الرئيسية > جولة الفن > مغنية وراء القضبان

مغنية وراء القضبان

" class="main-news-image img

قامت الدنيا ولم تقعد في الوسط الفني الليبي بعد الإعلان عن اعتقال المغنية الشعبية فاطمة الطرابلسية المعروفة بفاطمة الحمصة بسبب أغنية وصفتها الجهات الأمنية بالخادشة للحياء، وبأنها تشجع على الفجور، وتضرب القيم الأخلاقية للمجتمع، وتم اعتبار أغنيتها التي تتحدث فيها عن مجيء صديقها إلى بيتها وأمام أطفالها بأنها إباحية.

 

سبق للحمصة أن اعتقلت في العام 2017 عندما كانت تقود سيارتها في طريق الشط بالعاصمة طرابلس بزعم حيازتها مواد وصفت بالممنوعة، وتعرضت في مناسبات عدة للتحرش، لكن ذلك لم يمنعها من أن تكون نجمة الحفلات الخاصة في المنطقة الغربية، وقد تحولت خلال السنوات الماضية إلى ظاهرة سواء من خلال حضورها أو من خلال الكلمات والألحان التي تؤديها وهي في غالبها من "المرسكاوي" الذي طالما نظر إليه البعض على أنه فن منبوذ ولا يسمعه إلا السوقة، قبل أن يصبح اللون الموسيقي الأكثر شهرة وانتشارا في ليبيا.

 

تتميز حفلات الزواج في المجتمع الطرابلسي بأنها تنقسم إلى حفلات للرجال وأخرى للنساء، وأن حفلات النساء عادة ما تحييها الزمزامات وهي فرق نسوية تغني وتعزف على طريقة أجواء الحريم في عهد الحكم القرامنلي من 1711 إلى 1835، وتتمحور أغانيها حول معاناة النساء وآلامهن وخيباتهن العاطفية والاجتماعية، وحول علاقة المرأة مع الحبيب الخائن أو مع الزوج الفاشل أو مع الأب القاسي والأخ الغيور، فيما ينظر المجتمع لنساء الزمزامات على أنهن غير ملتزمات أخلاقيا، وذلك في سياق الظلم الذي كثيرا ما يلاحق الفنانات في المجتمعات العربية المنغلقة، حيث تكفي صفة الفنانة لتلحق بصاحبتها جميع الشبهات سواء عن حق أو عن باطل. ويمكن أن نلاحظ هنا كيف أن الحمصة تعرضت لاعتقال أول بدعوى امتلاكها لمخدرات في سيارتها، ثم لاعتقال ثان بتهمة خدش الحياء بأداء كلمات نابية.

 

قبل عقود وربما سنوات، كان المشهد مختلفا، فالمرأة كانت تغني ما تشاء للنساء الحاضرات وبطلب منهن، ولا شيء من ذلك يخرج للعلن، لكن تطور تقنيات التسجيل والاتصال جعل البعض يقوم بتسريب لقطات أو مشاهد مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما جعل المنظمين يشدّدون على منع التصوير العشوائي، ويضيفون ذلك إلى بطاقة الدعوة كشرط من شروط حضور الزواج، بعد أن كان الشرط عدم إحضار هواتف محمولة بكاميرات إلى داخل الصالات، لكن من الصعب منع حالات الاختراق، وهذا ما حصل في واقعة تسريب مشهد فاطمة الحمصة وهي تغني عن صديقها.

 

يبقى السؤال: هل فاطمة الحمصة هي الوحيدة التي تغني مثل تلك الكلمات الجريئة؟ وهل هي المرة الأولى التي تفعل فيها ذلك؟ وهل الظاهرة ستتوقف باعتقال الفنانة الشعبية؟ كل المؤشرات تجيب بـ"لا"… وما تلك الحفلات إلا فرص للتعبير عن العوالم الخفية للنساء في لحظات يختطفنها من الزمن بعيدا عن أسوار الانغلاق الاجتماعي.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي