الرئيسية > محليات > اليمن تلتقط أنفاسها وتستعد لجولات قادمة

اليمن تلتقط أنفاسها وتستعد لجولات قادمة

100
متابعة: محمد عبد الحميد عبد الرحمن- إذاعة هولندا العالمية/ بعد مغادرة الرئيس اليمني على عبد الله صالح في رحلة علاج لن يعود منها رئيسا لليمن، بدأت العاصمة اليمنية صنعاء تستفيق تدريجيا من الكوابيس المتنوعة التي جثمت على صدرها لما يقارب العام.

إزالة المتاريس في انتظار الكهرباء
نجحت اللجنة العسكرية المشتركة بين طرفي الصراع في اليمن في إزالة المظاهر المسلحة والمدرعات والمتاريس على الأقل من الشوارع الرئيسية مثل شارع الزبيري والطريق الدائري مما عزز الشعور بأن الأزمة المتطاولة في اليمن في طريقها للانفراج. ومع ذلك فما زالت العاصمة ابعد ما تكون عن أحوالها وأوضاعها قبل عام حسب مصادرنا في صنعاء حيث تزود أحياؤها بست ساعات فقط من الكهرباء يوميا بالتناوب مما يؤثر كذلك على خدمات المياه.

لكن المراقبين يحذرون من أي تراخ في إزالة المظاهر المسلحة التي انتقلت في كثير من أحياء صنعاء للشوارع الداخلية والأزقة قد يؤدي الى انتكاس العملية الانتقالية بمجملها والعودة للمواجهات التي يمكن أن تصبح أكثر شراسة بغياب اللاعب الأكبر علي عبد الله صالح الذي حكم اليمن لثلاثة وثلاثين عاما بمزيج من القوة العسكرية والأمنية والحفاظ على التوازنات القبلية والمناطقية الدقيقة والتلاعب بالخصوم واستخدامهم ضد بعضهم البعض والفساد والاعتماد على شبكة محكمة من الأقارب في المواقع الحساسة.

اقل الخيارات كلفة
يرفض الكثير من شباب التظاهرات المعارضة في اليمن الحصانة التي منحت للرئيس صالح لكن المتحدث باسم أحزاب اللقاء المشترك المعارضة عبده غالب العديني يري إن إقرار قانون الحصانة كان اقل الخيارات كلفة للتغيير, ويعترف العديني بأن ما تم التوصل إليه لا يرتقي إلى مستوى تطلعات المشترك ومطالب شباب الثورة في الميادين إلا انه ضرورة ملحة في الوقت الراهن لتجنيب البلد الكثير من المشكلات والآلام.

الشباب الذي يواصل التظاهر السلمي رفضا لمنح الحصانة للقتلة، على حد تعبيرهم، سيبقى في الساحات كما يقولون حتى نهاية فبراير القادم وسيتمسك بمطالبه التي قد لا تسمح بالتوصل لتسوية سلمية يتطلع إليها غالبية اليمنيين. وقد يتراجع دورهم برحيل صالح مثلما حدث لرفاقهم المصريين إذا لم يتمكنوا من تنظيم أنفسهم سياسيا بطريقة تسمح لهم بالتأثير على صنع القرار السياسي في يمن المستقبل.

بمغادرة الرئيس صالح يتأهب نائبه المشير عبد ربه هادي منصور لتسلم رئاسة الجمهورية في انتخابات رئاسية تجري في الحادي والعشرين من شهر فبراير القادم يكون فيها الفريق منصور هو المرشح الوحيد. هذا الترشيح المنفرد الذي اقره البرلمان اليمني يتناقض مع نص دستوري صريح بان تجري الانتخابات الرئاسية بين ثلاثة مرشحين على الأقل. لكن الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية لحل ألازمة اليمنية تنص صراحة أيضا على أن بنودها تعلو على أية ترتيبات دستورية أخرى تختلف عنها.

عقارب الأقارب
غير أن الانتخابات الرئاسية نفسها لن تكون نهاية المطاف وليس من الواضح كيف ستعالج أوضاع المؤسسات العسكرية والأمنية التي لا يزال يقودها أقارب الرئيس صالح فابنه احمد يقود قوات الحرس الجهوري الأفضل تجهيزا وتدريبا في الجيش اليمني، فيما يقود اللواء محمد صالح الأحمر (الأخ غير الشقيق للرئيس صالح) قوات الدفاع الجوي ويرأس ابن شقيقه عبد الله صالح جهاز الأمن القومي وغيرهم كثر. ولا شك أن استبعادهم من قيادة هذه الوحدات المهمة دون إراقة دماء غزيرة ستكلف الكثير من الوقت والجهد والمناورات والتنازلات.

لكن الثورة اليمنية ابتدعت أيضا وسائل وطرقا لم تشهدها الدول العربية التي مرت بها نسائم الربيع العربي ومن أهمها تمرد الموظفين والعاملين والجنود والضباط على رؤسائهم ليس بترك مواقع عملهم والانضمام للثوار بل بالاستيلاء على هذه المواقع وطرد الرؤساء كما حدث في معظم المؤسسات المدنية وبعض المؤسسات العسكرية، الأمر الذي اعتبره الرئيس صالح وأنصاره محاولة لاجتثاث حزب المؤتمر الشعبي الحاكم من الحياة السياسية في اليمن كما حدث في عملية اجتثاث حزب البعث في العراق. وقد تناقلت أجهزة الأعلام اليوم أن ملازما شابا في القوات الجوية تجرأ على ضرب اللواء محمد الأحمر بحذائه ولا زال يحتفظ برأسه فوق رقبته مما يؤكد على نحو مفارق أن اليمن قد تغيرت فعلا على حد كبير.

خارج قواعد اللعبة
كما إن هنالك لاعبين آخرين في الساحة لا يخضعون تماما لقواعد اللعبة السياسية الرسمية يمكنهم زرع ألغام لا حصر لها في طريق تصفية وتسوية تركة الرئيس صالح حسب مصدر يفضل حجب هويته في صنعاء.

لعل اهم تلك التهديدات هي الجماعات الأصولية الجهادية التي استولت إحداها على مدينة رداع في تطور خطير. ويزعم خصوم الرئيس صالح أن أجهزة الامن التابعة له هي التي سهلت لجماعة "أنصار الشريعة الإسلامية" التي يقودها الأصولي المغمور طارق الذهب الاستيلاء على هذه المدينة المهمة. ويقولون ان استيلاء هذه الجماعة التي لا يتجاوز عددها الستمائة شخص على مدينة رداع هي آخر فزاعات الإرهاب التي كان يستخدمها الرئيس صالح لتخويف اليمنيين والمجتمع الدولي من القاعدة وان هذه الجماعات ستنحسر حال انحسار سلطة الرئيس صالح وأقربائه.

الحوثيون شمالا والانفصاليون جنوبا
يشكل المتمردون الحوثيون في محافظة صعدة في شمال أيضا واحدة هذه التحديات بالرغم من ميلهم للتفاهم مع أحزاب المعارضة في صنعاء، إذ أن تمردهم الذي بدا ضد الحكومة المركزية في صنعاء اتخذ أيضا أبعادا محلية خالصة بالصدام مع القبائل المجاورة وبعض جماعات السلفيين.

ويضاف لكل هؤلاء التوجهات الانفصالية في جنوب اليمن التي توحدت مع شمالها في مايو 1990 وكانت تخوض صراعا ضد حكم على عبد الله صالح وتدعو لانفصال الجنوب. من الواضح أن هذه الجبهة قد تصدعت لحد ما بمغادرة على عبد الله صالح وان هنالك قيادات قوية من داخلها تتحدث عن ترتيبات لامركزية جديدة في إطار الدولة اليمنية الموحدة.
ومن المتوقع ان تتعزز هذه الاتجاهات التصالحية في جنوب اليمن خاصة وان السلطة الانتقالية في صنعاء سيقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الوزراء محمد سالم باسندوة وكلاهما من الشطر الجنوبي من اليمن.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي