شنته حماس مروعا وغير مبرر، إلا أن الخطر الحقيقي يكمن في استخلاص كل الاستنتاجات الخاطئة منه. والدليل الواضح على ذلك هو الطريقة القاتلة والمدمرة التي تدير بها إسرائيل الحرب، بدعم من عناصر معينة في المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة.

 

ومن خلال تحديد هدف غير قابل للتحقيق وهو “تدمير حماس” مع استخدام كامل سكان غزة كأضرار جانبية مستهلكة، في حين تصور جهات أخرى إسرائيل على أنها دولة شريرة تمارس الإبادة الجماعية، فإن أي أمل في التوصل إلى سلام يتم التخلي عنه واستبداله بتفضيل إدارة الصراع كإستراتيجية طويلة المدى.

 

وكان يوم السابع من أكتوبر بمثابة فشل مفاهيمي بقدر ما كان فشلا عمليا بالنسبة لإسرائيل. ولم يكن نجاح حماس في القدرة على الاستعداد لمثل هذا الهجوم على المجتمعات المتاخمة لقطاع غزة دون أن يتم اكتشافها، راجعا فقط إلى مدى تطور هذه المنظمة الإسلامية، لكنه كان أيضا نتيجة لوقوع صناع القرار في إسرائيل في الفخ الذي نصبوه لأنفسهم بالاعتقاد بأنهم يديرون الصراع بنجاح.

 

وكان الافتراض بأن ضخ الأموال إلى غزة التي تحكمها حماس من شأنه أن يهدئ الوضع المتفجر مجرد تفكير بالتمني، إذ لا يمكن للتحسن الاقتصادي أن يحل محل رغبة الفلسطينيين في رؤية نهاية للاحتلال والاعتراف بحقوقهم السياسية والإنسانية والمدنية.

 

ولا شيء يمكن أن يبرر ارتكاب الفظائع ضد المدنيين من قبل أي من الجانبين، إلا أن جوهر الكارثة التي نشهدها الآن هو نتاج الفشل في التوصل إلى اتفاق سلام على أساس حل الدولتين تكون فيه القدس عاصمة للشعبين، ويتمتع فيه كل إسرائيلي وفلسطيني بالأمن.

 

oo

 

وبدلا من ذلك، أصبح الاحتلال الإسرائيلي أكثر رسوخا من أي وقت مضى من خلال السيطرة العسكرية. فالمشروع الاستيطاني الذي يضم الآن 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وحتى اندلاع الحرب في قطاع غزة، كان خاضعا بالكامل لسيطرة إسرائيل.

 

ويفسر الشعور باليأس إلى حد ما سبب تراجع القضية الفلسطينية إلى قائمة أولويات المجتمع الدولي، ولماذا يخشى الفلسطينيون من أن اتفاقيات التطبيع الأخيرة بين الدول العربية وإسرائيل تعني أن المنطقة أيضا أصبحت أقل اهتماما بمحنتهم.

 

وما يجعل الأمور أسوأ هو أن إسرائيل لديها الآن الحكومة الائتلافية الأكثر يمينية في تاريخها. وتدعو العناصر المركزية فيها إلى ضم الضفة الغربية، بينما تعمل في الوقت نفسه على إضعاف الدولة الديمقراطية ومجتمعها، وبالتالي إضعاف استعدادها العسكري.

 

ومن ناحية أخرى فإن الفلسطينيين غير قادرين على اللجوء إلى السلطة الفلسطينية أو حماس، وكلاهما يبدو أكثر اهتماما بالحفاظ على موقعهما في السلطة، أو إلى المجتمع الدولي الذي فقد الاهتمام.

 

وهذا الافتقار إلى القيادة والأمل عادة ما يكون وصفة لكارثة. والآن بعد أن حدث هذا، أصبح بوسع الشعبين أن يستمرا في إدارة الصراع، وهو ما لن يؤدي إلا إلى معاناة طويلة الأمد أو قد يتوصلان إلى تسوية تاريخية قد لا ترضي الجانبين بشكل كامل ولكنها تلبي التطلعات الوطنية وتوفر الأمن على المدى الطويل. وسيكون هذا اختبارهما عندما تنتهي الحرب: إدراك أن “الوضع الراهن” مؤقت وأن “إدارة الصراع” خادعة.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي