الرئيسية > محليات > برساله حزينة ومؤثرة.. طبيب سوري يغادر اليمن بعد اكثر من11 عاماً " نص الرسالة"

برساله حزينة ومؤثرة.. طبيب سوري يغادر اليمن بعد اكثر من11 عاماً " نص الرسالة"

" class="main-news-image img

 

كتب الطبيب السوري خالد ناظيف الذي مكث في اليمن 11 عام رسالة قبل مغادرتها.

نص الرسالة: 

 

 حسناً يا أصدقائي ها أنا اليوم أهرب من كتابة هذا المنشور كما هربت طيلة حياتي من فراق من أحب .. 

 

11 عاماً قضيتها هنا في اليمن بينكم .. كنتم أهلاً لي وكنتم أخوة كنتم كل شيء في حياتي .. لم أشعر يوماً أنني غريب بينكم حتى أن البعض كان يتفاجئ عندما يعلم أنني لست يمنياً .. 

 

حان الوقت الذي لا أريده .. الوقت الذي هربت منه طويلاً .. ولكن لم يعد بالإمكان البعد عن والدي ووالدتي أكثر .. 

 

في آخر زيارة لي لوالدي قال لي لو سمحت ممكن تقرأ لي هذه الجملة فبصري لم يعد يساعدني .. ومرة قال لي عندما تأتي للمنزل ونسيت مفاتيحك اتصل لي على الجوال فسمعي لم يعد يساعدني لسماع الجرس .. أيضاً والدتي عند وداعي لا بد أن تقول ” وأنا هلئ لو احتجت شي مين بدو يجبلي ياه ” … 

 

مؤلم عندما تشعر أن من منحك سمعه وبصره وحواسه أصبح بحاجتك لترد له الجميل الذي لا يرد .. آخر الرسائل التي استقبلتها من والدي قبل بضعة أيام .. قال : عندما حل بي المرض في رمضان ظننت أنني لن أراك يا ولدي انا بانتظارك .. 

 

هكذا شاءت الأقدار وهكذا تقلبت بنا السبل .. نحن كعرب لا نملك أي حق باتخاذ قرار واحد في حياتنا .. أمواج الظروف هي من تتحكم بنا وها أنا اليوم أخضع لموجة جديدة كان قرارها إبعادي عن البلد الذي أحب .. 

 

 

شكراً لكم لكل ما قدمتوه لأجلي شكراً لهذه الأرض التي زرت أغلب محافظاتها ولا تختلف عن بعضها البعض كلهم يحترمون الغريب وما هي إلا لحظات حتى يصبح واحد منهم … 

 

سأشتاق إلى صباحاتي المعتادة في هذه المدينة إلى صوت أيوب طارش وهو يردد مقطعي المفضل من أغنية جوال .. ( وأسير وأنا أشكي الضما والخطو خوف وجروح ) .. 

سأشتاق لصوت علي الآنسي وهو يردد في أذني ( وقــف وودع حـبـيبي واسـبـل اجـفانه

ومـــس كــفـي وورد بـالـحـيا أوجــانـه

مـرحم دمـوعه مـطر فـي الـخد هتانه

يـوم الـوداع لـيت يـايوم الـوداع مـاكان) أيضا لن أنسى صوت أبو نصار في أغنية ( ليتني في النظير حيث القلوب السالية يا سقا الله رعا الله والمحبة بلية ) لعود فيصل علوي ولترانيم السمة و المرشدي .. للملالة التعزية وللبرع الصنعاني والرقص اللحجي ..

 

سأشتاق للحليب بال ( قوطي) لحارة العدانية لخبز الطاوة والخمير ول بلس السبعين وكأس الشاي حليب .. لصوت حرضة الفحسة الصنعانية لعصيد إب وتعز لمخلوطة الحديدة ولزربيان عدن ومندي حضرموت .. 

 

أتمنى أن أعود .. لركوب الباصات .. لأوجه الناس الموجوعة للحديث الذي يدور بيني وبين أهل اليمن في الباصات وينتهي دائماً بكلمة ( خلاص محاسب ) .. لصوت الزجاج عندما تطرق عليه امرأة داخل الباص ونصرخ جميعاً على جنب .. لكل هذه التفاصيل التي لا أعلم إن كنت سأعيشها مجدداً أم لا .. لصوت الفقراء وهم يطلبون صعودهم للباص بخمسين ويرد سائق الباص بلا تردد ( الله المستعان اطلع ) …

 

اليوم أغادر هذه الأرض وقلبي أشد هيجاناً من بحر عاصف .. أهرب من وداع أصدقائي .. أهرب من النظر في وجوههم أهرب من اتصالاتهم .. فأنا رجل اعتاد الهروب من كل ما يحيطه ..

 

زرت أغلب محافظات اليمن وقراها من شمالها لجنوبها القاسم المشترك الوحيد بين كل أهل هذه البلد .. هو الوجع الذي لا يخفى عليك عندما تنظر إلى وجوههم .. الجميع هنا يتألم لكن بطريقة مختلفة عن الآخر .. يستحق أهل هذه الأرض معيشة أفضل .. يستحقون إنصاف أكبر .. 

 

شكراً لكم جميعاً .. شكراً بحجم السماء لكل ما قدمتموه لي سأعود يوماً ما لا أعلم متى .. ولكن سيرزقني الله طفلاً يوماً ما بإذن الله .. سأحدثه أن أهل أمه كانوا أهلاً لوالده ،الرجل الذي منذ أن خلق وهو يبحث عن استقرار دائم لكنه لم يستطع الحصول عليه .. سأخبره أنه حفيد لبلقيس سبأ وسأخبره عن حضارة هذه الأرض وثقافاتها .. سأعلمه أن الوطن هو ألا تشعر أنك غريب في أي بقعة جغرافية ترميك الأقدار عليها .. 

 

ستبقى اليمن في قلبي .. كما هي سوريا .. ولكن حان الوقت لكي أقول لليمن كما أقول لسوريا .. ( سنرجع يوماً إلى حينا )

 

سامحوني إن أخطئت بعلم أو بدون علم … سامحوني إن قصرت في حقكم .. ليسامحني جميع أصدقائي الذين لم استطع الرد على رسائلهم واتصالاتهم .. 

 

السلام عليكم .. السلام على اليمن .. السلام عليكم يا أهلي يا أهل اليمن .. السلام على ترابها وجبالها ووديانها .. صحاريها وسواحلها .. السلام على أرق قلوباً وألين أفئدة ..

 

ابنكم المحب دوماً

خالد ناظيف 

19.10.2020

#الله_يطفيها_بنوره

 

ورد على رسالة ناظيف؛ سلمان القباتلي وجاء في رده: نيابة عن الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء.. 

ونيابة عن أصدقاء ليسوا من الأصدقاء ولا من أصدقاء الأصدقاء.. 

نيابة عن البسطاء في المواصلات العامة واصحاب (خلاص محاسب)..

نيابة عن صنعاء وصباحات صنعاء وآهالي صنعاء وأماكن صنعاء ، وإذاعات صنعاء ، وشوارع صنعاء ، ومباني صنعاء.. 

نيابة عن باب اليمن و التحرير والسبعين وعصر وحدة ، وجولة الرويشان..

نيابة عن المطاعم ، والحليب العدني وخبز الطاوة وبلس السعبين وفحسة صنعاء ، والعصيد ، والمندي الحضرمي.. 

نيابة عن الكافيهات والمقاهي ومربع هاواي والعامل الذي كان يمد لك بكروت الشبكة والشاي هناك..

نيابة عن أغاني أيوب وتقاسيم فيصل علوي ، وترانيم السمة وصوت الآنسي وهو يودعك نيابة عنا (وقف وودع حبيبي واسبل اجفانه..) ..

 

وداعاً خالد

فبك عانقت صنعاء دمشق

وامتزج الزيتون في البن

واحتضنت عدن شواطئ طرطوس

وابتسمت إب من شفاه إدلب

وبك أيضاً

نزفت اليمن من جسد الشام

وبكت تعز من عيون حلب

وناحت الرقة بصوت حضرموت… 

وداعاً خالد

وداع الأصدقاء الذين لا يكترثون للفراق نهاية كل لقاء لأنهم سيجتمعون في الغد أيضا… 

 وداع الزملاء الذين يعودون لمنازلهم نهاية الدوام ، ويلتقون بمن فارقوهم في اليوم التالي… 

وداعاً خالد

ولا أعني بهذا الوداع الوداع

فأنت لم تغادر البلد الذي سكنك قبل أن تسكنه

وإنما ستتنقل في وطن كبير يسمى اليمن والشام… 

يمنان أو شامان متشابهان لا يختلفان بشيء

فهما يمتلكان نفس الحرب القذرة ، ونفس المدن المدمرة ،ونفس الشعب المغلوب ، ونفس الحلم الباهت ، ونفس الحياة التعيسة ، ونفس الموت الشقي… 

شامان متشابهان في العدو والخراب ولا يختلفان إلا في أسماء موردي الأسلحة. 

آه يا خالد ما أقسى الحرب ؟!

وما أشدها على الشعبين اللذَين جمعهما حب السلام 

قبل بغض الحرب ؟!

كنا إخوة في الحب فقط ، فصرنا أهلا في الحب والحرب… 

فالسائرون بنفس الطريق أصدقاء ، والنازحون بنفس الوجع أقارب. 

كانت توحدنا العروبة فقط ، فصارت توحدنا الغربة والعروبة التي يبغضها أبو لهب…

يؤسفني يا خالد أن أخبرك أننا منبوذون في هذا الكوكب ، والإقليم ، محاربون من الداخل قبل الخارج ، ومن الجار قبل العدو…

ستنتهي الحرب غداً يا خالد

وستفوح روائح البن اليمني من منازل الشام

وستمتلئ مدرجات إب بالزيتون

وسنسمع الملالاة التعزية من أطفال حلب

وسيرقص أطفال تعز على إيقاعات الدبكة الشامية

وسندخل الشام كلما اشتاق إليكم من باب اليمن

ستنتهي الحرب غدا يا خالد

وستعود إلينا أو نأتي إليك ، وسنلتقي وأصوات قلوبنا تهتف (مرحبا خالد ) ووداعا إلى الأبد أيتها الحرب. 


الحجر الصحفي في زمن الحوثي