الرئيسية > محليات > فخري العرشي : يا إلهي كيف يموت الشرفاء سريعاً

فخري العرشي : يا إلهي كيف يموت الشرفاء سريعاً

" class="main-news-image img

كتب : فخري العرشي 

في مطلع الأيام الأولي من تسمية رئيس وأعضاء اللجنة الاقتصادية لمعاجلة التدهور الحاد الذي طرأ على العملة المحلية في شهري يوليو وأغسطس من العام ٢٠١٨، اتصل بي الأستاذ/ حافظ ميعاد رئيس اللجنة الاقتصادية مستشار رئيس الجمهورية، حوالي الساعة الثامنة من مساء الرابع من سبتمبر  للعام ٢٠١٨، يقول فيها "سيصل أستاذ الاقتصاد الكبير الدكتور عبيد شريم، قادماً من كنداً، وقد وجه رئيس الوزراء بالاهتمام فيه حتى تستكمل اللجنة اجتماعاتها والسفر معنا إلى عدن لمعالجة قضايا تدهور العملة، قال ايضاً " اهتم بالدكتور عبيد فهو إضافة كبيرة للفريق، بل مهندس الاقتصاد ومكسب لليمن عودة العقول الاقتصادية المهاجرة التي تحتاجها اليمن في هذه المرحلة الحرجة.

 بالفعل وصل المرحوم الدكتور عبيد شريم حوالي الساعة الثانية والنصف فجرًا، بتاريخ ٥ سبتمبر ٢٠١٨ إلى الرياض، بعد رحلة مضنية استغرقت حوالي ٢٢ ساعة قادماً من هاليفاكس تورونتو وهو في مقعد ركاب الدرجة السياحية، رجل بهذه العقلية والأهمية والقيمة المضافة، فضل ان يكون في مقاعد الدرجة الاقتصادية، حرصًا منه على أموال الدولة وترجمة لتاريخه الطويل في النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، وقد كان رحمة الله عليه مناهضاً لتبديد أموال الدولة حريصاً على تصحيح مسار العمل، رافضاً لكافة أشكال التسويف والتعطيل لمهم عمل الحكومة ومعالجة تداعيات الأزمة الاقتصادية، وقد كان رحمه الله مفكراً وناقداً واقتصادياً مخضرم، صارماً في عمله طيب القلب، ملتزماً بكل المعايير، لا يأخذ الا ما هو له ويترك ما هو للآخرين. 

 

لقد اصبت بفاجعة مؤلمة لم اكد أصدقها رغم إني عرفت، برحيل هذا العملاق الاقتصادي، الذي خسرت الوطن برحيله، واحداً من انزه أعمدة الاقتصاد اليمني وأكثرهم تواضعاً ومعرفة في شؤون الاقتصاد، كيف لي ان اصدق انه توفى يوم السبت الموافق ١٩ اكتوبر، وقد بعث لي رسالة يوم الجمعة الموافق ١٨ اكتوبر، كان الفارق بين وفاته ورسالة الجمعة المعتادة  ساعات،قرأت خبر الوفاة ودخلت اكتب اليه في الواتس لتكذيب الخبر، أقول فيها "دكتور عبيد سلام" ظهر لي علامة صحين، بعدها كتبت "دكتور أتمنى انك بصحة وعافية" لم يظهر عليه علامة القراءة، وبعدها ارتعش بدني حزناً وألم على فراق هذا الرجل السموح السمح دمث الخلق، عالي التواضع.

 

كتب لي الدكتور عبيد قبل عدة أسابيع وقال " الدنيا هي " منزل بالإيجار "

مهما ظننت أنك تملكها فأنت واهم, ومهما فَعلت فيها فإنّك ستتركها يوماً ما ..

 

والآخِرة هي " منزل تمليك "

بيدك الآن بناؤه فلتُحسن البناء ..

 

ستمكثون تحت الأرض زمناً لا يعلم مداه إلا الله، لن تتمكنوا فيه من أي عمل تنتفعون به ولو تسبيحة، 

فخُذوا من حياتكم لموتكم ..

هناك أناس بسطاء يعيشون معنا على الأرض ، لا مال ،  ولا جاه ، ولا منصب  في هذه الدنيا الفانية .

ولكن ..

 أملاكهم  في السماء عظيمة، قصورهم تُبنى وبساتينهم تُزرع ، فأكثروا من خبايا العمل الصالح ..

   أسعد الله صباحكم  و حياتكم

رديت على رسالته بقولي " متى الراتب" وكان هذا رده " وهل يفتى ومالك في المدينة، انا في آخر بقاع الأرض وتريدني أن اعرف، قد يكون راتب شهر يوليو الذي استلمناه هو آخر راتب" 

كان رحمة الله عليه شديد الإحساس ثاقب البصيرة يستدرك الأمور من حوله ويتعامل معها بصبر وحكمة وكان حضوره يؤثر في ميزان الاجتماعات ويثري في النقاشات من وقائع علمية وعملية وخبرة عتيقة، كيف لا وهو الدكتور الذي ذاع صيته في جامعة صنعاء كلية التجارة في مطلع التسعينات، وصدح بالحق عندما كان رئيس للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بصنعاء.

مثلك يفتقد يا دكتور عبيد، فقد كنت شمعة مضيئة في احلك الظروف، تركت اليمن مرتين الاولى للبحث عن وطن، والثاني لمساعدة الوطن.

 

استرجعت اليوم تاريخ مراسلتي معه منذ سبتمبر ٢٠١٨، فوجدت فيها النصح والإرشاد، بل وجدت فيها عمق في تحليل الشخصيات ومعرفة امكانياتها ومقامهم في عمل الدولة، وجدت اكثر الرسائل في الثلاثة الأشهر الأخيرة، ذكره المتكرر للموت وحالة الرضى الذي وصل اليها وقناعته بما لديه، قال لي في احدى الرسائل " فخري شيبت ، إذا استمريت على هذه الحاله من ضغط العمل ستشوف نفسك بالمنظرة وتتعجب . قول ما قلت لك. اكلمك جد." حافظ على نفسك وخذ حذرك...

رحمة الله تغشاك يا دكتور عبيد، ستبقى ذكراك خالدة، وستبقى ذلك الأكاديمي والاقتصادي الشامخ، والوطني الغيور الداعي للخير والأمن والاستقرار ، اسأل الله لك الرحمة والمغفرة ، وان يسكنك فسيح جناته وان يلهم اهلك وذويك الصبر والسلوان، وانا قلوبنا على فراقك يعتصرها الألم والحسرة ، فرحيلك خسارة فادحة و وجع ما بعده وجع. نعم انها خسارة الشرفاء الذي يفارقون الحياة سريعاً. ارقد بسلام فلم تسلب احدا شيء، بل تركت مالك للآخرين.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي