الرئيسية > دنيا فويس > تحولات خطرة في أرقام الجريمة وطبيعتها في العراق

تحولات خطرة في أرقام الجريمة وطبيعتها في العراق

" class="main-news-image img

أحدث العثور على بقايا جثّة شاب عراقي قُتل بوحشية وألقيت جثّته للكلاب صدمة كبيرة داخل العراق، وأطلق مجدّدا صفارة الإنذار بشأن انتشار الجريمة بأنواعها في البلاد واتخاذها أشكالا فظيعة تعكس مدى الضرر الأخلاقي والنفسي الذي طال المجتمع العراقي، جرّاء كثرة الحروب واستشراء العنف وتردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية نتيجة الفشل المزمن لتجربة الحكم القائمة منذ أكثر من عقدين بقيادة الأحزاب الدينية.

 

وتم العثور على جثّة الشاب حسين، وهو متزوج وأب لطفلة لم تتجاوز سنتها الرابعة من العمر، في منطقة مهجورة على بعد حوالي ثمانين كيلومترا من العاصمة بغداد وقد نهشتها الكلاب السائبة ولم تبق منها سوى بعض العظام.

 

وكان حسين قد اختفى مع عربة النقل التي يعمل عليها قبل نحو ثلاثة أسابيع.

 

ورغم ما خلّفته الجريمة من حزن مشوب بالغضب جرّاء تدهور الأوضاع الأمنية وتراجع حالة الأمان في أغلب مناطق العراق، إلاّ أنّ الحادثة لم تمثّل استثناء، من الإعلان المتواصل وبشكل شبه يومي عن جرائم مماثلة بدوافع مختلفة من بينها الانتقام والسرقة، وحتى القتل تحت تأثير المخدّرات.

 

ويسجل الأخصائيون الاجتماعيون إلى جانب التزايد المهول في أعداد الجرائم بالعراق، تحوّلات خطرة في نوعية الجريمة وطبيعتها.

 

ويتوقّف هؤلاء عند تفاقم ظاهرة الجرائم داخل الأسر وفي نطاق العائلة الواحدة، معتبرين ذلك مظهرا على تدهور القيم المجتمعية والتفكّك الأسري كنتيجة لاستشراء الفقر وتراجع التعليم وتفاقم ظاهرة التسرّب المدرسي المبكر والانفجار المهول في أرقام البطالة وانتشار تعاطي المخدّرات.

 

واهتزّ العراق قبل نحو أربع سنوات على وقع إقدام أمّ على قتل طفليها بإلقائهما في مياه دجلة من فوق جسر الأئمة الرابط بين منطقتَي الكاظمية والأعظمية في بغداد، في مشهد بالغ القسوة سجلته كاميرات المراقبة المثبّتة فوق الجسر.

 

وما تزال أعداد الجرائم داخل الأسر تسجل ارتفاعا مضطردا منذ ذلك الحين.

 

وقبل أيام أقدم شاب في محافظة كربلاء جنوبي بغداد على قتل والده داخل منزل العائلة بسبب إلحاح الوالد على ابنه للمواظبة على دراسته، وفقا لروايات عدد من الجيران.

 

وما تزال إحدى أفظع الجرائم تمثّل حديث الشارع في منطقة النهروان في بغداد والتي شهدت إقدام أحد الأشخاص على قتل أخيه واغتصاب ابنتيه انتقاما منه.

 

ولا تقل هذه الجريمة فظاعة عن قيام أب من مدينة الموصل شمالي العراق بخنق ابنته الرضيعة حدّ الموت بسبب عدم رضاه عن إنجاب زوجته لأنثى بينما كان يريد أن يرزق بمولود ذكر.

 

وتضاف مثل هذه الجرائم الأسرية إلى ما يعرف بجرائم الشرف المتواتر حدوثها بشكل كبير، وخصوصا في الأوسط القبلية وداخل الأسر المحافظة.

 

ومؤخرا، أقدم أب من محافظة ذي قار جنوبي العراق على قتل ابنته الثلاثينية بإطلاق رصاصتين على رأسها بسبب شكوكه في سيرتها، بحسب رواية جيران للعائلة.

 

وقبل ذلك كان أب من مدينة الديوانية بجنوب العراق قد أقدم على قتل ابنته البالغة من العمر عشر سنوات بخنقها وتهشيم جمجتها بسبب ظهورها عَرَضا في لقطات على تطبيق تيك توك.

 

وتنتشر بالتوازي مع تفشي أنواع فظيعة من الجريمة في العراق ظاهرة الانتحار ذات الصلة المباشرة بالأوضاع الاجتماعية والنفسية للعراقيين.

 

وتتم عمليات الانتحار بدورها بطرق مؤلمة في كثير من الأحيان. والخميس الماضي، انتحرت امرأة في منطقة البلديات ببغداد بسكب البنزين على جسدها وإشعال النار فيه. وتمّ في نفس اليوم اكتشاف جثة عامل ببلدية المنصور منتحرا شنقا داخل مبنى الدائرة البلدية.

 

وكانت أرقام رسمية عراقية قد أظهرت تزايدا سريعا في عدد حالات الانتحار المسجلة في البلاد. وقالت وزارة الداخلية إنّ عدد المنتحرين قفز في ظرف سبع سنوات في المناطق العراقية باستثناء إقليم كردستان من 376 إلى 1073 حالة سنويا.

 

ويترافق تصاعد أرقام الجريمة في العراق والتغيرات في طبيعتها نحو مزيد من القسوة والفظاعة مع ظاهرة لصيقة كثيرا ما تكون سببا مباشرا في ارتكاب الجرائم، وتتمثل في انتشار المخدّرات بأنواعها على نطاق واسع وتفشي تعاطيها لدى فئات اجتماعية واسعة وخصوصا فئة الشباب.

 

وتصل نسبة مستهلكي المواد المخدرة بين الشباب بين سن 15 إلى 30 سنة في بعض أفقر مناطق العراق بحسب لجنة الأمن والدفاع النيابية إلى سبعين في المئة.

 

وأظهرت أرقام سابقة بلوغ ما تمّ إتلافه من مواد مخدّرة ضبطت في ظرف بضعة أشهر خمسة آلاف طن من سائر أنواع المخدّرات المؤثرات العقلية، بينها قرابة الستين مليون حبة مخدرة.

 

ولا تمثّل تلك الأرقام بحسب مصادر عراقية سوى نسبة ضئيلة مما يتم تداوله واستهلاكه بالفعل في العراق من مخدّرات بسبب نجاح التجار والمروّجين في الإفلات من قبضة السلطات الأمنية لعدة أسباب، من ضمنها عملهم في نطاق شبكات منظمة وصلاتهم بجهات نافذة وتمكنهم من اختراق الأجهزة الأمنية بحدّ ذاتها.

 

ويعتبر متابعون للشأن العراقي أنا ما آلت إليه معدلات الجريمة في العراق والتطورات الخطرة في نوعها وطبيعتها يدخل ضمن مسؤولية النظام القائم على المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية.

 

ويعتبر هؤلاء أنّ النظام الذي تقوده أحزاب شيعية لم يتسبب فقط في تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بل أرسى أيضا سياسة تقوم على الانتهازية والتنافس غير الشريف على تحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب المادية بطرق غير مشروعة، مكرّسا بذلك الأنانية والجشع كخلق شائع على نطاق واسع.

 

ويقولون إنّ سلوك تلك الأحزاب وقياداتها انعكس أيضا على أخلاقيات المجتمع وسلوكاته من خلال نشر نوع من التدين المؤدلج والسطحي والصِدامي القائم على إثارة النعرات بعيدا عن أخلاق السماحة والتعايش، الأمر الذي أثّر سلبا على مستوى التضامن والتآزر بين أفراد المجتمع وفئاته.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي