الرئيسية > دنيا فويس > مصر تتخلص من عبء الخريجين بتصديرهم إلى الخارج

مصر تتخلص من عبء الخريجين بتصديرهم إلى الخارج

" class="main-news-image img

بدأت الحكومة المصرية إعادة توظيف قلق الدول الأوروبية من الهجرة غير الشرعية بالعمل على إعداد خريجيها وتأهيلهم لغويا ومهاريا وفنيا تمهيدا لتصديرهم في إطار هجرة شرعية مريحة ومأمونة، طالما أن سوق العمل المحلي يصعب عليه استيعاب مئات الآلاف من الخريجين سنويا، مقابل حاجة بعض دول القارة العجوز إلى عمالة تجلبها من دول أفريقية وآسيوية، وعلى مصر أن تستفيد من هذه الميزة.

 

وتوحي بعض التحركات بأن الحكومة المصرية ترغب في إعادة رسم علاقتها بدول الاتحاد الأوروبي ليكون له دور فاعل في تخفيف حدة أزمة البطالة في مصر التي يمكن أن تلعب دورا حيويا في منع الهجرة غير الشرعية وعدم تسرب الآلاف من اللاجئين المقيمين على أراضيها، وإحكام السيطرة على حدودها لمنع تسلل أيّ من هؤلاء إلى دول أوروبية، وما يشكله ذلك من منغصات أمنية وسياسية.

 

وتبدو الخطوة مرتبطة بأن القاهرة ضاقت ذرعا باختزال التعامل الدولي معها في مسألة اللاجئين بأنها “مسألة أخلاقية”، مع أنها أصبحت غير قادرة على استيعاب المزيد منهم، ولا تستطيع تصدير عمالتها المدربة إلى أوروبا، ولم يعد أمامها سوى تغيير إستراتيجية التعامل مع الملف من المنظور الإنساني إلى الاقتصادي، مهما انعكست سلبيات ذلك على الانطباعات الإيجابية عنها.

 

ويتضح ذلك من إعلان الحكومة المصرية أخيرا بدء التحرك لتصدير عمالة مدربة من خلال مسارات محسوبة للهجرة الشرعية عن طريق العمل على دراسة أسواق العمل واحتياجات دول المقصد، وإبرام اتفاقيات بشأن تنقل العمالة، إلى جانب الاستمرار في مكافحة الهجرة غير الشرعية وتعظيم الاستفادة من الخريجين المصريين بتأهيلهم وفقا لاحتياجات الأسواق الأوروبية المستهدفة، وبما يتماشى مع تطلعات كل دولة.

 

تحركات سريعة ومتوازية

 

 

أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن ملف تصدير العمالة الفنية إلى الخارج يحظى باهتمام بالغ من الدولة، بالنظر إلى حجم الطلبات الواردة من العديد من الدول، خاصة الأوروبية منها، ما يتطلب التوسع في إعداد كوادر فنية وعمالة مدربة لتصديرها وتلبية هذه الطلبات، وإتاحة فرص عمل جديدة أمام هذه العمالة على أحدث النظم في مختلف القطاعات، والتي تتواكب مع التطورات العالمية.

 

وكلف مدبولي الوزارات المختصة بجمع معلومات متكاملة عن احتياجات دول أوروبا، أو غيرها، من العمالة الفنية المدربة، والأعداد المطلوبة، والتخصصات والتدريبات المستهدفة، وتعمل الحكومة على توفير هذه الأعداد، وتحقيق مصالح كل الأطراف، على أن يتم التنسيق مع كل الدول في هذا الشأن، وإعداد برامج ومعايير وآليات واضحة لاختيار الكوادر المناسبة والتحرك بشكل سريع لإنجاز الملف.

 

وتستهدف الحكومة من تقنين خطوة تصدير العمالة إلى أوروبا ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فهي تقوم بتخفيف الضغوط الواقعة عليها بشأن ارتفاع معدل البطالة أمام سوء الأوضاع المعيشية على وقع الأزمة الاقتصادية، وتتخلص من عبء تراكم الخريجين عبر تصديرهم كي يساهموا في جلب العملات الأجنبية التي تعاني مصر من مشكلة معقدة في توفيرها.

 

كما أن الحكومة وجدت أن الطريقة الجيدة للاستفادة من ضغوط اللاجئين وتحجيم عمليات الهجرة غير الشرعية تجاه أوروبا هي أن تقنع دولها بالهجرة الشرعية للخريجين المصريين وتسهم في منع تفاقم أزمة البطالة في مصر.

 

وتميل بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى القبول بهذه الصفقة، لأنها في النهاية مستفيدة من توظيف عمالة ماهرة ومدربة جاءت إليها بطريقة مشروعة من خلال اتفاقيات رسمية مع القاهرة، وتعزز حماية أمنها من تحولها إلى مقصد لهجرة غير شرعية وتهديد أمنها أو إجبارها على استضافة أعداد كبيرة فقيرة المهارات وليست بحاجة إليها.

 

وفرة العمالة المصرية

 

 

تواجه مصر مشكلة في ظل تراجع سوق العمل العربي الذي كان يستقطب مئات الآلاف من المصريين سنويا، فلم تعد دول الخليج جذابة لهؤلاء، وكل من العراق وليبيا يعاني من توترات لا تمكن أيا منهما من جلب عمالة خارجية بكثافة، ومثلت عودة الكثير من المصريين من هذه الدول ضغطا كثيفا على الاقتصاد المصري، وبدأت تظهر لها مشكلات اجتماعية مع تنامي معدل البطالة في الداخل.

 

ويتجاوز عدد الخريجين في مصر سنويا مليونا وخمسمئة ألف شاب، ما بين خريجين من كليات ومعاهد وجامعات وخريجين من مدارس التعليم الفني والتقني، في حين لا يستوعب سوق العمل إلا الحد الأدنى منهم، لأسباب تتفاوت بين عدم وجود قواعد محددة للتوظيف وانتقاء الكفاءات، أو جراء الأزمة الاقتصادية، إضافة إلى وجود تخصصات لا علاقة لها بسوق العمل أصبح ينضم خريجوها إلى طوابير البطالة.

 

وتركز الحكومة المصرية على تصدير الخريجين من المدارس الفنية، وهو ما ظهر أخيرا في تصريحات وزير التربية والتعليم رضا حجازي أمام مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) بتأكيده أن هناك قائمة من بعض الدول الأوروبية طلبت عمالة فنية ماهرة، وتم التوقيع مع إحداها لتوظيف مئات الشباب لديها في هجرة شرعية، مشيرا إلى استمرار الحكومة في أخذ ملف تصدير الخريجين على محمل الجد.

 

وتعمل القاهرة منذ عام 2018 على ربط التعليم الفني بسوق العمل، واستعانت بخبرات دولية في وضع المناهج الجديدة وإقرار طرق تدريس قريبة من المعمول بها في أوروبا، ولجأت إلى مؤسسات تعليمية أوروبية لاعتماد مناهجها الفنية وطرق التقييم الحديثة، بحيث يكون ذلك وثيقة رسمية تعزز مواءمة الخريجين من المدارس المصرية للوظائف المعمول بها في أوروبا، ولا يواجه هؤلاء مشكلة وقت هجرتهم شرعيا.

 

 

وقال نائب وزير التربية والتعليم لشؤون التعليم الفني محمد مجاهد لـ”العرب” إن “الحكومة جادة للغاية في عملية توفير هجرة شرعية للخريجين لديها، وما يساعدها في ذلك أن مصر لديها نظام تعليم فني متعارفا عليه دوليا، وحظي باعتماد الكثير من مؤسسات الجودة العالمية، بالتالي فالخريج المصري بات مطلوبا في بعض الدول، وهو ما لمسناه من نقاشات دارت مع مسؤولي بعض دول الاتحاد الأوروبي”.

 

وأضاف مجاهد أن الحكومة ستقوم بتدريب وتأهيل نسبة معقولة من الخريجين تمهيدا لتصديرهم إلى أوروبا، فالكثير من دولها بحاجة إلى عمالة شابة ماهرة، والتحدي الوحيد يرتبط بتعليم اللغة لهؤلاء الخريجين، وهو ما يتم العمل عليه عبر تدريبهم على اللغات المرتبطة بالدول صاحبة الاحتياجات الكبيرة، مثل ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، فضلا عن كندا في أميركا الشمالية، والتحرك في هذا الملف يتم بدقة علمية.

 

وتعاقدت الحكومة المصرية مع بنك التعمير الأوروبي ليقوم بدراسة الوظائف المطلوبة في دول الاتحاد الأوروبي والخليج للعمل عليها بغرض تصدير الخريجين، وأفاد بأن “مختلف البلدان حاليا تشترط إتقان الخريجين للغات أجنبية، تحدثا وكتابة”، بينما يعاني خريجو المدارس الفنية والكليات من تدني واضح في إتقان اللغة، دفع الحكومة مؤخرا إلى معالجة إشكالية اللغة بالبدء في تعليمها للطلاب بطرق حديثة.

 

وأوضح نائب وزير التعليم لـ”العرب” أن “مصر لديها خطة لتغزو العمالة المصرية بعض الأسواق الأوروبية، فالمدارس الفنية لديها أكثر من 2.3 مليون طالب، وتم الانتهاء من جميع التخصصات الفنية لتكون مواكبة لسوق العمل الدولي، حيث تركز على اكتساب المهارات وفق متطلبات العصر بالتعاون مع بعض المستثمرين المحليين والدوليين، ومع الانتهاء من إتقان اللغة سوف يكون الخريج المصري مؤهلا للتوظيف خارجيا في أقرب فرصة”.

 

 

تعاني المدارس الفنية في مصر من مشكلة نقص المعلمين المتخصصين في تعليم اللغات الأجنبية، أمام العجز الصارخ في أعداد المدرسين بالمدارس الحكومية عموما، بينما تهتم المدارس الفنية بإتقان المهارات ما جعل الخريجين في مأزق التخرج من تخصصات معاصرة، لكنهم لا يناسبون سوق العمل العربي ولا الأجنبي، لغويا.

 

وتشترط السعودية مثلا في أي عمالة تصل إليها إتقان اللغة الإنجليزية بشكل متميز بحكم أن جزءا كبيرا من الاستثمارات فيها أجنبي، وهي معضلة تواجه الخريجين المصريين ولا تؤهلهم للعمل في التخصصات المعاصرة، ما يعكس ارتباك الحكومة في تحديد أولويات ربط التعليم بسوق العمل.

 

وتتحمل الحكومات السابقة الجزء الأكبر من أزمة البطالة كونها لم تخطط للربط بين نظام التعليم وسوق العمل بشكل سليم ومنضبط ويراعي مقتضيات المستقبل، وتحركت نحو تطوير المنظومة التعليمية بلا تخطيط، ما ترتب عليه استمرار وجود مئات الآلاف سنويا لا يستطيعون الحصول على فرص عمل حقيقية، مع أن هناك توسعات كبيرة في المشروعات التنموية وزيادة في إقبال المستثمرين.

 

ويقول مسؤولون إن المجتمع نفسه يتحمل الجزء الأكبر من أزمة البطالة، فالحكومة حين تتجه إلى إنشاء مدارس وكليات معاصرة لمواكبة سوق العمل وتقليل الفجوة بين نظام التعليم التقليدي والتخصصات المطلوبة تفاجأ بأن هناك ندرة في الإقبال عليها مع أن بعضها مجاني أو يتم فيه دفع معاليم رمزية، في حين يزيد التهافت على الكليات والمدارس النمطية القديمة التي أصبحت مصدرا أساسيا للبطالة.

 

 

وأكد خالد الشافعي مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية أن الحكومة والمجتمع يتحملان أزمة البطالة، وتصدير الخريجين بطريقة شرعية خطوة مطلوبة، لكن الدولة مطالبة بالاضطلاع بدور أكبر في محاولة منْع تجدد المشكلة من خلال التوسع في ربط مخرجات التعليم بسوق العمل العالمي في التخصصات المختلفة، والأزمة الراهنة مرتبطة بعدم قراءة متطلبات العصر بشكل جيد، ولذلك يستعين القطاع الخاص المصري أحيانا بعمالة مستوردة.

 

وتغلبت الحكومة المصرية على هذه المشكلة مؤخرا بالاعتماد على المستثمرين ورجال القطاع الخاص في تطوير المناهج الفنية لربطها بسوق العمل، وأدخلت أصحاب بعض الأعمال البارزين في تقييم الطلاب لتحديد ما إذا كانوا يستحقون التخرج أم لا، باعتبار أنهم الأكثر دراية بمدى إتقان الطالب للمهارات المطلوبة للوظيفة من عدمه، على أمل أن يكون كل خريج مؤهلا بشكل كامل للتوظيف فور التخرج، داخليا أو خارجيا.

 

وأوضح الشافعي لـ”العرب” أن الاهتمام بتصدير العمالة الفنية الماهرة إلى الخارج يجب أن يكون بشكل منضبط، لأن التوسع في هجرة الكفاءات التي يحتاجها الاقتصاد المحلي ليستعيد توازنه خطأ، والدول الأوروبية لن تستورد أي خريج غير مؤهل علميا وفنيا، وتركز على المهارات الاستثنائية، والمطلوب إحداث التوازن بين حل مشكلة البطالة وتوفير الكفاءات التي يمكن أن تصنع الفارق لصالح الاقتصاد المصري الذي يحتاج إلى عناصر شابة من أصحاب الكفاءات.

 

وقد تختزل الحكومة حل مشكلة البطالة في تصدير الخريجين بشكل شرعي، وهو اتجاه لن يحل الأزمة، بسبب ثقافة المجتمع نفسه، إذ يصعب على أي عائلة أن تسمح بتوظيف بناتها في دولة أوروبية، وارتباط الأمر بسياسات الدول الأخرى وعلاقتها بالقاهرة، بالتالي لا بديل عن وضع خطة مستدامة توازن بين التوظيف في الداخل والخارج إذا أرادت القاهرة حل أزمة البطالة بشكل واقعي.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي