الرئيسية > محليات > صالح الذي لا يزال يرى اليمن مزرعته الخاصة اصبح خارج التاريخ

صالح الذي لا يزال يرى اليمن مزرعته الخاصة اصبح خارج التاريخ

في حزيران/يونيو من عام 1990 وصف المرحوم الشيخ عبد الله الأحمر 'للبروفسورين الأمريكيين مايكل هدسون وروبرت بوروز في منزله علاقته بالرئيس السابق صالح بأنه 'شيخ الرئيس' معبرا بذلك عن رابطة قبلية كان يريدها أن تتجسد في علاقة تبعية بين القبيلي علي عبد الله صالح وشيخه الأحمر وهو مالم يكن يستقيم مع موقع صالح كرئيس للجمهورية. و من الطبيعي ألا يقبل أي رئيس هذه التبعية. ولكي لايكون للشيخ أي شيخ صاحب نفوذ وهيبة في قبيلته عمل صالح بدأب ودهاء لم يسبقه إليهما حاكم مطلق على قصقصة أجنحة المشائخ بدون أن ينتبهوا للهدف الأساسي من رشاويه غير البريئة لهم ولمقصده الحقيقي باتباعه عدد من الوسائل لإضعافهم ومنها:

1 ـ سياسة فرق تسد بخلق مشاكل قبلية وتغذية طرفي الصراع بالمال والسلاح وبمعلومات للطرفين تؤجج الصراع وفي هذا الشأن ينقل عنه عندما أراد البعض القيام بوساطة قبلية لإنهاء نزاع قبلي قوله 'مستعجلين ليش'.

2 ـ الرشاوي اللذيذة كالامتيازات النفطية ومنح أراض في الجنوب وسيارات لاند كروزر المكيفة التي كانت بداية خلق علاقة تعال وانفصام غير مسبوقين بين الشيخ وقبيلته وحالة من الجفاء.

3 ـ المخصصات الثابتة والموسمية والرتب العسكرية التي ابعدت الشيخ عن قبيلته وعن همومها وبرجزته وأغرته بالعيش في العاصمة يحرسه أفرادا من قبيلته لايثق في ولائهم له ويعيش هاجسا مقلقا بأنهم عيون لصالح .

4 ـ منح وظائف بمرتبات لأشخاص لايعملون ولربات بيوت.

5 ـ التجسس على المشائخ حتى في داخل بيوتهم وإشعارهم أحيانا بما قاله هذا لذاك وكانت

المحصله النهائية إضعاف العلاقة القبلية التاريخية والتقليدية بين الشيخ وقبيلته وخلخلة استقلال القبيلة في مواجهة السلطة وخلق علاقة بديلة بين القبيلة وبين الدولة عنوانها مصالح الشيخ وليس مصالح القبيلة الحقيقية مما سهل على صالح تجاهل مصالح القبيلة وتنمية خزينة الشيخ الخاصة عوضا عن تنمية مناطق القبيلة وخلق علاقة ذات مسار ضيق جوهرها محافظة الشيخ على علاقته ومصلحته مع السلطة وتجييش القبيلة وقت الانتخابات لصالح صالح وتجنيد أفرادها للصراعات المسلحة (حربي المناطق الوسطى والحرب الظالمة ضد الجنوب عام 1994). بعد إضعاف القبيلة ممثلة بالشيخ أضعف صالح كل من كان حوله بالسخرية منهم وإضفاء صفة على معظمهم منها مايحط من مكانتهم ويقلل من احترامهم. ومنذ أو ل وهلة لم يكن صالح يقبل رأي أحد وأتذكر أن زميلا نقل لي في وقت مبكر ولم يكن صالح قد أكمل سنتين من رئاسته ماسمعه من صالح عن وصفه للمرحوم القاضي عبد الكريم العرشي رئيس مجلس الشعب التأسيسي ب'الفقيه' وهو الذي هدده صالح عقب اغتيال سلفه الغشمي لكي يتراجع عن ترشيح نفسه لمنصب الرئيس وقال له ولإثنين ممن اصطفاهم صالح من كادر وزارة الخارجية 'لاتصدقوا هذا الفقيه احنا ثورة'.

وبمضي السنين تعملقت فردية صالح الذي عجز عن إلقاء خطاب تنصيبه في مجلس الشعب التأسيسي عام 1978 وتم تسجيل خطابه فيما بعد في القيادة العامة للقوات المسلحة. وطوال عهده بهتت قيمة أي مسؤول مهما يكن مقامه. وقبل أكثر من عام قال وزير أن منصبه فعليا لم يعد يساوي منصب مدير عام .وبالفعل بهتت سلطة الوزير وأصبح الوزير الفعلي هو من يرتبط بالأجهزة الأمنية من الوكلاء والمدراء العامين وأي وزير لايفكر بتقديم أي مبادرة وإذا عن له ذلك فعليه أن ينسبها للرئيس السابق.

ونفس الوضع ينطبق على عمل المؤتمر الشعبي الذي لم يكن مستقلا في أي شأن من شؤونه عن إرادة الرئيس السابق الذي جمع بين منصب رئاسة الدولة ورئاسة المؤتمر ولم يقبل دعوات كثيرة لترك المؤتمر لكي يكون رئيسا لكل اليمنيين وحكما بين الأحزاب. كان صالح يدعي اللجنة العامه للمؤتمر (المكتب السياسي) متى ماأراد هو للإنصات لما يقول وهذه اللجنة لم تكن تجتمع بصورة منتظمة كأي تنظيم حزبي إلا بدعوة منه وتجتمع للموافقة على مالا تعرف عنه شيئا مسبقا لأنها لاتوزع جدول أعمال يطلع عليه الأعضاء الذين تشاهد في كل مرة وجوها جديدة فيها ولاتملك برنامجا لامرحليا ولا ثابتا ومايجمع صالح بأعضائها الذي لم يقرأ بعضهم الميثاق الوطني (فكر المؤتمر) هو المكان والصور المبثوثة في التلفزيون.

هذه الصور استعبدت صالح وهو رئيسا ويعذبه غيابها حاليا أشد العذاب لذلك أنشأ له قناة تلفزيونية خاصة لاشم لها ولاطعم لبث صوره. وفي مارس الحالي علم الشعب اليمني لأول مرة بأن رئيسه السابق من مواليد 21 مارس ولكي يبهج الشعب احتفل بعيد ميلاده السبعين في ميدان السبعين محروسا من قبل الحرس الجمهوري وقوات الأمن المركزي اللذان يسيطر عليهما إبنه وإبن أخيه والتي تتحرك بدون إذن القائد الأعلى لقوات المسلحة أووزير الدفاع لأننا في بلد لاتزال توجد فيه سلطتان برغم التزام صالح بالمبادرة الخليجية وبعد أربعة أشهر من توقيعه عليها. ولذلك لم أكن مغاليا عندما ذكرت في مقالي السابق عن حاجته لعلاج نفسي يطبّع حياته وعلاقته بالمجتمع إذا طال بقاءه في اليمن لكي يستقر اليمن وينجو من أحابيله.

صالح تفرد بكل شيء وتدخل حتى في الحياة الخاصة لبعض الناس كأن يعترض على زواج فلان من فلانه وتقترح إبنته زوجة بديلة. ليس هذا فقط بل ربط خيوط الدولة بالأجهزة الأمنية وبأسرته وأصبح اليمن في عهده أول دولة أمنية عربية تجند رجال ونساء من القضاء والسلك الدبلوماسي والخدمة المدنية والمحامين والمهندسين والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات والأحزاب ومايسمى في اليمن ب'عقال الحارات' وبعض المشائخ وأسر بكاملها.

وبرغم كل هذا الخراب القيمي في مجتمع تقليدي كان صالح يتحدث عن الديمقراطية أكثر من السويسريين ويهاجم الشموليين 'الجنوبيين' وينتقد الحكم الإمامي الأسري والاستعمار البغيض طوال حكمه بدون أن يقدم بديلا ديمقراطيا حقيقيا. الأن صالح يريد ممارسة مالم يكن يقبل به عندما كان حاكم اليمن المطلق و أن يشارك رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي في صنع القرار باعتباره رئيسه في المؤتمر الشعبي العام. وليكون هذا الهوس السلطوي مقبولا سمى نفسه ب'الزعيم' بوصفه رئيس هذا المؤتمر الذي كان إحدى وسائله في تزييف الانتخابات والوعي وشريكه في الفساد وإبهات العمل الحزبي وإعلاء شأن 'الرمز' الذي حلت كلمة الزعيم محله. وهنا ينطبق عليه المثل الذي كان يردده في خطاباته وأخرها خطابه في جامعة عدن في 20 ديسمبر 2010 ' اشتي لحمة من كبشي واشتي كبشي يمشي'.

والأن يطبقها على الرئيس هادي وحكومة المرحلة الانتقالية بما يعني بوضوح أنه يريد أن يكون شريكا غير شرعيا في السلطة برغم أنه تخلى عنها طبقا للمبادرة الخليجية وتحت ضغط الإرادة الشعبية.صالح كما هو موثق تاريخيا لم يقبل شراكة نائبه علي سالم البيض 1990-1994 وأزال صورته بعد حربه ضد الجنوب من المناهج التعليمية ووسائل الإعلام وأدبيات ووثائق الوحدة وهما معا يرفعان علم الوحدة في عدن. تاريخ الوحدة تم تزويره وليس هذا هو كل ما في الأمر من قبح سياسي فصالح زعم أنه هو الذي حقق الوحدة وحده بدون شريك جنوبي، وبعد ذلك يلوم الجنوبيين على ثورتهم ضد تهميشهم. كان صالح شديد التبجح حول وجود مشاركة شعبية مزعومة في صنع القرار وعندما أدخل تعديلات دستورية عام 2001 ادعى أنها لتحقيق هذا الغرض وكذلك قال الذين فصلوا له التعديلات الدستورية بأن فترة رئاسة السبع السنوات بدلا من الخمس التي لاتوجد إلا في زمبابوي ودولة أو دولتين أخريتين هي لإيجاد استقرار للسلطة التنفيذية وتحقيق المزيد من الإنجازات برئاسة فخامته القابض بيد من فولاذ على كل شيئ في البلاد من اقتصاد ونقد وقضاء وأمن وقوات مسلحة ويطلع شخصيا ويوميا على موجز بمكالمات وبأسماء المتحدثين هاتفيا في الداخل والخارج. وفي خضم كل ذلك لم يكن يملك وقتا لمتابعة مشاكل وقضايا البلاد التي علت عليها اهتماماته بالحساب اليومي لثروته المتضخمة وبأ شياء غير ذي أهمية عامة.

وعلى سبيل المثال قررمسؤول مغادرة صنعاء مع كل أفراد أسرته المقيمين بصنعاء إلى الحديدة ليلابعد أن علم بوفاة إحدى قريباته وعندما علم صالح كان قلقا ويتابع طوال الليل واتصل بكل مسؤول في الحديدة لمعرفة أين استقر المقام بهذا المسؤول وبعد أن علم أنه نزل في بيته وأنه ذهب إلى الحديدة لغرض أسري طارئ تنفس الصعداء وقال للرجل الذي لم يحمل سلاحا في حياته ويعد نموذجا للمواطن المدني المسالم 'الآن استطيع أن أنام'.

صالح عند تخليه كرها عن السلطة استشهد بالقرأن الكريم 'يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء' ثم أضاف كتعبير عن تسليمه بحتمية التغيير في السلطة 'لاسيفين في غمد واحد' وكعادته فإنه لم يكن يعني مايقول. الآن وهو خارج السلطة يريد تخريب المرحلة الانتقالية كما خرب الفترة الانتقالية لدولة الوحدة. اليمن لاتحتمل بقاء صالح فيه ولا مشاركته ومزاحمته لرئيس شرعي أتت به ثورة الشباب وانتخابات 21 فبراير غير المسبوقة في نزاهتها وفي عدد المشاركين فيها و تسوية دولية رعتها دول الخليج و28 دولة غربية وباركتها روسيا الاتحادية والصين الشعبية والأمم المتحدة بقرارها رقم 2014.صالح بعد أن خرج من الباب يريد أن يعود من النافذة وهو بذلك يتناسى التزاماته نحو المبادرة وتضحيات شباب الثورة المستمرة الذين قبلوا على مضض منحه الحصانة من الملاحقة القضائية المحلية والدولية. وإذا كان شيخ الرئيس لم يفلح فيما كان يريد فإن 'زعيم الرئيس' سيفشل فشلا ذريعا وفشله لن يقتصر عليه وحده وإنما على البائسين والحالمين بعودة عجلة التاريخ إلى الوراء الذين رفعوا في 'عيد ميلاده' يافطة كبيرة 'عائدون'. الزمن غير الزمن والرجال غير الرجال والشباب جاهزون لاستئناف ثورتهم ولايزالون مرابطين في الساحات والميادين ولم يغادروها. صالح غير مدرك بأن العالم كله مع اليمن المستقرة التي تضيف إلى أمن جيرانها ولاتكون مصدر قلق لهم وأنه يراقب هفوات صالح الذي لم يتعلم من أخطائه ولم يطلب من الله ومن الشعب الغفران والصفح. صالح خارج التاريخ ولامكان له في اليمن ولادور بعد اليوم واليمنيون بجغرافيتهم وبديمغرافيتهم بعد الوحدة لن يقبلوا أن تحكمهم أسرة تسيطر على السلاح والثروة وتستمر في اغتصاب السلطة من الباب الخلفي.

الرئيس هادي:

هذا الرجل الذي صوت له سبعة ملايين يمني بدون ضغوط ورشاوي مالية ودعاية كاذبة إن نجح في مسؤوليته سنعبر المرحلة الانتقالية بسلام والكل على ثقة بأن صالح لن يتمكن من إفشاله لإن قوى الثورة ستجبره على الانصياع لما لايريد وتنزع منه الحصانة ويكون هو المسؤول وحده عن إفشال المبادرة الخليجية وما يترتب على استئناف الثورة من أثمان.

هادي رئيس توافقي مقبول شعبيا ودوليا ويعي جيدا أن اليمن لن يمضي قدما وهناك سيفان في غمد حتى لو كان أحدهما خارج الخدمة و صدئ. لقد جرعنا صالح المرّ ومع هذا لايزال يرى اليمن مزرعته الخاصة والمواطنين أغناما هو راعيها يجز صوفها ويذبحها متى شاء.وفي هذه المرحلة ينبغي على صالح الخروج من اليمن لكي نعيش في سلام وبعد خروجه مايتبقى تفاصيل. زمن صالح ولى وإلى غير رجعة بإرادة الشعب ولكن لن يستطيع هادي وباسندوة عبور المرحلة الانتقالية بهدوء وسلاسة طالما بقي صالح في اليمن والسلاح والثروة بيد الأسرة.

بواسطة : على محسن حميد - كاتب ودبلوماسي يمني

القدس العربي


الحجر الصحفي في زمن الحوثي