الرئيسية > محليات > «القاعدة» في رداع: آخر ألاعيب صالح؟

«القاعدة» في رداع: آخر ألاعيب صالح؟

class="mceTemp mceIEcenter" style="text-align: center;">
قبليون يجولون في أحد شوارع رداع الشهر الماضي (خالد عبد الله ــ رويترز)
قبليون يجولون في أحد شوارع رداع الشهر الماضي (خالد عبد الله ــ رويترز)

جريرة الاخبار اللبنانية : قبل مغادرته اليمن كان علي عبد الله صالح قد فتح لعبة القاعدة مجدداً. وهذه المرة كانت في منطقة رداع التي لم يُعرف أي تواجد لأفراد من التنظيم في جغرافيتها. وعلى الرغم من حصول اتفاق أدى لخروج جماعة أصولية قامت باحتلال المدينة طوال نحو أربعة أسابيع، بعدما تعهدت السلطة بتنفيذ بعض من مطالب الجماعة المسلحة، إلا أن التطورات اللاحقة تقول أن هذا السيناريو سيتكرر في أماكن أخرى من اليمن

جمال جبران - صنعاء | يبدو أن علي عبد الله صالح، وحتى إلى ما قبل أسبوعين من مغادرته اليمن والتوجه للولايات المتحدة للعلاج، لم يكن قد ملّ بعد من استخدام ورقة القاعدة، على الرغم من توقيعه على المبادرة الخليجية التي حوّلته إلى رئيس شرفي بلا صلاحيات. هو لا يزال مصراً على رفع شعاره الأثير مجدداً «أنا أو القاعدة». فعلها في محافظة أبين (جنوب اليمن) في منتصف شهر أيار من العام الماضي عندما أمر قوات الأمن هناك بترك أبواب المدينة مفتوحة وعدم إبداء أي مقاومة أمام هجوم مئات من المسلحين، قال النظام لاحقاً إنهم ينتمون لتنظيم «القاعدة». وها هو الآن يفعلها مجدداً ولكن بطريقة تم إخراجها بشكل رديء للغاية.. حيث قام شيخ قبلي، من مدينة رداع يدعى طارق الذهب، يمتلك نفوذاً قبلياً واسعاً وينتمي لقبيلة شهيرة بشراستها وانتشار السلاح بين أفرادها بشكل كبير في محافظة البيضاء (جنوبي صنعاء)، وبمعية مئات المسلحين، بالدخول إلى المنطقة من دون أن يلقى أدنى مقاومة من قوات الأمن المركزي والحرس الجمهوري المتواجدة في المنطقة. لم يقف أمام الذهب ورجاله شيء ودخلوا المدينة وكأنهم ذاهبون في نزهة أو في رحلة صيد وليس لاحتلال مدينة بكاملها وإعلانها لاحقاً إمارة إسلامية. وبعد هذا الدخول، توجهوا إلى مسجد «العامرية» الرئيسي في المدينة، حيث أدوا هناك صلاتي المغرب والعشاء. وفي ما بينهما قام طارق الذهب بإلقاء خطبة أعلن فيها البيعة لزعيم تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، ناصر الوحيشي، ولزعيم تنظيم «القاعدة» في أفغانستان أيمن الظواهري، كما أعلن مجموعة من الإجراءات الإدارية في المدينة منها إلزام أصحاب محطات الوقود ببيع البنزين بسعره القديم الذي كان قبل اندلاع الثورة الشعبية الشبابية في اليمن، وهي خطوة هدف منها كسب تعاطف الأهالي المتواجدين في المنطقة. بعدها توجهوا الى قلعة العامرية الأثرية المطلة على المدينة، لكنهم لم يتوقفوا عند هذا الحد. ففي اليومين التاليين سيطر الذهب ورفاقه على باقي أجزاء المدينة، وذهبوا الى السجن المركزي وقاموا بإطلاق جميع السجناء، وهو تصرف قال عنه نائب وزير الإعلام اليمني عبده الجندي أنه إجراء يهدف لزيادة عدد الجماعة بعد تسليح الراغبين من السجناء في الانضمام إليهم، وهو الأمر الذي نفاه طارق الذهب في بيان، إذ أكد أنه لم يقم بالإفراج سوى عن سجينين من أتباعه. كذلك أعلن لاحقاً عبر تسجيل مصوّر له أن «الخلافة الإسلامية قادمة ولو ضحينا في سبيل ذلك بأرواحنا وجماجمنا». وتوعد بتحرير الجزيرة العربية بعد «تحكيم الشريعة الإسلامية في اليمن نزولاً عند رغبة أبناء الشعب». في هذا الوقت كانت اللجنة العسكرية، التي تم تشكيلها بهدف إنهاء المظاهر المسلحة في المدن اليمنية بحسب ما جاء في بنود المبادرة الخليجية، تواصل اجتماعاتها في العاصمة صنعاء للبحث في آخر نتائج عمليات إزالة المتاريس والآليات العسكرية من شوارع مدينتي صنعاء وتعز. وأصدرت بياناً أشادت فيه بـ«تقدم تلك العمليات بشكل ايجابي»، من دون أن تغفل التنويه إلى أنها ستقوم بتشكيل لجنة تقصّ بشأن ما يحدث في مدينة رداع. لكن ظهر أن كل اللجنة كانت في جهة، وشيوخ قبائل رداع في جهة أخرى، وهم يحاولون تدارك الوضع المتدهور في ظل غياب فاضح للقوات الأمنية وعدم إبداء أي مقاومة تذكر تجاه احتلال عناصر الذهب للمدينة. وعلى أثره، أعلن شيوخ القبائل عن اجتماع لتدارس الوضع الخطير، وخصوصاً مع لجوء الناس هناك لحمل سلاحهم والوقوف أمام متاجرهم وبيوتهم لحمايتها، والأخطر من كل هذا هو أن عدداً كبيراً من أولئك المساجين الذين تم إطلاق سراحهم محتجزون على ذمة قضايا ثأر وجرائم جنائية جسيمة كالاغتصاب والسرقة والقتل، ومنهم نحو 165 شخصاً قد صدرت بحقهم أحكام فعلية بالإعدام. لكن كيف دخل كل ذلك العدد الكبير من المقاتلين إلى المدينة وكيف استطاعوا المرور من كافة نقاط التفتيش العسكرية المتواجدة على طول الخطوط الرئيسية الواصلة بين المحافظات اليمنية. يقول مصدر محلي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إنهم لم يدخلوا الى المدينة كما أشيع بل تم تجميعهم داخلها. وأوضح لـ«الأخبار» أن عدداً من المشايخ قد وجه نداءات متكررة للسلطة بخصوص وجود متزايد لمسلحين غرباء عن المدينة بداخلها «لكن لم تجد هذه النداءات أي استجابة»، وانتهى أولئك الشيوخ إلى توجيه نداء إلى المسلحين يطالبهم بالخروج من المدينة، وإلاّ فسوف يستخدمون القوة لإخراجهم وقد أعطوهم مهلة ثلاثة أيام» قبل أن يطلب طارق الذهب تمديد المهلة بغرض الجلوس مع كبار مشايخ القبيلة والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف من غير الحاجة للجوء الى قوة السلاح، وهو الضغط الذي أسفر في نهاية المطاف عن خروج الجماعة المسلحة من المدينة بعد رضوخ السلطة في تنفيذ بعض من مطالب طارق الذهب المتمثلة في إخراج شقيقه الأصغر من سجن الأمن السياسي في صنعاء. لكن المفاجأة الأبرز جاءت من طرف خالد الذهب عندما قال في تصريحات صحافية إن شقيقه طارق ينسّق تماماً مع جهاز الأمن القومي ومع وزير الداخلية السابق، وهو الأمر الذي يدفع للتساؤل حول حقيقة كون طارق الذهب من القاعدة أم أنه جزء من جهاز أمني يقوم بتنفيذ مهام محددة له؟ ويبقى لافتاً أن اسم طارق الذهب لم يحدث أن ارتبط باسم تنظيم القاعدة وبعملياتها، بل إنه حتى لم يغادر اليمن إطلاقاً، وكل ما يربط اسمه بالقاعدة هو أن شقيقته كانت متزوجة من الداعية اليمني أنور العولقي، القيادي في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والذي قضى في العام الماضي عبر استهدافه بصاروخ أطلق من طائرة أميركية بدون طيار. يقول مدير تحرير صحيفة «المصدر» المستقلة، الصحافي عبد الحكيم هلال، إن مدينة رداع كانت بعيدة تماماً عن أي ذكر لتواجد القاعدة بداخلها ولم يحدث أن ارتبط اسمها بالقاعدة، لكنه مع ذلك لا ينفي أن للقاعدة وجوداً حقيقياً في محيطها وفي اليمن عموماً على عكس ما تقوله المعارضة اليمنية دائماً عبر نفيها المتكرر لوجود القاعدة وإنها مجرد ورقة يريد صالح اللعب بها. كما لا ينفي هلال، في حديث لـ«الأخبار» ومن خلال الطريقة التي تمت بها السيطرة على المدينة، «أن هناك علاقة بين هذه الجماعة وبين نظام صالح الذي يريد إحداث إرباك جديد في البلاد وإرجاعها الى المربع الأول». ويذهب الصحافي في جريدة «الثوري» التابعة للحزب الاشتراكي اليمني المعارض، خالد عبد الهادي، في نفس الاتجاه الذي ذهب إليه هلال عبر تأكيده لا معقولية نفي وجود القاعدة في اليمن بشكل دائم، لكنه يؤكد بدوره أن للنظام يداً طولى في ما يحدث، وهو يتسق مع رغبة القاعدة في استغلال حالة الانفلات الأمني القائمة في البلاد والقيام بمزيد من السيطرة على مناطق جديدة. وقال عبد الهادي لـ«الأخبار» إن هذا النهم إلى السيطرة التي تبديه القاعدة قد يأخذ سيناريوهات خطيرة للغاية إذا قرر التنظيم النزول شمالاً باتجاه مدينة ذمار المجاورة حيث ينتمي غالبية السكان الى المذهب الزيدي وحيث يوجد «كرسي الزيدية»، وهو ما سوف يعتبر حرباً مذهبية واضحة. وحذر من أنه «في ذمار قبائل زيدية مسلحة وشرسة، ولن تقف متفرجة أمام أي هجوم يقوم باستهدافها». من جهته، قال مصدر إعلامي في حزب المؤتمر الشعبي العام، فضّل عدم ذكر اسمه لـ«الأخبار»، إن هذه الأعمال التي قام بها علي عبد الله صالح قبل مغادرته اليمن إنما كانت في سياق محاولاته إدخال البلاد في دائرة من الفوضى على الرغم من إقرار قانون الحصانة الذي أعطى صالح الحماية من أي ملاحقات قضائية عن كافة أفعاله خلال فترة حكمه التي امتدت لثلاثة وثلاثين عاماً. وبالتزامن، بدا لافتاً عودة ظاهرة تسليح أفراد تابعين لحزب المؤتمر العام الذي يرأسه صالح، وخصوصاً في مدن تعز والضالع (جنوبي صنعاء). وتقول مصادر مطلعة إن هدفها الرئيسي في المرحلة المقبلة هو تعطيل إجراء الانتخابات الرئيسية المبكرة التي من المقرر لها أن تتم في الواحد والعشرين من شباط الجاري، وبالتالي عودة اليمن إلى المربع الأول مرة أخرى.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي